لا يخفى على أحد أن التدريب أمر مهم للممثل، وتطوير قدراته وأدواته ليثبت موهبته ويكتسب مهارات متنوعة تتيح له أداء جميع المهام التي توكل إليه مهما كانت عصية، ويكاد يكون التدريب مطلباً ضرورياً وملحاً من أجل الحصول على ممثل بارع يجيد كل الألوان التمثيلية.
تأدية مثلى للشخصية
لعل الممثل الناجح هو من يستطيع أن يكون مرناً مع نص الدور الذي يسند إليه وبارعاً في إقناع الجمهور بموهبته ومتميزاً في إضحاكه أو إبكائه، فهو يؤدي الشخصية بالصورة المثلى وينفذ تعليمات الإخراج بحذافيرها ويسعى لأن يأسر قلوب المتابعين في كل مشهد وكل لقطة وبالتالي يكون لديه ما يعرف بـ«الكيميا» في التواصل مع هذا الجمهور، إضافة إلى ضرورة تقمصه جميع الشخصيات والأدوار سواء على خشبة المسرح أم أمام الكاميرا.
مهارات ذاتية
إن الانغماس في تفاصيل العمل للتلفزيون يفرض علي الممثل إحاطة تامة بحيثيات العمل ومعرفة على قدر عال من الثقة وكيف تتشكل اللوحة الفنية الجلية للممثل بالنسبة للمتلقي، ولاسيما مع تنوع وتعدد مدارس الإعداد المسرحي والفني وكذلك الإخراج وظهور وجوه وأشكال جديدة للعلن، إضافة إلى إستوديوهات احترافية ومنهجيات متطورة وكوادر تأهيلية على مستوى عالٍ، فإن ذلك سيحتم بطبيعة الحال على الممثل تقديم الأفضل دائماً من أجل أن يحفظ لنفسه مكانة مرموقة ويحافظ على موقعه على الخريطة الفنية.
وبطبيعة الحال فلا يختلف اثنان على ضرورة تمتع الممثل بالموهبة اللازمة والمهارات الذاتية قبل الخوض في ميدان التدريب والتمرين، إضافة إلى التركيز على أهمية تمتعه بالشعور الحقيقي في الشخصيات التي يؤديها من خلال الاعتماد على تقنياته وأدواته.
كبار المختصين
ظهر في الآونة الأخيرة في سورية بعض المعاهد الخاصة والدورات التدريبية وورشات تعليم اليافعين وكيفية الوقوف أمام الكاميرا والتحدث إلى الجمهور وإعداد الممثل وما إلى ذلك، ضاربة عرض الحائط بوجود صرح أكاديمي معني بهذا الشأن وهو المعهد العالي للفنون المسرحية الذي بات اليوم عمره يدنو من الخمسين عاماً، وقد خرّج المئات من نجوم الفن والتمثيل وأعطى المحاضرات في قاعاته كبار المتخصصين والدارسين للشأن الفني، ومنهم فواز الساجر وسعد اللـه ونوس وأسعد فضة سابقاً واليوم من بينهم الفنان فايز قزق والدكتور سامر عمران وغيرهم الكثير من الأكفاء الذين يخرجون لنا سنوياً أعداداً كبيرة ممن تجذرت موهبة الفن فيهم، واستحوذ على تفكيرهم الشغف في هذه المهنة وحملوا ما درسوه في هذا المكان الذي احتضنهم إلى العالم ليقدموا كل جميل وبديع ومميز ولطيف، والسؤال هنا… هل من الممكن أن تسحب البساط تلك المعاهد الخاصة أو الورشات والدورات التدريبية من تحت المؤسسة التعليمية الأولى من نوعها في سورية بهذا الميدان؟
صرح أكاديمي عريق
من جانبه عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د. تامر العربيد أوضح في تصريح لـ«الوطن» أن وجود معاهد خاصة في تدريب الشباب وتنمية مواهبهم التمثيلية ليس بالأمر السيئ بل هو حالة صحية لا بأس بها، ولكنها ليست ولن تكون البديل من المعهد العالي ولا مجال للمقارنة بينهما، فالمعهد العالي صاحب التاريخ العريق هو مؤسسة أكاديمية رائدة في مجال إعداد الممثل ودليل ذلك هو ما نراه اليوم على الشاشات من خريجين وفنانين محترفين ومثقفين أصحاب أداء عالٍ وبمستوى تمثيلي متميز لأنهم خضعوا لتدريبات وضعت بطريقة مدروسة وتشبعوا بأساسيات المهنة وأقسامها ومدارسها، حيث يقوم أساتذة مختصون وأصحاب باع طويل في مهنة التمثيل بتقديم علوم المهنة وحيثياتها لهم ومتابعة تطور موهبتهم ونقاط ضعفها والعمل بشكل دؤوب برفقة الطلاب للوصول إلى مشروع التخرج الذي سيضعهم على نقطة الانطلاق نحو عالمهم الاحترافي الذي تتطلع إليه أنظارهم.
معايير قبول نوعية وأكاديمية
وأضاف العربيد: إن المعهد العالي عمره أربعة عقود ومناهجه تراكمية إبداعية نتيجة جهود كثير من المبدعين والأسماء الكبيرة مثل فواز الساجر وأسعد فضة ووليد قوتلي ونائلة الأطرش وممدوح عدوان والقائمة تطول، وقد وضعت هذه الأسماء منهجيات مدروسة بعناية تحدد عمل الممثل على الصعيدين النظري والعملي.
كما بيّن العربيد أن معايير القبول في المعهد العالي نوعية وأكاديمية ويتم اختيار الأفضل فالأفضل، والمعهد مفتوح أمام جميع الموهوبين والراغبين، ولكن المعهد حالة مختبرية وأنظمته واقعية ومرنة ومن لا يثبت أحقيته وجدارته فإن للإدارة الحق في فصله لعدم الموهبة.
وقت كافٍ للتعلم
في ضوء ذلك يوضح الكاتب والمؤلف محمود إدريس أن المعهد العالي للفنون المسرحية هو واحد من أعرق المؤسسات الأكاديمية التي تخرج فنّانين مبدعين ونجوماً من العمالقة في المنطقة… وهو رائد في هذا المجال، ويكاد لا يخفى على معظم المعنيين بالشأن الثقافي والفني ذلك ولاسيما أنه يتبع إدارياً لوزارة الثقافة.
وبين إدريس أنه بعد الحرب الأخيرة وكما كل الاختصاصات فقد تأثر المشهد الثقافي والفني بطبيعة الحال بالحرب وتداعياتها ومخلفاتها، ولكن الفرق بين الانتساب للدورات الخاصة والورش التعليمية وبين المعهد العالي للفنون المسرحية هو أن الأخير يدرس أصول المهنة وتاريخها وتفاصيلها وجميع أقسامها ويعطي الوقت اللازم والكافي لترسيخ ما هو مطلوب في ذهن المتعلم.
فهو يقدم فكرة عن تاريخ الفن وأصوله وأهم أعلامه ومدارسه وأشكاله وفروعه ويبني علاقة وطيدة بين الممثل والخشبة، ولاسيما أنه معني بالدرجة الأولى بالمسرح الذي هو أبو الفنون.
كما ركز على أن خريج المعهد العالي يمكنه تبنّي فرضية ما ويقوم بالعمل حسب مقتضيات الشخصية مستخدماً أدواته وبراعته بشكل أعمق ومركّب أكثر.
دورات للهواة
ونوه بأن طلاب المعاهد الخاصة من «دون تعميم» فيهم نسبة كبيرة من الهواة وأولئك الذين يلهثون وراء الشهرة والظهور أمام الكاميرا والظهور للعلن بصورة سريعة وتحقيق انتشار منقطع النظير، على حين أن طلاب المعهد العالي في الأغلب هم أصحاب موهبة حقيقية ويمتلكون الكاريزما اللازمة ويلجؤون للمعهد من أجل التعمق أكثر في هذه المهنة وتعلم حيثياتها.
وأضاف إنه لا يمكننا أن نقارن بين كلتا الجهتين لأن المسألة لا تحتمل المقارنة وكلتاهما لا تقدمان النتيجة ذاتها.
منهج تراكمي
وختم حديثه مؤكداً بأنه منحاز من دون أدنى شك إلى المعهد العالي لأنه صاحب عراقة، والقائمون عليه من الكفاءات المتميزة، وهو ينهج إستراتيجية تراكمية ويعتمد بناء شديد التعقيد، وتابع: إنه في الوقت ذاته لا يعارض فكرة ومبدأ المعاهد الخاصة والدورات التدريبية المعنية بإعداد الممثل فلا يمكننا أن ننكر أن عدداً لا بأس به ممن خضعوا لتلك الدورات بات اليوم يظهر في أدوار لا بأس بها في الدراما التلفزيونية.
سيرياهوم نيوز 4_الوطن