آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ثورجيون في المصيدة

ثورجيون في المصيدة

د. سليمان الصدي
من أغرب ما قرأت عن عمليات صيد الحيوانات عملية صيد الفيل، فحين يقوم الصيادون باصطياد فيل حي؛ لترويضه يستعملون حيلة للتمكن من الفيل الضخم، صعب المراس، فيحفرون في طريق مسيره حفرة عميقة بحجم الفيل ويغطونها، وحين يقع فيها لا يستطيع الخروج، وهم لا يجرؤون على إخراجه لكيلا يبطش بهم، فيلجؤون إلى الحيلة الآتية:
ينقسم الصيادون إلى قسمين: قسم بلباس أحمر، وآخر بلون أزرق، وذلك لكي يميز الفيل بين اللونين،
فيأتي الصيادون الحمر ويضربون الفيل بالعصي، ويعذبونه، وهو غاضب لا يستطيع الحراك، ثم يأتي الصيادون الزرق، فيطردون الحمر، ويربتون، ويمسحون على الفيل، ويطعمونه، ويسقونه، ولكن لا يخرجونه، ويذهبون، وتتكرر العملية، وفي كل مرة يزيد الصياد الشريك الشرير الأحمر من مدة الضرب والعذاب، ويأتي الصياد الشريك الأزرق (الطيب) ليطرد الشرير، ويطعم الفيل، ويمضي حتى يشعر الفيل بمودة كبيرة مع الصياد الشريك (الطيب)، وينتظره في كل يوم، ليخلصه من الصياد الشريك (الشرير)
وفي يوم من الأيام يقوم الصياد الشريك ( الطيب) بمساعدة الفيل الضخم، ويخرجه من الحفرة، والفيل بكامل الخضوع والإذعان والود مع هذا الصياد الشريك الأزرق الطيب، فيمضي معه، ولا يخطر في بال الفيل أن هذا ( الطيب) بما أنه يستطيع إخراجه، فلماذا تركه كل هذا الوقت يتعرض لذلك التعذيب؟ ولماذا لم ينقذه من أول يوم ويخرجه؟ ولماذا كان يكتفي بطرد الأشرار وحسب؟
كل هذه الأسئلة غابت عن بال الفيل الضخم..
وما أكثر الصيادين هذه الأيام! بعض الناس تعود على الذل والانبطاح، تذكرت حين هلل اللبنانيون لزيارة ماكرون الذي أتى ليقبّلهم، وكأن لديه مناعة ضد فيروس كورونا، تذكرت بريمر حين دخل إلى بغداد بعد أن دمرتها قوات بلاده، واستقبله بعض الشعب العراقي على الرحب والسعة، تذكرت كيف استقبل بعض الشعب السوري قوات العثماني أردوغان في إدلب وريفها وريف حلب ورفعوا الاعلام التركية تمجيدا لمن يحتلهم وينام في غرف نومهم، تذكرت كيف استقبل جزء من الشعب السوري في شرق سوريا الأمريكي، وفتحوا له غرف نومهم.
تذكرت كيف استقبل جزء من الشعب الليبي الأمريكي والفرنسي الإيطالي بعد أن قتلوا القذافي ومثلوا بجثته، ومن ثم استقبلوا بل واستقدموا قوات العثماني أردوغان ليكون حارساً ولصاً في غرف حريتهم.
هكذا تم ترويض الجماعات المسلحة التي قامت في وجه الدولة السورية، لقد اصطادتهم الدول التي تمتلك مشروعاً معادياً للدولة السورية، ومن جهة شعروا بالعذاب لتحصيل ما يريدونه، ومن جهة أخرى قُدّمت لهم الأموال، والإقامات في الفنادق الفاخرة، حتى تم جرهم إلى المكان الذي أرادوه لهم، ثم يشكرون من يروضهم، وهم أصلا سبب ما هم فيه من الم وبلاء، ففي النهاية الأزرق والأحمر وجهان لعملة واحدة!
إن الثورة الحقيقية لا تزدهر في الفنادق الفخمة، ولا تتناسب مع العملة الصعبة، والثوار الحقيقيون ثوار من الداخل، لا أبواق في الخارج، ويحضرني موقف الجنرال جياب بطل الثورة الفيتنامية الذي انتصر على فرنسا وأمريكا معا حين زار عاصمة عربية توجد فيها فصائل ثورة. فلما شاهد حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها قادة تلك الفصائل وقارنها بحياته مع ثوار الفييت كونج في الغابات الفيتنامية قال لتلك القيادات: من الصعب أن تنتصر ثورتكم، فسألوه لماذا؟ أجابهم لأنّ الثورة والثروة لا يلتقيان.
فالثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب، والثورة التي يغدق عليها المال تتحول إلى لصوص ومجرمين.
ومن هنا كانت الساحة واسعة أمام الإسرائيلي الذي شاهد هذه الفصائل، وهي تنفذ ما يرغب هو في القيام به، فكانت رديفه، أما هو فيقوم بين الفينة والأخرى بغارة جوية على الأرض السورية، وآخرها ما حدث مؤخراً، وذهب ضحيته ضباط من الجيش العربي السوري، وفي هذا المقام يحق للقارئ أن يسأل: لماذا لا ترد الدولة السورية على هذه الغارات؟
إن ثمة اعترافات خجولة  للإسرائيليين أن الجيش السوري طرأ عليه تغير نوعي، وتحديثي بسبب الحرب، من هنا نقرأ أن هذه الغارات ما هي إلا غارات استفزازية، فقد أراد الإسرائيلي أن يكشف النقاب عن القدرات الدفاعية السورية، ومما لا شك فيه أن التقارير التي يمتلكها الأمريكي والإسرائيلي تجعلهم يتخذون قرار إرسال الطعم، إنها تحاول بشتى الوسائل استفزاز الدفاع الجوي السوري الذي يبدو انه دفاع جوي يقبع في الظلام الدامس للجواسيس وعملاء الموساد و لا يعرف عنه الاسرائيلي منذ أن أدخله إليه الثورجيون في عمليات تدمير الرادارات والقواعد القديمة بين عامي 2011 و2013 .. والتي حلت محلها قواعد وأنظمة إطلاق جديدة وحديثة ومعقدة.
وهذا العمل الاستفزازي طلب أمريكي، فلا تريد إسرائيل الحرب، بل تريد الاستعداد للحرب، ولن يكون استعدادها متيناً مالم تختبر ماذا طرأ على الدفاع الجوي السوري. تريد إسرائيل صاروخاً واحداً تقرأ في خطوطه ولهبه وضوئه كيف ستكون حدود المعركة القادمة، لكنها أمام رجال ميدان تمرسوا في فنون الحرب والسياسة، فمنظومة السلاح الجوي السورية لن تُستخدم في قتال مجاميع الجولاني والدواعش وغيرهم، فبوصلتنا معروفة، ومن الجلي أننا الخطر الذي يقض مضاجع الإسرائيليين، فهم لا يرسلون طائراتهم إلى المنامة والرياض والقاهرة، إلى هناك يرسلون طائراتهم المدنية التي تحمل سياحهم ورياضييهم ودبلوماسييهم، أما دمشق فتخصها بطائرات ف 15 وف 16 وف 22 وف 35 وغياب الغارات منذ حرب تشرين عام 73 إلى قيام ما يسمى الثورة السورية دليل لا يقبل الشك أن اسرائيل تنفست بوجود الثورجيين، وأنها نسقت معهم بعد أن لعبت عليهم مع دول أخرى لعبة الصياد الطيب، والصياد الشرير!
إن سورية موئل العروبة، شرّعت أبوابها لكل عربي، لكن الضربة المؤلمة أتتها من بعض أشقائها العرب، وكم تحضرني قصة أعرابيةً وجدت في البادية جرو ذئب صغيراً قد ولد للتو، فحنّت عليه وأخذته وربته، وكانت تطعمه من حليب شاةٍ عندها، وكانت الشاة بمنزلة الأم لذلك الذئب، وبعد مرور الوقت عادت الأعرابية يوماً لبيتها فوجدت الذئب قد هجم على الشاة وأكلها، فحزنت الأعرابية على صنيع الذئب اللئيم الذي عرف طبعه بالفطرة، فأنشدت بحزنٍ تقول:
أكلتَ شويهتي وفجعت قلبي
وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب.ُ
غُذيتَ بدَرِّها ورَبَيت فينا
فمن أنباكَ أن أباكَ ذيبُ ؟
إذا كان الطباع طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا حليب
بيعوا عمائمكم قد جاء شاريها، بيعوا كرامتكم، عفواً بالأمس بعتموها، اتركوا لنا العروبة، فلم يبق من عروبتكم سوى العمامات والعباءات!
(سيرياهوم نيوز٢٠-١١-٢٠٢٠)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...