القاهرة | انتشرت قبل أيام صورة جديدة للفنانة المصرية نجلاء فتحي، وفي خلفيتها لوحة «عاش هنا» التي تؤرخ لمكان عاش فيه حمدي قنديل (1936-2018) الصحافي المصري الراحل وزوج الفنانة. جاء ذلك بعد أيام على نداء وجّهته نجلاء فتحي إلى وزارة الثقافة المصرية ووزيرتها نيفين الكيلاني بعد اختفاء لوحة «عاش هنا» الخاصة بزوجها من مقر إقامتهما في حي مصر الجديدة في القاهرة، ورفعت الفنانة أيضاً شكوى للتحقيق في أمر السرقة.

سريعاً قامت وزارة الثقافة ممثلة في «جهاز التنسيق الحضاري» الذي يتولى الإشراف على المشروع بإعادة تركيب لوحة «عاش هنا حمدي قنديل»، ووجّه رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري محمد أبو سعدة، مناشدةً لأصحاب العقارات بالحفاظ على لوحات المشروع «تقديراً وتكريماً للشخصيات التي تُعرّف اللوحات الناس بها»! ويبدو أنّ «جهاز التنسيق الحضاري» غير قادر على حماية المشروع الذي أتمّ اليوم خمس سنوات من العمل، إذ دُشِّن في عام 2018، ضمن احتفال كبير أقيم في «قلعة صلاح الدين الأيوبي» خلال عهد وزيرة الثقافة السابقة إيناس عبد الدايم. مشروع «عاش هنا» الذي أعدّته لجنة ضمّت وزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازي وآخرين، يهدف إلى توثيق المباني والأماكن التي عاش فيها فنانون وسينمائيون وموسيقيّون وكتّاب وشخصيات تاريخية مصرية أثروا في الحياة الثقافية والفنية بأعمالهم. وبعد التأكد وتدقيق المعلومات حول مقرّ إقامة الشخصية ووجود المنزل بالطبع، تُوضع لوحة تحمل اسمه وتاريخ ميلاده ووفاته وعنوان العقار الذي تعلَّق عليه اللوحة. كما يُوضع «كود» يمكّن أي شخص من معرفة الكثير عن أعمال الشخص وتاريخه بعد مسحه بالهاتف الذكي. وهناك موقع إلكتروني يحمل الاسم نفسه، ويبيّن بالخرائط أماكن وعناوين الشخصيات التي سُجّلت في المشروع ويعرّف بأعمالها. وقد وصل عدد الشخصيات المسجَّلة في المشروع إلى أكثر من ألف شخص حتى الآن.

لكن أخيراً تعددت سرقات لوحات هذا المشروع من أماكن كثيرة في مصر. في العام الماضي، اشتكى الكاتب هشام أصلان، ابن الأديب الراحل إبراهيم أصلان، من اختفاء اللوحة الخاصة بوالده من المنزل الذي عاش فيه في «حيّ الكيت كات» في محافظة الجيزة. كما لقيت لوحات للفنانة رجاء الجداوي والمطربة فايزة أحمد المصير نفسه منذ فترة، لكنّ كثيرين لم يعرفوا بهذه الحوادث لغاية شكوى الممثلة نجلاء فتحي من اختفاء لوحة حمدي قنديل.

تتزامن هذه السرقات مع تأزم الوضع الاقتصادي في مصر، ما يجعل هذه اللوحات ذات قيمة بما أنّها تخصّ مشاهير مصريين. ويُقال إنّ هذه اللوحات المسروقة تُباع بأسعار عالية في القاهرة، لمقتنين يحبّون جمع هذه اللوحات، التي تكمن قيمتها في الأسماء التي تحملها، وليس المادة النحاسية الرخيصة التي تصنع منها اللافتات. وتزخر أحياء محدّدة في القاهرة بلوحات كثيرة حيث عاش كثيرون ممن أسهموا في تاريخ مصر الحديث، مثل حي الزمالك حيث لافتات لأماكن عاش فيها الموسيقار بليغ حمدي، والأديب بهاء طاهر، والممثل إسماعيل ياسين، و«كوكب الشرق» أم كلثوم وآخرين. لكن نظراً إلى وجود حرّاس للعقارات في المنطقة، نادراً ما تُسرق هذه اللوحات، كما تسهم في ذلك طبيعة حي الزمالك الذي تكثر فيه هذه اللوحات، إذ قد يحمل العقار الواحد أكثر من لوحة، أو لوحة واحدة تحوي العديد من الأسماء، كما في «عمارة الإيموبيليا» في وسط القاهرة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الاهتمام باللوحات والحفاظ عليها من قبل الجمهور، بينما تكمن الأزمة في الأماكن البعيدة عن وسط القاهرة حيث لافتة هنا أو هناك، ما يسهّل سرقتها وعدم الإبلاغ عنها.

رئيس جهاز التنسيق ناشد «ورثة الشخصيات» بالحفاظ على لوحات المشروع بأنفسهم!

مصدر في «جهاز التنسيق الحضاري» قال لـ«الأخبار» إنّ حماية لوحات المشروع في كل مكان أمر صعب جداً، لكن بالتأكيد من المهم المرور على أماكن تعليقها، والتأكد من عدم إزالتها أو سرقتها. وأضاف المصدر أن الجهاز مهتم جداً بهذا المشروع، مطالباً كل المواطنين بإبلاغه عن أماكن جديدة عاش فيها مشاهير المصريين، كي تُدرج في المشروع ومن ثم يعرّف الناس بشخصيات عاشت بينهم ولا يعرفون عنها الكثير.
ويفتقر مشروع «عاش هنا» إلى المتابعة الدائمة بعد وضع اللوحات. وما يتم الحفاظ عليه منها حتى الآن، يأتي بمجهود شعبي وليس من خلال وزارة الثقافة، التي تكتفي بوضع اللوحة ثم تنساها حتي يحدث ما وقع للوحة الكاتب الراحل حمدي قنديل. كما وُجِّهت هذه الأيام انتقادات للمشروع تتعلّق بالتدقيق في المعلومات التاريخية المرتبطة بالشخصيات. إذ انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لوحة الموسيقار سيد درويش الذي تحلّ هذه الأيام ذكرى وفاته المئة. وفي حين أنّ المتعارف عليه أنه توفي في 15 أيلول (سبتمبر) عام 1923، إلا أن لوحة منزله في جزيرة بدران في حيّ شبرا في القاهرة، تُفيد بأنّه توفي في 10 أيلول، وهو ما اعتبره بعضهم استهتاراً، وخصوصاً أنّ شاهد قبر سيد درويش في الإسكندرية يُفيد بأنّه توفي في 15 وليس 10 أيلول.

رغم كل ما أثير عن السرقات وأهمية اللوحات، لا آلية لدى وزارة الثقافة المصرية و«جهاز التنسيق الحضاري» لحماية لوحات مشروع «عاش هنا» التي ارتبط بها المصريون، حتى إنّ رئيس جهاز التنسيق محمد أبو سعدة ناشد «ورثة الشخصيات» بالحفاظ على لوحات المشروع بأنفسهم!