الرئيسية » مجتمع » مفارقات ما بين اللجوء والنزوح

مفارقات ما بين اللجوء والنزوح

| سعد الله مزرعاني

السجال الدائر، منذ مدة، حول ملف النزوح السوري، يستدعي بالضرورة مقارنة جدّية وشاملة بين مواقف بعض القوى اللبنانية من نزوح أعداد كبيرة ومتواصلة، من سوريا إلى لبنان، قبل دزينة من الأعوام وأثناءها، وبين مواقف تلك القوى من لجوء فلسطينين، قبل 75 سنة إلى لبنان، مقتلعين من أرضهم ومشردين ومثخنين بالإجرام والمجازر والمآسي. المقارنة تفرض نفسها، بالدرجة الأولى، لأن حرباً أهلية استمرت 15 سنة بالتمام والكمال، قد شنّت بذريعة تحرير لبنان من الاحتلال الفلسطيني. ثم لأن توتراً كبيراً تتراكم عناصره ومخاطره الآن بشأن النزوح السوري، ينذر، كما حذَّر كثيرون، بنشوب نزاع أو احترابٍ أهلي لمواجهة «احتلالٍ» آخر، قد يتبادر إلى الذهن أنه «احتلال سوري» إلا أنه ليس كذلك. كيف تتحرّك الأمور والمواقف والمآزق والكمائن، بشأن الملف السوري؟ وما هي عناصر التماثل والتباين بين الأمس الفلسطيني واليوم السوري؟

ينبغي التأكيد، بدءاً، أن اللجوء الفلسطيني قد حصل كله وبأعداد تكاد لا تقارب خمس حجم النزوح السوري، بالإكراه، وفي فترة قصيرة واحدة. وهو حُصر وحُوصر ضحاياه في مناطق ومخيمات محددة شبه معزولة. وبمرور الزمن والأحداث، كان يتقلص باستمرار حتى راوح، على نزف متواصل، في حدود ربع مليون لاجئ. أمّا النزوح السوري، فلم يحصل على هذا النحو في معظمه. كان السبب الأساسي للنزوح، في المراحل الأولى، ولسنوات، العامل الأمني الناجم عن الاشتباكات التي كثُر، بشكل غريب، المشاركون فيها، وتعاظمت مخاطرها من كل نوع. أمّا في المراحل اللاحقة، فكان العامل الاقتصادي هو الأساس، بعدما تراجع العامل الأمني عن حوالي ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية لمصلحة السلطات السورية وحلفائها الإقليميين والدوليين. ولقد شكّل الحصار الأميركي بعناوين متنوعة (آخرها وليس أخيرها قانون «قيصر») العامل الرئيسي في الأزمة الاقتصادية عبر السطو على معظم الثروة النفطية السورية، وعبر التمدّد الاحتلالي التركي (راعياً، ولا يزال لفريق من الإرهابيين في الشمال السوري)، وعبر الكانتون الكردي المحمي بالاحتلال الأميركي. وفي مجرى ذلك، عبر الفورة الإرهابية، وذروتها تمدّد دولة «الخلافة» الداعشية في كل من العراق وسوريا، إلى أن تمّ القضاء عليها باستثناء ما تحرّكه الأجهزة الأمنية الأميركية، من بقاياها، غب الطلب، في أكثر من منطقة عراقية وسورية و…

كلتا الأزمتين الفلسطينية والسورية، استعصتا وتحوّلتا إلى قضيتين كبيرتين بأبعاد متعددة: داخلية وإقليمية ودولية. كل الدول، شرقاً وغرباً، تواطأت مع الاغتصاب الصهيوني في فلسطين وشرَّعت ذلك في قرار تقسيم سمح بقيام دولة يهودية صهيونية، ومنع قيام دولة عربية فلسطينية وذلك منذ 75 عاماً. بدورها، تحوّلت الأزمة السورية إلى أزمة دولية بسبب الحجم الهائل للتدخل الأميركي والغربي والعربي فيها، الذي رتّب ونظّم عملية استقدام مقاتلين من عشرات الدول والجنسيات، وكان ولا يزال حاضراً بقوة، لمنع التوصل إلى حل بشأنها.

الفريق نفسه لا يرفع شعارات مماثلة، الآن، ضد النازحين السوريين، ولا يحمل السلاح لهذا الغرض

في الأزمتين الفلسطينية والسورية، ظلت واشنطن هي الحاضر الأكبر على امتداد عقود (شأنها في معظم، إذا لم يكن كل، أزمات العالم). وقد وجَّهت وجنّدت حلفاءها وأتباعها في خدمة أهدافها وسياساتها. هذا ينطبق، بالتأكيد، على دور ومواقف جماعاتها في لبنان. لكن ههنا تبرز تباينات تبدو كبيرة. لقد ناصبت القوى الحليفة للغرب وواشنطن الفلسطيني اللاجئ العداء الدائم. تجلّى ذلك في الحصار والتمييز والاعتقالات والمنع من النشاط السياسي والإعلامي والمهني… ثم هي لجأت إلى حمل السلاح وإشهار حرب «تحرير لبنان من الغرباء» الفلسطينيين، رغم اتفاقات أتاحت للفلسطينيين فرص العمل المحدود ضد العدو. حتى إن «الجبهة اللبنانية» («الكتائب» وحلفاؤها باستثناء «حزب الكتلة الوطنية» الإدّوي) آنذاك، أحبطت محاولة ضبط أو تنظيم السلاح الفلسطيني التي قادها، ممثل القوى الوطنية في السلطة وخارجها، الشهيد الوطني الكبير كمال جنبلاط. فكانت الحرب الأهلية التي أشعلها حزب الكتائب وحلفاؤه تحت عنوان تحرير لبنان من «الاحتلال الفلسطيني». وهي حرب استمرت خمسة عشر عاماً، وتخلّلها غزو واحتلال إسرائيلي للبنان وتنصيب قائد ميليشيا «الكتائب» و«القوات» رئيساً للجمهورية!

الفريق نفسه لا يرفع شعارات مماثلة، الآن، ضد النازحين السوريين، ولا يحمل السلاح لهذا الغرض، أو يسعى من أجل ذلك. ما يعلنه، أخيراً، خلاف ذلك (وخصوصاً بعد بيان البرلمان الأوروبي)، إنما يحصل لرفع العتب. فهو، فعلياً، يتواطأ مع خطة واشنطن لإبقاء النازحين السوريين في لبنان: من أجل الضغط على السلطات السورية، من جهة، ولاستخدام هؤلاء في لبنان وقوداً لفوضى يجري التخطيط لها كمرحلة أمنية جديدة، من قبل واشنطن وتابعيها، عسى أن يؤدي ذلك إلى إلإجهاز على المقاومة التي فشلت الوسائل السابقة (العسكرية عام 2006 والسياسية والاقتصادية والانهيار و… في الإجهاز عليها، الذي هو هدف إسرائيلي، بالدرجة الأولى).
«القوات» و«الكتائب» وتابعوهما تخلّوا، إذاً، عن العنف (وهو ليس مطلوباً بالتأكيد)، ضد «غرباء» هذه المرحلة، لأن النزوح السوري يحظى برعاية دولية وغربية وأميركية بهدف استخدامه ضد السلطة السورية وحلفائها، من جهة، ولأهداف قذرة وفتنوية في الداخل اللبناني، من جهة ثانية. «سياديّو» اليوم، هم أنفسهم «سياديّو» الأمس. أهدافهم هي نفسها. حلفاؤهم وأسيادهم هم أنفسهم. وهم يمضون في ارتباطاتهم وسياساتهم، حتى لو كان الثمن المجازفة باستقرار المنطقة الذي هو أساس الاستقرار في لبنان، وأساس الحفاظ على وحدته وسيادته وفرص نهوضه، فضلاً عن وجوده أساساً!
لكنهم، رغم ذلك، يتسلّحون! فهم يهربون، وقد كشف خداعهم، وفي نطاق الخطة الأميركية نفسها، نحو مواجهة «احتلال» آخر بـ«أداة لبنانية» كما يزعمون. فهنا، مثلاً، يعلن قائد «القوات اللبنانية» تصميمه على مواجهة «فريق الممانعة الإجرامي» كما سمّاه في خطابه الأخير (3 أيلول). ولقد أتى هذا التصعيد السياسي في امتداد تصعيد أمني متواصل: من «الطيونة» إلى «الكحّالة»، إلى «عين إبل»… ما يمكن إدراجه في نطاق «المرحلة الأمنية» المشار إليها آنفاً، من الخطة الأميركية في لبنان، خدمة لمخططات واشنطن في المنطقة، و خدمةً للعدو الصهيوني بالدرجة الأولى، وعلى حساب لبنان وشعبه، في كل الأحوال!

* كاتب وسياسي لبناني

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...