| آلاء الخطيب
(كلنا تعرضنا للضرب في طفولتنا ولم يحدث لنا شيء… ضربنا أهالينا وصنعوا منا رجالاً) إن هذه الأفكار الموروثة المشوهة في مجتمعنا تعزز مفاهيم خاطئة، حيث يعتقد هؤلاء أنهم لم يتأثروا… لكن إذا نظرنا إلى شخصياتهم وطبيعة علاقاتهم لوجدنا خللاً عميقاً، فالتعنيف الجسدي أو اللفظي للأطفال سلوك غير سوي سواء كان الطفل ذكراً أم أنثى فهو يخلق كبتاً عميقاً للمشاعر وخوفاً من التعبير ما يساهم في تشكل عقد نفسية في شخصيته منها الخضوع والنقص والعنف.
فقدان الأمان
عند شعور الطفل بالخوف تكون قد حرمته من تكوين ذاته الحقيقية، حيث لا يستطيع أن يكون على طبيعته ولن يشعر بالتقبل وسيكون أيضاً خائفاً من أي خطأ وهذا سيحرمه الكثير من التجارب في الحياة التي هي معيار أساسي للنضج، ومن جهة أخرى لن يستطيع الحديث عن حوادث تعرض لها مثل التنمر أو التحرش الجنسي، لأنه يخاف ولا يشعر بالأمان الداخلي وذلك لأن تعلقه بوالديه غير آمن وغير مبني على تقبل كامل.
وتختلف استجابة كل إنسان لمثل هذه المواقف من شخص لآخر فقد يضرب عدة أشخاص ويتعرض كل منهم لعقدة نفسية مختلفة أو قد لا يتعرض لشيء لأن كل إنسان متفرد في تجربته ولكن الأثر موجود بالتأكيد.
ولنتعرف أكثر على سلبيات التعنيف، التقت «الوطن» الدكتورة هناء برقاوي دكتورة في علم الاجتماع حيث قالت: العنف هو ممارسة القوة من شخص بالغ على طفل قاصر بقصد الإيذاء الجسدي والنفسي وهذا ينعكس على الأطفال بشكل كبير، واليوم نلاحظ ازدياداً كبيراً في حالات العنف الأسري على الأطفال، وهناك عنف في المدرسة والحي والعمل وأيضاً عنف بين الأطفال والرفاق نفسهم، ودائماً العنف يأتي من الشخص القوي على الشخص الضعيف، فالزوج عندما يعنف زوجته يكون هو معنف بالعمل ولأن زوجته أضعف منه، فيمارس عليها العنف، وهي لا تستطيع رد العنف على زوجها فتمارسه على أطفالها والأطفال بدورهم يمارسون العنف على الإخوة الأضعف منهم وعندما يصل العنف على أضعف شخص في سلسلة القوة من الممكن إذا لم يستطع ممارسة العنف على أحد فيمارسه على دميته أو يعبر عنه بتكسير مقتنيات المنزل أو على أصدقائه الأضعف منه وبالتالي سلسلة العنف لا تنتهي.
سوء الأوضاع الاقتصادية
حالياً نرى العنف على الأطفال منذ الولادة، فيوجد أشخاص يمارسونه على أطفالهم الصغار بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وهذا ما وجدناه بالدراسات التي أجريت في المجتمع السوري وأهم الأبحاث المحكمة نوعيّاً وكميّاً قامت عن طريق الهيئة السورية لشؤون الأسرة، حيث أثبتت تنامي هذه الظاهرة في مجتمعنا.
فأوضحت د. برقاوي أن العنف ليس جسدياً فقط إنما نفسي أيضاً، كالحرمان الذي يعاقب به الآباء أبناءهم عن طريق منعهم من الأكل والخروج من غرفتهم وحرمانهم من المصروف ما يشكل ضغطاً معنوياً على الطفل غالباً يكون أعنف من الضرب، وإن الإهمال يعتبر نوعاً من أنواع العنف الممارس على الطفل في مجتمعنا كإهمال بعض الأمهات لأطفالهن فلا يهتممن بإطعامهم أو إلباسهم ثياباً نظيفة والكثير من الأولويات المشابهة وهذا الإهمال غالباً يكون بسبب الجهل والخلافات بين الزوجين ما ينعكس على أطفالهما.
فقدان الشغف بالحياة
وأضافت الدكتورة هناء: يوجد لدينا نوع مخفي من العنف وهو عمالة الأطفال بأعمال مرهقة ومجهدة بأعمار صغيرة والمشكلة هنا ليست فقط في عملهم إنما في وجودهم ببيئة غير صالحة للأطفال ما يدفعهم لتعلم سلوكيات خاطئة وخطيرة كتعاطي المخدرات والمسكرات وحتى التدخين إضافة إلى خسارة فرصتهم بالتعليم، وهذا يمكن أن يدفعهم إلى ارتكاب أفعال إجرامية والانخراط بعصابات إجرامية وغير أخلاقية لأن العنف أفقدهم إحساس التعاطف مع الآخرين والثقة بمن حولهم وكما وصلت حالات منهم إلى الانتحار وذلك بسبب فقدانهم الشغف بالحياة من الضغط الممارس عليهم وتعتبر الحرب التي مررنا بها ذات تأثير في أطفالنا، فيوجد بيئات لم يكن يمارس العنف فيها ولكن بسبب التهجير وسوء الوضع الاقتصادي انتشرت هذه الظاهرة وازدادت.
عقد نقص
وفي حوار «الوطن» مع الدكتور ثائر حيدر أستاذ الطب النفسي في جامعة دمشق قال: عندما يتعرض الطفل للتعنيف سواء كان لفظياً أم جسدياً يصبح عنده عدة اضطرابات نفسية كنقص الثقة بالنفس والخوف من مواجهة الآخرين ورهاب اجتماعي، فيصبح غير قادر على التعبير عن رأيه ولديه خجل مرضي من الرد على التنمر إذا تعرض له من محيطه واضطرابات نوم وشهية وتراجع بمستواه الدراسي، وقد يصاب بالاكتئاب والقلق بسبب وجوده ببيئة غير آمنة وتؤثر فيه عندما يكبر ليصبح عنيفاً ويمارس العنف على عائلته بعد زواجه وبعمله، ما يسبب الأذى لهم واضطرابات سلوك شديدة كعدم القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية، ما يجعله يعوض عقد النقص من خلال تصرفات سيئة واللجوء للإدمان وتعاطي المهدئات والمنومات والمخدرات لمكافحة القلق والاكتئاب الذي أصابه من بيئته المعنفة، ومن الممكن أن يصل إلى الانتحار بسبب اضطراباته النفسية.
وبعد ذكر الآثار السلبية الشديدة للتعنيف يجب التنويه بأهمية الثقافة وخصوصاً للأهل، حيث يوجد مراكز مجانية ومنظمات وجمعيات أهلية تجري دورات تثقيفية لتعليم الحوار الهادف وتوعيتهم لخطورة العنف ومساعدتهم بالابتعاد عن هذا السلوك.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن