| د. بسام الخالد
بدأ مصطلح العولمة مع بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث تصاعد استخدامه ليغدو الشغل الشاغل لرجال السياسة والإعلام والأعمال والاقتصاد، فالبعض يعتبر العولمة جزءاً مما يشهده العالم من تطورات متسارعة هدفها بناء مجتمع جديد بهيكلية جديدة تنشر الخير وتحقق الرفاهية.
والبعض الآخر يعّدها محاولة خارجية تتبناها الدول الاستعمارية وتهدف إلى إبراز مفاهيم وقيم جديدة لتحل محل تلك التي كانت تسود المجتمعات القومية على مر العصور، وهي بالتالي تحمل تحت ستارها مفاهيم مختلفة مثل الاستعباد والسيطرة والهيمنة وتشويه الهوية القومية.
وعند الحديث عن العولمة الإعلامية لابد أن نشير إلى ثورة الاتصال التي مهدت للثورة الإعلامية، هذه الثورة التي تمتلك القدرة على تغيير العلاقات الاجتماعية وإعادة تشكيلها.
لقد تمكنت العولمة الإعلامية من تقديم فيض هائل من المعلومات للمتلقي لدرجة استطاعت معها “أن تجعل العيون التَعِبة لا تخلد إلى النوم”، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة بشأن عولمة هذه الثورة وذهابها إلى الآخَر ( المتخلف ثقافياً واجتماعياً) والسيطرة عليه وإرغامه على الخضوع والاستهلاك مع تعطيل التواصل والتعاون والتفاعل بين الثقافات.
في كتابه “حضارة الموجة الثالثة”، يرى المفكر إلفين توفلر (أنَّ البشرية قد مرَّت حتى الآن بموجتين عظيمتين من التحول مَحَتْ كل منهما ثقافات ومدنيات التي قبلها، وأحلَّت أساليب حياتية جديدة محلها، لم يكن يتخيلها أحد من قبل، وهي: “الموجة الأولى – الثورة الزراعية” وعمرها آلاف السنين، وانتهت عام 1800 مع ظهور “الموجة الثانية” ممثلة بـ “الثورة الصناعية”، والتي استغرقت 300 عام، وانتهت مع بداية سبعينيات القرن الماضي لتحل منذ ذلك الحين موجة جديدة هي: “الموجة الثالثة”، في عصر جديد له تسميات عدة: (عصر المعلومات، عصر الثورة الرقمية، عصر الذكاء الاصطناعي)، ومن المرجح أن تكتمل هذه الموجة خلال عدة عقود فقط، حيث يسير التاريخ بتسارع كبير في عصرنا هذا، ليؤثر على الفرد والأسرة والجماعات والمجتمعات.
لقد درس العالم الكندي “مارشال ماكلوهان”، صاحب العبارة الشهيرة “العالم قرية كونية”، التطور الحضاري من خلال تطور أدوات الاتصال، وبذلك يمكن القول بأن التطور التكنولوجي في حقل الاتصالات هو نتاج تفاعل مجالات ثلاث هي: “مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، مجال السمعيات والبصريات ومجال المعلوماتية”.
مما تقدم نستنتج أنّ العولمة الإعلامية سلاح فعال، يمتلك حدّين اثنين، أحدهما آمن والآخر مدمّر، وللأسف استخدمت الدول الكبرى الحدّ المدمر ضد الشعوب الضعيفة، وهاهو زبيغنيو برجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق يقول: “بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، التلفزيون والأقمار الصناعية والهاتف الآلي سيصبح في مقدور بعض الدول غزو المنازل الخاصة في البلدان الأخرى.. وبهذا سينتقل العالم إلى المدينة العالمية، التي سيكون فيها جيوب من الفوضى في دول العالم الثالث، تؤدي إلى تمزق النسيج الاجتماعي والسياسي الذي سيؤدي إلى زيادة الاستعداد للتنازل عن جزء من السيادة”!
وحسب هذه الرؤية فإنّ (الأمة الأميركية) يتوجب عليها أن تمنح العالم ما هو أهم من نموذج مجتمع الرفاه، وإنّ انتشار الحضارة الأميركية في الخارج هو التبرير الأسمى للتجربة السياسية الأميركية، وبالأصح هو استعمار جديد يستولي على ثروات الآخرين ومواردهم، وذلك ليس عسكرياً وإنما من خلال الاختراعات العلمية ووسائل الإدارة المستحدثة.
إنّ خطورة العولمة الإعلامية، التي توظف ما تحقق وسيتحقق في الثورة الاتصالية التي يشهدها عالمنا المعاصر، تكمن أيضاً بالتحكّم في آليات التفكير والتحليل والتصور والتماثل، أي ما يمكن أن نسميه في كلمة واحدة بـ “المخيال”، وحين تتم السيطرة على مخيلة الحياة والتعبير والذات والوجود، نصل إلى “الغزو الإعلامي” الذي يتحكم بالمشاعر الإنسانية وفي تشكلها وفق منطق معين، بحيث يصبح من الأولوية والأهمية “قصة حياةإيفانكا ترامب”، على سبيل المثال، أكثر قيمة من الحروب والصراعات وقصص موت الآلاف في عالمنا العربي!
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع)