| علاء حلبي
بعد أقلّ من أسبوعين على إعلان الهند إطلاق مشروع «الممرّ الهندي»، المنافس لمشروع «طريق الحرير» الصيني الجديد (الحزام والطريق)، وبالتوازي مع الازدحام الديبلوماسي العالمي في نيويورك، التي تستضيف الدورة الـ 78 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حطّ الرئيس السوري، بشار الأسد، وعقيلته أسماء، رحالهما في الصين، في زيارة تستمرّ لعدّة أيام، تتضمن لقاءات على أعلى المستويات، إلى جانب حضور افتتاح النسخة التاسعة عشرة من دورة الألعاب الآسيوية.
الأسد الذي يزور الصين على رأس وفد حكومي واسع، يضمّ إلى جانب وزير الخارجية فيصل المقداد، مجموعةً من الوزراء والمسؤولين السياسيين والاقتصاديين، بعد نحو عقدين على آخر زيارة له لهذا البلد، يناقش خلال لقاءاته هناك، وفق مصادر إعلامية رافقته، جملة واسعة من الملفات المشتركة بين البلدَين. ويفسّر ذلك الحجم الكبير للوفد من جهة؛ ومن جهة أخرى، الترحيب الصيني الحارّ بالزيارة، والذي تَمثّل في تصريحات صينية مؤهّلة سبقتها، واستقبال رسمي في مطار خانجو، إضافة إلى إرسال بكين طائرة رئاسية خاصة لنقل الأسد والوفد الذي يرافقه، تلافياً للعقوبات المفروضة على «شركة الطيران السورية»، والتي قد تعيق مسار الرحلة.
وتُعدّ الزيارة التي تأتي بعد نحو عامين على زيارة أجراها وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى دمشق التقى خلالها الأسد، وبعد أقلّ من عام على إعلان سوريا انضمامها إلى مبادرة «الحزام والطريق»، الثالثة للرئيس السوري إلى دولة غير عربية منذ بداية الحرب في سوريا (زار سابقاً إيران وروسيا)، والأولى التي يقوم بها إلى بكين في ظلّ رئاسة الرئيس الصيني الحالي، شي جين بينغ. ولطالما اتّخذت الصين مواقف داعمة للحكومة السورية في مختلف المحافل الدولية، بما فيها مجلس الأمن الدولي الذي شهد استخدام بكين حق النقض (الفيتو) تسع مرات، لعرقلة قرارات أميركية تهدف إلى التضييق على دمشق، وفرض عقوبات جماعية، الأمر الذي دفع واشنطن وحلفاءها إلى فرض حزمة من العقوبات الأحادية الجانب، بعيداً عن أروقة المؤسسة الأممية.
وخلال الأعوام الماضية، برز اهتمام الصين المتزايد بالحرب السورية، سواء بسبب العلاقات المتينة التي تربطها بسوريا والتي يتجاوز عمرها الـ 75 عاماً، أو لأسباب أخرى بعضها اقتصادية متعلّقة بمبادرة «الحزام والطريق»، لما لسوريا من موقع جغرافي مهم على «طريق الحرير الجديد»، وبعضها أمنية مرتبطة بتسلل «جهاديين» صينيين إلى سوريا، حيث شاركوا في القتال مع تنظيمات مختلفة، من بينها «داعش» و«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) وغيرها. وأولت مراكز أبحاث ووسائل إعلام صينية اهتماماً ملاحظاً بالحرب السورية، ما أدّى بمجمله إلى ترسيخ صورة واضحة لمجريات هذه الحرب، وتطوراتها في الداخل الصيني.
يرسم الإعلان المتوقّع عن اتفاقات تجارية واقتصادية مشتركة منحنى تصاعدياً لشبكة علاقات سوريا، بالرغم من الإصرار الأميركي المتزايد على استمرار خنقها
وبالإضافة إلى الأهمية السياسية لزيارة الرئيس السوري، يشغل الجانب الاقتصادي جزءاً كبيراً من الملفات التي يناقشها المسؤولون السوريون والصينيون، إذ أعلنت دمشق مراراً رغبتها في زيادة حجم الاستثمارات الصينية في البلاد التي دمّرت الحرب معظم اقتصادها، ورحّبت أيضاً بمشاركة صينية فعالة في عمليات إعادة الإعمار، لما لبكين من تجارب كبيرة في هذا المجال، من شأنها أن تسرّع وتيرة هذه المشاريع، وتزيد من كفاءتها. ويأتي ذلك في وقت أُجبرت فيه شركات صينية عديدة، خاضت تجارب استثمارية في سوريا، على توقيف أعمالها بسبب الحرب وسيطرة الفصائل «الجهادية» على منابع النفط، وذلك قبل أن تضع الولايات المتحدة يدها عليها، ومن بينها ثلاث شركات نفطية مملوكة للحكومة الصينية هي: «سينوبيك» و«سينوكيم» و«مؤسسة البترول الوطنية الصينية». كما أعاقت العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، حتى الآن، عودة تلك الشركات إلى النشاط، وهو مشهد تأمل دمشق أن يتبدّل في ظلّ السياسة التي تتّبعها بكين في الوقت الحالي، والتي تتجاهل العقوبات الأميركية للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وسط الحرب الاقتصادية الكبيرة التي تشنّها واشنطن ضدّها.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، انخرطت الصين بشكل متزايد في الشرق الأوسط، وأدّت دوراً سياسياً واقتصادياً بارزاً في ملفات عديدة، من بينها إنهاء القطيعة السعودية – الإيرانية، الأمر الذي ساهم في إعادة ترتيب سياسات المنطقة وخفض التوتر الذي تسبّبت به سياسة القطب الواحد الأميركية. وفي ظلّ هذه التحوّلات، والتي أنبأت بإمكانية خلق عالم متوازن متعدد الأقطاب، عاد الحديث عن السياسة التي أعلنتها دمشق قبل نحو عقدين، وعنوانها التوجه شرقاً وتمتين العلاقات مع الدول الآسيوية المتنامية القوة، والتي تتصدّرها الصين.
وفي وقت يُنتظر فيه توقيع مجموعة من الاتفاقات التجارية والاقتصادية بين بكين ودمشق، بعد عودة الأخيرة إلى مقعدها في «الجامعة العربية»، وزيادة عدد العواصم التي أعادت علاقتها الديبلوماسية مع سوريا منهيةً عقداً من القطيعة، يرسم التوقيت منحنى تصاعدياً لشبكة العلاقات السورية، وحضورها في المحافل الدولية، بالرغم من الإصرار الأميركي المتزايد على استمرار خنق سوريا. ويأتي الإصرار الأميركي لمنع أيّ انفراجات تؤدي إلى تجاوز الأوضاع الحالية، فيما تسيطر واشنطن على منابع النفط وأبرز حقول القمح في البلاد، وتحاول تمتين قواعدها عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، لضمان إشرافها على المنطقة، واستثمار كلّ ما يمكن استثماره من مخلّفات الحرب المندلعة منذ أكثر من عقد، والتي تسبّبت بانهيار الاقتصاد السوري، وتشريد مئات الآلاف، ووضعت أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خطّ الفقر، وحوّلتهم من منتجين إلى أشخاص ينتظرون المساعدة، ليتمكّنوا من الاستمرار في الحياة.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار