آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » سورية والصين بين الشراكة الإستراتيجية ومفهوم القوة والضعف

سورية والصين بين الشراكة الإستراتيجية ومفهوم القوة والضعف

| فراس عزيز ديب

من دون مقدمات، الرئيس بشار الأسد في الصين، خبرٌ جعلَ الصور الواردة إلينا من مدينةِ «خانجو» عن حفاوةِ الاستقبال للزائرِ الكبير تذهب بنا إلى بُعدين اثنين:

البعد الأول هو حال الشفقة على من يسمونَ أنفسهم إعلاماً محايداً بدا وكأنهُ أعمى عن أخبارِ هذه الزيارة، من يعطونَ الآخرين دروساً في الموضوعية والرأي والرأي الآخر، باتوا أنفسهم بحاجةٍ لدروسٍ في طريقةِ التعاطي مع الصدمات الإعلامية، باتوا بحاجةٍ لمن يشرح لهم مقولة «بوذا» الشهيرة: «ثلاثة لا يمكن إخفاؤهم، الشمس والقمر والحقيقة»، فكيف عندما يكون جوهر الحقيقة هو في سطوع شمس المجد السوري القادم مهما كرِهَ الكارهون وتشاءم المتشائمون على حقيقةِ أن القمر الصيني ليس مجردَ مناسبةٍ خريفية للحصاد الشعبي، لأن هذا الحصاد سيكون بمعانٍ أكبر وبحيِّزٍ جغرافي سيشمل كل الموجوعين في هذا العالم.

البعد الثاني يرتبط بفهم العقلية الصينية التي تعرِف كيف تستثمر اللحظات الأهم في تجسيدِ رؤيتها للعالم المقبل، لن نقول عالماً متعددَ الأقطاب فالعبارة باتت مستهلكة، لن نتحدث عن فكرةِ المعابر وطرقات الحرير وغيرها لأنها بالوقت ذاته تعابير فقدت بريقها بعدَ أن باتت واقعاً قيدَ التنفيذ بصمت، لكننا نتحدث ببساطة عن عالمٍ يحكمه الاقتصاد لا السياسة، وعندما يكون العالم محكوماً بالاقتصاد فإن النظرة للحروب والخلافات وطريقةَ التعاطي معها تختلف، وهذا ما تسعى إليه الصين لأنها ربما استطاعت أن تتعلم الكثير من دروسِ الغير ولدينا الكثير من الأمثلة عن ذلك، فدول الاتحاد الأوروبي حتى اليوم يجدون صعوبة في كسب التأييد الشعبي لموقفهم تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا ومن بينها الإصرار على إرسال السلاح، والسبب بسيط أن الشعوب التي اعتادت الرخاء الاقتصادي لم تعد تعنيها الحروب، لم تعد تعنيها المواقف بعدَ أن أفرغت الليبرالية غير المنضبطة ما في جعبتها من بقايا ميراث الإيديولوجيات، من هنا تبدو وجهة النظر الصينية بتعويم الاقتصاد قبل كل شيء هي نظرة بالأساس استندت إلى خروج التنين السياسي فكيف ذلك؟

دعونا نعود بالذاكرة إلى شباط من العام 2012، كانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا يجهزون لمشروعِ قرارٍ ضد سورية تحت الفصل السابع بواجهةٍ مغربية للأسف، ومستنسخ عن التجربة الليبية، يومها كان الجميع بانتظار الفيتو الروسي لأن الجميع كان يدرك أن الروس لن يضحوا بآخرِ الدول التي يتمتعونَ معها بالعلاقاتِ الأكبر والأعمق في الشرق الأوسط، كان الكلام يدور حول الموقف الصيني، يومها ذهب بعض الإعلاميين في فرنسا تحديداً للقول إن الصين ستلعبها بذكاء، هي تدرك بأنها لن تخسر ما يسمونه «النظام السوري» لأنها متأكدة بأن القرار سيحظى بفيتو روسي ينهي مفاعيله وبالوقت ذاته لن تورطَ نفسها بفيتو إضافي لا معنى لهُ يجعلها بمواجهة مع الولايات المتحدة الشريك الاقتصادي الأهم، كانَ هؤلاء ينطلقون في تحليلاتهم بأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي سوق التصريف الأهم للبضائع الصينية الذي لن تضحي به الصين بهذه البساطة، لكن النتيجة كانت أن الصين رفضت هكذا تخريجة، رفضت النفاق للغرب على حساب الثوابت المتراكمة سياسياً وأخلاقياً في جمهورية الصين، ليكون الفيتو المزدوج الشهير الروسي والصيني منطلقاً لما شهدناهُ بعدها من صراع أو صراعات، البعض يراها من وجهة نظر الحاجات الأساسية المفقودة، والبعض الآخر يراها أشبه بصراعٍ بين قريتين، لكن الحقيقة التي لا يريد أن يعترف بها كثر، أن الصراع أبعدَ بكثير، فهل تكون هذه الزيارة تجسيداً لفكرة انتصار رؤية سياسية على أخرى؟

مبدئياً دعونا نذكِّر بأن ما يسمى بلجنةِ العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي أصدرت بياناً عشية الزيارة أدانتها فيه، بالطبع لم يكن أحد ينتظر غيرَ ذلك، أساساً عدم الإدانة بحدِّ ذاتهِ هو سبب يجعلنا نفكر بصوابية مواقفنا الداعمة لقيادتنا، لكن اللافت أن بيان تلك الطغمة هذا، اختُتمَ بعبارة: إن «هذه الزيارة تثبت الخطر الكبير الذي تسببهُ الصين وروسيا للولايات المتحدة»، هذا الكلام مفيد جداً للرد على من ينتقدون خيارات القيادة السورية من بين ما يسمون أنفسهم بـ«طبقة المثقفين الجدد» وسؤالهم الممل: لماذا نتجه شرقاً نحو الصين أو روسيا ونعادي الولايات المتحدة؟

تبدو المصطلحات التي يستخدمها البعض تحديداً ممن يحسبونَ أنفسهم على الولاء للوطن، بحاجة للكثير من التوضيحات، فسورية لم تعادِ أحداً باستثناء من يحتل أرضها، كذلكَ الأمر لم تقم سورية يوماً بتصنيفِ الولايات المتحدة كعدو، فالسفير الأميركي كان يعمل في دمشق حتى عشية اندلاعِ الأحداث، والعلاقات الأميركية-السورية لم تكن يوماً بذاك الدفء لكنها بالوقت ذاته لم تنقطع، إذن المشكلة ليست عند سورية المشكلة بمن يريد سورية.

في الجهةِ المقابلة لم نسمع يوماً قيام الصين مثلاً باعتداءٍ على بلدٍ آمن بحجة قلب نظام الحكم هناك، ليست روسيا من تورطت بقتل الأبرياء في ليبيا والعراق، أما إن أراد البعض الحديث عن الحرب الأوكرانية فنعيد ونكرر بأننا ضد أي حرب، لكن علينا محاكمة الأسباب لا النتائج، من انقلب على اتفاقيات منع تمدد «ناتو» باتجاه روسيا؟ ربما لديكم مشكلة في تفسيرِ مفهومِ الاعتداء والمعتدي لذلك أدعوكم بهدوءٍ لإعادة قراءة ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية قبل وضع جميع الأطراف ببوتقةٍ واحدة.

النقطة الثانية، عندما تشتكي الولايات المتحدة من هكذا تحالف، فلماذا يصر البعض على اعتبار أننا اخترنا الاتجاه الأضعف وليس الأقوى؟ الولايات المتحدة لا تشتكي من فراغ بل هي من أكثر الدول التي تعرف كيف تسوِّق لانزياح خياراتها، في حين هناك من لايزال يريد إقناعنا بأنه ملكي أكثر من الملك، لماذا يصر عتاة هذا التفكير الأحمق على الوقوعِ في مغالطة عظيمة بتوصيف القوة والضعف؟ هؤلاء بحاجةٍ لإعادة تصحيح مفاهيم القوة والضعف، هؤلاء عليهم استعادة مقولةٍ لرئيس دولة صغيرة عندما زارَ دولة كبرى وبدأَ يعرِّف الرئيس المضيف على أعضاء الوفد المرافق وعندما عرَّفهُ على وزير الدفاع ضحك الرئيس المضيف وقال له: أنتم دولة صغيرة ما حاجتكم لوزيرِ دفاع؟ فرد عليه الرئيس الضيف: وأنتم دولة مارقة ومجرمة ما حاجتكم لوزيرِ عدل؟

على هؤلاء أن يدركوا بأن مفهوم القوة والضعف اليوم لا تحدده القوة العسكرية، والسبب بسيط جداً لأننا إن استثنينا سويسرا، فما من دولةٍ محايدة في هذا العالم، ما من دولة إلا ضمن منظومةٍ ما ستلقى كل الدعم فيما لو تعرضت للاعتداء، وهناك من سيستثمر بهكذا نزاع، لكن القوة والضعف في العالم المقبل سيحدده الاقتصاد ولا شيء غيره، هنا قد يسأل البعض بعد الانتقال من المعنى الأخلاقي للزيارة مروراً بالمعنى السياسي وصولاً للاقتصاد: ماذا عن الجانب الأهم الذي يعني المواطن وهو الاقتصاد والحاجات الأساسية؟

خلال اجتماع القمة الذي جمع الرئيس بشار الأسد بالرئيس الصيني شي جين بينغ تحدث الرئيس الصيني عن الانتقال بالعلاقة بين سورية والصين نحو الشراكة الإستراتيجية، أحد المعلقين الفرنسيين تساءل كما غيره: ما الذي يدفع بعملاق اقتصادي وصناعي كالصين لتبني الشراكة الإستراتيجية مع دولة «منهارة» كما يقدمها الإعلام الغربي؟

هذا السؤال أعتقد ومن دون مبالغة، أنه قيلَ بلغاتِ العالم أجمع خلال الأيام الماضية، لكن الجواب عليه يبدو صعباً لأنه مرتبط بثلاثي روسي سوري صيني اعتادَ فعلياً الصمت حتى بلوغ الأهداف، باختصار الشراكة الإستراتيجية لا تعني إعطاء الشريك القمح والنفط، الشراكة الإستراتيجية تعني أن أتبادل مع الشريك الخبرات التي تمكنه من إعادة بناء كل ما خربه الصراع على النفط والقمح، واهمٌ هو من لا يستقرئ بأن الحلول القادمة تقترب مهما علت الأصوات واتسعت صدور المناسف، وأساس هذه الحلول هو الاقتصاد، ومن لا يعجبه هكذا بناء إستراتيجي على المدى الطويل أقول له ببساطة: إياكَ أن تكرر خطأ أسطورة «جينغ وي» وهو كائن خرافي صيني، كانَ يكره البحر فقرر العمل على تجفيفهِ، لكنكم عبثاً ستحاولون تجفيف خمسَة بحار.

طوبى لمن ابتكرَ يوماً نظرية ربط البحار الخمسة التي كان ولايزال يدفع ثمنها، لكن الثبات على المواقف.. له رجاله.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...