حسني محلي
إردوغان تحدث إلى نظيره الإسرائيلي، وأبلغه تعازيه بسبب مقتل “المدنيين”، ومن المتوقع أن يتواصل مع زعماء الإمارات وقطر والسعودية في الوقت الذي سيتواصل الرئيس المصري مع قيادات حماس لإقناعها بضرورة التهدئة.
لم يحالف الرئيس إردوغان الحظّ كي يقطف ثمار لقائه المهم بزعماء المنظمات اليهودية في أميركا في 20 الشهر الماضي، وقبلهم بيوم رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، الذي كان من المتوقع أن يزور أنقرة نهاية الشهر الجاري.
نتنياهو الذي ألغى زيارته المقررة إلى أنقرة في 27 تموز/يوليو الماضي بسبب استضافة إردوغان محمد عباس وإسماعيل هنية قبل يومين من ذلك، يبدو واضحاً أنه سعيد بموقف أنقرة التي لم تستنكر العدوان الإسرائيلي على غزة، ولم تعلن تأييدها لـ”طوفان الأقصى”، وهو ما كان كافياً بالنسبة إلى رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المستقبل أحمد داوود الذي شن هجوماً عنيفاً ضد إردوغان واتهمه بخيانة القضية الفلسطينية المقدسة، وخصوصاً بعد الإعلان رسمياً عن مواقف أحزاب المعارضة، وأهمها الشعب الجمهوري، الذي أكد “تأييده نضال الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”، وهو ما أكدته العديد من الأحزاب الأخرى، وأهمها السعادة الإسلامي وحزب العمال اليساري.
في الوقت الذي تناقضت مواقف الشارع التركي بين مؤيد لــ”طوفان الأقصى” ومعترض عليه، والسبب في ذلك “حماس المتطرفة” بالنسبة إلى هؤلاء الذين سعوا للدفاع عن وجهة نظرهم بتذكير الذين يفكرون مثلهم بأن “العرب طعنوا الأتراك وأنهم لا يحبونهم”، مستشهدين بذلك بعدة حوادث تاريخية أو مواقف غير دقيقة.
هذا الموقف الذي يلقى أصداء واسعة في الشارع الشعبي، والسبب في ذلك بالدرجة الأولى ما يعتبرونه “إسلامية حماس المتطرفة” يبدو أنه أثر حتى في رئيس البرلمان الأسبق ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينج، وهو من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، فشن هجوماً عنيفاً على حماس، واتهمها بـ”اختلاق ضجة مفتعلة لا معنى لها”، وأن “إسرائيل ستنتقم من الشعب الفلسطيني بسبب غباء حماس”.
لم يهمل أرينج مهاجمة إيران، وقال “إنها حرضت حماس من أجل حساباتها ومخططاتها في الشرق الأوسط”، ولكن كلامه لم يؤثر في الشارع اليساري والإسلامي بمعظمه، إذ خرج الآلاف منهم في تظاهرات واعتصامات أمام القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول، في الوقت الذي ذكرت أحزاب يسارية بذهاب العشرات من قادة الحركات الطلابية إلى مخيمات فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات للقتال مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، واستشهد بعضهم هناك.
هذا التناقض، وأحياناً التلاقي، في مواقف مختلف القطاعات الشعبية التركية تجاه الأحداث الأخيرة يبدو واضحاً أنه لم يؤثر في موقف الرئيس إردوغان الذي تهرب من اتخاذ أي موقف مؤيد للفلسطينيين، كما كان يفعل في السابق منذ استلامه السلطة بداية 2003، وبشكل خاص في سنوات ما يسمى بـ”الربيع العربي” عندما تبنى الحركات الإسلامية.
وقد قدم إردوغان آنذاك، ومعه وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو، وبالطبع أمير قطر، كل أنواع الدعم لحماس، وأقنع خالد مشعل وقيادات حماس حينها بمغادرة سوريا ومساعدة الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل الدولة السورية، وخصوصاً في الجنوب السوري.
واعترفت قيادات حماس لاحقاً بخطئها بعد وساطة حزب الله وطهران التي نجحت في تحقيق المصالحة بين دمشق وحماس، التي يبدو أنها قد استمدت قوتها من هذه المصالحة، فقامت بما قامت به بفضل الدعم السياسي والعسكري والنفسي من دول وقوى المقاومة، على الرغم من انحياز معظم الأنظمة العربية المعروفة إلى جانب الكيان الصهيوني، وبعضها ما زال كذلك على الرغم من العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة.
الرئيس إردوغان الذي يراقب كل هذه التطورات من كثب من دون أي تأييد لحماس التي أوقف كل أنواع الدعم لها بناء على طلب “تل أبيب” بعد زيارة هرتسوغ أنقرة في آذار/مارس العام الماضي، بدأ تحركاته الدبلوماسية بالاتصال بـ”عدوه اللدود” السابق الرئيس السيسي، وبحثه معه إمكانيات التنسيق والعمل المشترك على الجبهتين الإسرائيلية والفلسطينية أولاً لوقف إطلاق الحوار، وثانياً لبحث إمكانيات وشروط إخلاء سبيل الأسرى والمختطفين الإسرائيليين.
وتحدث إردوغان إلى نظيره الإسرائيلي هرتسوغ، وأبلغه تعازيه بسبب مقتل “المدنيين”، ومن المتوقع أن يتواصل مع زعماء الإمارات وقطر والسعودية في الوقت الذي سيتواصل الرئيس السيسي مع قيادات حماس لإقناعها بضرورة التهدئة والعمل معاً من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة ترضي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وتتوقع الأوساط السياسية لنتنياهو أن يرد إيجاباً على الوساطة التركية، ليساعده ذلك على كسب أنقرة إلى جانب “تل أبيب” في حساباتها الإقليمية المستقبلية، بما فيها المشاريع والمخططات الإسرائيلية المستقبلية ضد إيران وسوريا وحزب الله في لبنان، بعدما كانت تركيا و”إسرائيل” جنباً إلى جنب في دعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا.
وقد يسعى نتنياهو من خلال هذه الحسابات إلى أن يجعل من الرئيس إردوغان، أي تركيا بدورها المعروف في سوريا وللعراق، عنصراً يساعده لتحقيق التوازن في معادلاته مع الأنظمة العربية التي طبّعت معها ومعظمها تتآمر ضد إيران.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على موقف هذه الأنظمة التي لم تحرك ساكناً ضد العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، فيما تضامن البعض منها علناً أو سراً مع الكيان الصهيوني، وهو ما فعلته في حرب تموز/يوليو 2006 في لبنان.
وباستمرار تناقضات الشارع التركي بين مؤيد للشعب الفلسطيني، وهم الأغلبية، ومتضامن مع الكيان الصهيوني، والسبب في ذلك هو العداء التاريخي التقليدي للعرب، ومن ثم للإسلام، والسبب في ذلك “سياسات الإسلامي إردوغان”، يبدو واضحاً أن الجميع في تركيا لن يؤثر فيهم سوى مواقف حكومات الدول العربية التي ما دامت هكذا، فإنهم سيقولون: “إذا كان العرب لا يتضامنون مع الفلسطينيين، فلماذا نفعل ذلك؟”، وكأن القضية هي قضية العرب والمسلمين، وليست قضية مبادئ وأخلاق وضمير تتطلب الوقف إلى جانب المظلوم وضد الظالم، وخصوصاً إذا كان هذا الظالم هو الكيان الصهيوني المحتل ومن معه إقليمياً ودولياً!
سيرياهوم نيوز1-الميادين