بقلم:باسل علي الخطيب
يقال أنه إن كان للباطل جولة فللحق عدة جولات…
يقال أيضاً أن الحق ينتصر دائما…
يحفل موروثنا وموروث غيرنا بالكثير من هذه الأمثال في ذات السياق والمعنى….
هذه جمل تنويمية، كل التاريخ البشري لا يتطابق مع النتائج القطعية التي تحملها هذه الأمثال …..
لو كان هذا الأمر حقيقة لما كان عند كل المعتقدات في العالم فكرة المخلص، ولما كان عند كل المعتقدات فكرة المعركة الفاصلة في نهاية الزمان…
أما القول إن الباطل كان زهوقا، وهو كذلك، وهذه حقيقة، و لكن حقيقتها لا تتجلى في الوقائع البشرية إنما في أعلى الأبعاد الإنسانية السامية…
على المستوى البشري لا ينتصر الحق لأنه حق و حسب، عندما تتجاوز المعركة ساحات العقل و الحجة و الأفكار إلى ساحات القتال، فأنت تحتاج السيوف لنصرة الحق حتى ينتصر أو تقوم دولته…
عندما قسمت العالم في الجزء السابق من هذا المقال إلى مذاهب، قسمته انطلاقاً من أن كل مذهب صار ديناً بعينه، يستند إلى منظومات أخلاقية متفرقة، و إن كان هناك الكثير من التقاطع بين بعض هذه المنظومات، التي يمكن أن يبنى عليها إن توافرت الإرادة والنية الطيبة…
وعليه، لطالما استغربت فتوى الخميني بحرمة امتلاك إيران السلاح النووي، لاحظوا أن كل المذاهب الكبرى في العالم تمتلك هذا السلاح، المذهب البروتستانتي يمتلكه عبر الولايات المتحدة، المذهب الأنجيلكاني اللوثري يمتلكه عبر بريطانيا، المذهب الكاثوليكي عبر فرنسا، المذهب الأرثوذكسي عبر روسيا، البوذية الكونفوشيسية عبر الصين، الهندوسية عبر الهند، اليهودية عبر الكيان الصهيوني، المذهب الإسلامي السني عبر الباكستان، حتى الملحدين يمتلكون سلاحهم النووي عبر كوريا الشمالية، وحدهم الشيعة لايمتلكون سلاحهم النووي الخاص…..
تحمل كل المعتقدات فكرة المطلق، أن كل معتقد وحده دون غيره يمتلك الحقيقة الكاملة ليكون مخرجات أي صراع بين أي معتقدين مخرجات حادة جداً، عدا أن كل معتقد يحمل في تكوينه صفة التبشير من مبدأ واجب الهداية للبقية أنهم على ضلال.
ما ذكرناه أعلاه و ما ذكرناه في الجزء الأول من هذا المقال، هو من صنع التاريخ البشري، صنع كل أحداثه و كل إمبراطورياته، و ستستمر هذه العوامل في صياغة هذا التاريخ و صناعة أحداثه، و كل التقلبات الفكرية و الثقافية التي تعرفها المنظومات الأخلاقية لهذه المعتقدات هو في سياق صراع هذه المنظومات الأخلاقية بعضها مع بعض….
منذ بدء تشكل مفهوم الدولة كأساس جامع لشعب ما و هو يرتبط بمفهوم العقيدة، إما أن الدولة قد استعملت العقيدة كجامع للشعب الذي تضمه، أو أن الدولة في سبيل الوصول إلى وحدة وطنية رسخت أو فرضت عقيدة معينة على الشعب الذي تضمه، هكذا نشأت كل الدول في بداياتها في القرن السادس عشر و السابع عشر….
ورغم أن هذا الأساس لم يستمر لاحقاً، إلا أنه ظل عاملاً حاسماً في تكوين الدول، أو رسم سياساتها التربوية والثقافية والفكرية وحتى الاقتصادية والسياسية، وكان أغلب الأحيان حاملاً خفياً لطموحاتها الجيوسياسية….
ولكن مع هذا لايمكن إغفال العامل القومي في نشوء الدول، والذي يوازي العامل الديني من حيث الأهمية، ولكن هذا العامل لم يعرف له حتى تاريخه تعريف محدد وقطعي، و رغم أنه الافضل كعامل لبناء الدولة، لأنه يلغي الطائفية والمذهبية، إلا أنه أضعف من العامل الديني لكونه غير مرتبط بالسماء، وليس فيه منقذ أو مخلص، والشعوب في حالات الكوارث والصعاب تعود إلى السماء وليس إلى النظريات القومية….
يتبع….
(سيرياهوم نيوز2)