| مصعب أيوب
دعوة واضحة وجلية لتجاوز السوداوية والخروج من الإحباط بكل السبل، بحيث إن التاريخ لا يمكنه انتظارنا أو معالجة مشاكلنا، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة وعناية عالية، وهذا ما أكدته الدراسة الصادرة مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان «استعصاءات التنوير العربي بين المأزق والمخرج» لحسن إبراهيم أحمد.
صراع مع العقل الإيماني
يؤكد الكتاب أن التنوير مهم في مجتمعاتنا وله أصول متجذرة في العقل، وصاحب الفكر أو العقل يمكنه استنهاض همم مجموعة أو أفراد تكبر وتكبر ويتوسع نشاطها، ومن يسر في التنوير فعليه دائماً مراجعة أفكاره واستنتاجاته وإجراء التعديلات عليها حسب مقتضيات التطويرات العامة، كما يؤكد أن التنوير كان في كثير من الأحيان صراعاً مع العقل الإيماني ولعل أكثر الاختصاصات التي يتجلى فيها هذا التنوير هو ثقافة المرأة، حيث لا يمكن النهوض بالمجتمع ومواكبة التنوير والتطوير بالاستغناء عن المرأة بما تملك من إمكانيات وقدرات، فلا يمكن تهميش المرأة، ففرض الارتباط بابنة العم والصلاة في مقصورة خاصة في دور العبادة وما إلى ذلك ليس من الأمور الدينية بل هي عادات اجتماعية شملت الإسلام والمسيحية.
هدوء فكري
كما يشير الكتاب إلى أن الموروث لم يعترف بكيانية للمرأة تحاكي كيانية الرجل وترفض موازاته والمقارنة به، ولا بد من الاستئناس ببعض النساء اللواتي أحدثن تقدماً وتنويراً في بعض الحضارات في جوانب عدة بعد خروجها من الاستسلام للقدر بفعل الظروف المساعدة.
ويؤكد أحمد ضرورة توجيه التحدي بحيث لا يتم شخصنة العداء، ولا بد من اختيار الموضوعات الأقل حدة واختلافاً أو التي تتضمن عناصر مشتركة وبعد أن تتحقق بعض النجاحات في موضوع ما يمكن أن نطور الحوار ويصبح الاتجاه نحو محور معين وليس أشخاصاً بعينهم وبالتالي الانتقال إلى موضوعات معينة بهدوء فكري.
حضور متزايد للوعي
توضح الدراسة أن التنوير يتكرر عبر التاريخ فهو مرافق للانبثاقات الحضارية الكبرى مهما تفاوتت، وتكمن أهمية التنوير في عصرنا الحديث في أن أصبحت حالة شبه معممة فهي ذات انتشار واسع ولكن بنسب متفاوتة من حيث العمق والتمكن.
كما تركز على أن التنوير بات اليوم حاجة ملحة بعد أن بدأت الشعوب تتأكد من أن الدور الجوهري والمحوري للتنوير بات يضمحل ويتراجع ولاسيما إذا لم تأخذ تلك الشعوب بأسباب التقدم والتحديث في الوقت الذي لن تنتظرها شعوب أخرى بل ستسخر منها وتتخطاها، والتنوير في خلاصة الأمر يعني حضوراً وإلحاحاً متزايداً للوعي حسب الحاجة لأن يكون حافزاً للخروج من الإعاقة.
ويشدد على أن التنوير ضمان لعدم انشداد الحاضر إلى الماضي والتخلص من التبعية من دون العداء له، وتطوير المجتمع وتنويره حالة متجددة تتمركز في الحالة الراهنة للمجتمعات العالمية وما وصلت إليه من تجب متابعته ومنافسته مع ضرورة الاستفادة من التراث.
تطور نسقي
يطرح المؤلف سؤالاً مفاده أنه هل من المتوقع أن يخوض التنوير معاركه في ميادين مختلفة غير الثقافة والإعلام؟
فيجيب، أن هناك الكثير من الكلام الخارج عن حدود الرصانة لكثرة الخوض فيه، فعند الحديث عن النهضة لا يمكننا الحديث عن الثقافة فحسب، ونعتبر أن النهضة قد حصلت ولكنها تطور نسقي يتضمن كل جوانب الحياة وطبقات المجتمع، فلكي نخرج من الحلقة المفرغة علينا أن ندرس النهضة العربية وظروفها وأسباب فشلها بدلاً من دراسة نهضة الغرب وأسباب نجاحها.
والبحث في الثقافة العربية التنويرية يعني البحث في تاريخيتها وربطها بالزمن وتطور الأحداث وهو ما يعني تجريدها من التأثر بالغيب والماورائيات.
ثوابت التنوير
ينوه أحمد إلى أن القباحات تتنوع وتختلف أشكالها من المادي المتضمن الشكل والمأوى وما إلى ذلك والخفي المتضمن الثقافة التي لا تكون في شكل الإنسان، وكل هذا ليس بتلك القباحة التي تنجم عما يكتسبه الفرد من عادات ومعارف، ولعل أسوأ القباحات تلك التي يرتكبها العلماء والسياسيون والمفكرون.
كما يفيد الكتاب أنه من أجل حدوث التنوير لا بد من استبعاد المواجهة مع العقائد المتمكنة اجتماعياً، فهي تهيمن داخلياً في شخصية المؤمن ومواجهتها ربما تنقلب عكساً على التنوير وبالتالي لا بد من التعامل معها بحذر وحنكة.
وشدد أحمد على أن حرية الاعتقاد والرأي من ثوابت التنوير ويفترض أن توضع في مقابلة الإرث التاريخي وما يختزنه من المآسي وشناعات محسوبة على الدين وهو ما كان نصيب المرأة فيه كبيراً جداً في كثير من المواضع.
الفاعل الأهم في التنوير
وقد نوهت سطور الكتاب إلى أن العلمية صفة تنفي الخرافة أو اللاعقلانية لأنها رافد مهم للتنوير، ولعل الكثير من العلوم التي كانت في مراحل معينة كانت مقترنة تماماً بالذكور فإن ميدانها اليوم لم يعد محتكراً فقط على الذكور، لاسيما في ظل وجود عالمات نساء كثر ودارسات للعلوم وباحثات بشأنها، ولعل دخول المرأة إلى الجامعات والأكاديميات ذات العلوم رفيعة المستوى هو ما يفترض أن يكون له دور كبير في تغيير نمط الحياة ونظرة الناس إلى الكون وظواهره، ولعل المثال الأهم هو قدرة المرأة على تلقين أولادها وإرشادهم وتعليمهم الصواب والخطأ، وهو ما لا يعتبر فقط تنويراً بل إنها تعد الفاعل الأهم في العملية التنويرية للمجتمعات.
(سيرياهوم نيوز ١-الوطن)