على رغم بعض التقدّم في جلسات التفاوض الليبية الأخيرة، إلا أن العقبات لا تزال كبيرة أمام اتفاق حاسم ونهائي. وفي ظلّ ترتيبات لجلسة جديدة في القاهرة، الأسبوع المقبل، واستمرار التحضيرات لعقد جلسة للبرلمان داخل البلاد، يدور رهان حول إمكانية أن تدفع الأزمة الاقتصادية المتصاعدة الطرفين المتنازعَين إلى تقديم تنازلات لا يزالان يحجمان عنها
أمّا مجمل المناقشات التي دخل البرلمان الليبي طرفاً فيها، وسط ترقب لجلسته الأولى المفترض أن تعقد على أراضي البلاد الشهر الجاري، فتتّجه الآن إلى التوافق على توحيد القيادة السياسية أولاً، قبل الاستقرار على آليات اختيار المرشحين، على أن تخضع هذه المسألة لنقاشات أخرى مستفيضة، وخصوصاً في ظلّ صعوبة اختيار أصحاب المناصب السيادية السبعة بموجب «اتفاق الصخيرات». وتحظى مناصب النائب العام، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس مفوضية الانتخابات وأعضائها، فضلاً عن محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، بمكانة خاصة في المناقشات، ولا سيما مع التضارب في المصالح لدى بعض الشخصيات المرشّحة، وسعي مشاركين إلى استبعاد شخصيات بعينها، ثمّ وضع شروط أكثر صرامة في الاختيار، بالإضافة إلى تمثيل الأقاليم المختلفة في الأسماء.
تبحث لجنة «5+5» عن المكان الآمن لعقد جلسة البرلمان داخل البلاد
على خطّ موازٍ، تسعى القاهرة إلى استضافة حوار سياسي جديد الأسبوع المقبل، يستكمل فيه الفرقاء مناقشاتهم التي بدأت في تونس وانتقلت إلى طنجة في المغرب، لكن من دون التوصّل إلى اتفاقات حاسمة، على رغم التسهيلات الكثيرة التي قَدّمتها الأمم المتحدة. ومع استمرار الخلاف، تَجدّدت التجاذبات في «الملتقى السياسي» في تونس مرّة أخرى بين وفدَي «مجلس الدولة» التابع لحكومة «الوفاق» والبرلمان المنعقد في طبرق خلال الأيام الماضية، ما يعكس العقبات الكبيرة أمام بدء المرحلة الانتقالية الجديدة المقرّر أن تنتهي بانتخابات في كانون الأول/ ديسمبر 2021، وهو أمر بات مستحيلاً وفق هذه الظروف. ومع أن الجميع يشاركون في المفاوضات وجلسات الحوار المدعومة دولياً، لكن لا حلّ ولا رؤية كاملة، أقلّه حتى بدء الإدارة الأميركية الجديدة عملها الشهر المقبل، مع ترقب لموقفها وطبيعة تعاملها، إلى جانب مواصلة الأطراف معركة عضّ الأصابع في الداخل، وانتظار أيّ منهم سيتعرّض لإنهاك أكبر داخلياً، ما يجعله يقبل تقديم تنازلات كثيرة، وخاصة أن الخناق الاقتصادي يحيط بالجميع، حتى مع استئناف تصدير النفط بالمعدلات الطبيعية.
هذه الأزمة أجبرت طرفَي الصراع العسكري، قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحكومة «الوفاق»، على التوقف عن القتال تحت ضغط شعبي، وهي نفسها ربما تدفع الكلّ إلى التوافق، وخاصة مع تعمّقها وسط خلاف كبير بين الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة الوطنية للنفط»، مصطفى صنع الله، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمون». فقد أوقفت المؤسسة إحالة أموال النفط إلى المصرف بعد اتهامات متبادلة بالاختلاس، في خطوة من شأنها تجميد الأموال حتى التوافق على آلية التوزيع العادل لها. لكن الأطراف المتابعة للأزمة، وخاصة الخليجية، ترى في هذا التصادم الفرصة المناسبة لمزيد من الضغوط في سبيل تحقيق اتفاق قريب حتى لو لم يشمل إجراء الانتخابات في موعدها، إذ إن مجرّد الاتفاق على توحيد المناصب السيادية سيكون فرصة حقيقية لبدء العملية الانتقالية وفق ضمانات ستُقلّل من الأصوات المعارضة.
مع ذلك، لم تمنع التوافقات السياسية المتعثّرة من وصول إمدادات عسكرية إلى طرفَي الصراع الموقّعين على اتفاق تهدئة؛ فـ«الوفاق» وصلتها كمية من الأسلحة الثقيلة وقطع الغيار عبر قاعدة «الوطية» وإحدى السفن التي وصلت مصراتة، وحفتر وصله دعم عسكري يقول إن الهدف منه أن يواجه «جهاديين» وصلوا إلى البلاد وينتمون إلى تنظيم «القاعدة»، في خطوة لم تشتكِ منها «الوفاق» حتى الآن. أما اللجنة العسكرية «5+5»، فتبحث عن المكان الآمن لعقد جلسة البرلمان التي يترقّب كثيرون ما سيدور فيها، ولا سيما أن الدعوات إلى إعادة النظر في رئاسة البرلمان، التي يحظى بها عقيلة صالح، قد تكون سبباً رئيساً في تأجيل انعقاد الجلسة حتى إشعار آخر.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)