ميخائيل عوض
تفتق العقل الامريكي والاسرائيلي والاطلسي عن مخطط ومشروع يعمل عليه بلينكن وزير خارجية امريكا ويرافقه في العزف وزراء خارجية الاطلسي وبعض العرب والمسلمين.
يقترح الحل؛ الطريقة التي تمت في بيروت بعد الغزو الإسرائيلي عام ١٩٨٢ ومحاصرتها لثلاثة اشهر انتهت بترحيل منظمة التحرير ورحيل كادر احزاب الحركة الوطنية ثم دخلتها القوات الإسرائيلية بعد اغتيال بشير الجميل وارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا وجاءت قوات اطلسية في اولى مهامها خارج نظام الحلف وتكليفه، لتامين لبنان و تحويله الى محمية اسرائيل وقاعدة امريكية لقيادة قواتها ومشاريعها في الشرق الاوسط.
ثم ما لبثت القوات الامريكية والفرنسية والايطالية الانسحاب مذعورة بعد تفجير مقرات المارينز والقوات الفرنسية وترحيل الاسطول ومدمرة نيوجرسي محملة بالقتلى والجنود وكانت نيو جرسي التي نفخ في خصالها وقدراتها وجربت حضها بقصف الجبل واسقطت طائرتين للأمريكيين بسلاح الدفاع الجوي السوري.
بمجرد ان تطرح امريكا حلول ومقاربات لغزة من هذا القبيل يتأكد لدينا بالوجه الشرعي انها اصبحت هرمة وخرفة على صورة رئيسها المتهم بمرض الزهايمر.
وتاليا تفقد ما كان يقال عنها وكانت توصف ايام شبابها بانها نظام وعقل جمعي براغماتي ديناميكي وخلاق.
بالمنطق السليم؛ حتى تطرح حلا لغزة شبيها بما جرى في بيروت عليك ان تعيد الزمن وتوازنات القوى فيها والعالم الى سنة ١٩٨٣، وان تضع غزة مكان بيروت، اي ان يكون في غزة مقاتلين وفصائل لبنانية لا غزاوية من اهل البلد. فمن كان في بيروت منظمة التحرير الفلسطينية وكثير من عناصرها عرب وبنغال وباكستانيين واما الاحزاب اللبنانية فكانت ملاحق دعم لوجستي او ما شابه.
ولان منظمة التحرير ليست لبنانية وفي بيروت كان يمكن ترحيلها، وكان اللبنانيون منقسمون ومحتربون واكثر من نصفهم ضد الوجود الفلسطيني.
اما في غزة فالمقاتلون غزاويون من اهل الدار والمجتمع موحد ويحتضنهم ويساندهم فهم ابنائه ومجاهدين لتحرير وطنهم المسلوب.
وفي بيروت ولبنان ارتكبت الفصائل الفلسطينية وحلفائها كم هائل من الاخطاء والتجاوزات بحق اللبنانيين والبيئات الحاضنة غير الموفور مثلها في غزة ومن ابنائها الخلص والمؤمنين والاستشهادين.
وفي بيروت كانت المنظمة وقيادتها قد تبرجزت وانتفخت الكروش والحسابات البنكية وكانت المنظمة تتفاوض مع اسرائيل بقنوت خلفية على ما نشره ابو مازن وفاخر به منذ ١٩٧٣ وقادة المنظمة والفصائل والاحزاب كانوا يقدمون حياتهم ومصالحهم على القضية ويرتهبون من الاستشهاد وفقدان المكاسب وضياع الاموال والمصالح، فيرحلون عن بيروت ويتركون القتال والسلاح لتامين انفسهم وعائلاتهم.
اما في غزة فليس الا صنف من الرجال والقادة يستشهدون ويدفعون ابنائهم واحفادهم للاستشهاد ولا تعنيهم الحياة الدنيا الفانية. وفي غزة تأسست حماس والجهاد الاسلامي وتقود القتال وتأسيسها على التزام ان فلسطين كلها ارض وقف لا يحوز التفاوض او التنازل عنها، وعلى التزام تحريرها كاملة دون نقصان على عكس منظمة التحرير وفتح.
بيروت ليست من فلسطين التاريخية وسكانها ليسوا بنسبة ٧٠% لاجئين ويسكنون المخيمات وعيونهم ترنو لفلسطين، ولم تتظاهر بيروت بالصدور العارية علة الشريط لتأكيد حق العودة ولم تصنع عجيبة واسطورة العبور كمثل ما فعلته غزة في طوفان الاقصى.
والاهم ان بيروت لم يكن من يعضدها ويقاتل ويفتح الجبهات معها، ولا احتشدت شوارع العرب والمسلمين للتضامن مع عاصمة عربية تحاصر ويجري تدميرها واجتياحها، ولم يكن بالميدان الا حديدان سورية وجيشها الذي قاتل مع بيروت وسطر اساطير في البقاع والجبل والسلطان يعقوب ودفعت ثلث قوتها لجوية واكثر من ١٢ الف شهيد من جيشها، ولم تكن ايران قد بلغت ما هي عليه بل كانت بحاجة لإسناد من سورية ايضا.
وبرغم ما كانت عليه بيروت من يتم وازمات وحصار من ذوي القربى وشراكة القوات اللبنانية في الحصار والغزو، وبمجرد رحلت منظمة التحرير والفصائل وتشتت الاحزاب حتى رممت جراحاتها ونهضت وانفجرت في وجه المحتل وتولت احزاب وفصائل اطلاق شرارة المقاومة ثم حركة امل ثم تأسس ونشا حزب الله ومقاومته الاسلامية التي سطرت الملاحم، وطاردت المحتل وحررت لبنان تحت النار ودون قيد او شرط.
هل هذه المعطيات والمسارات غير معروفة ولم يسطرها التاريخ والكتب؟
وهل يصعب على الخبراء ومن يصوغ السياسات والخطط والاقتراحات لأمريكا وإسرائيل وحلفها عاجزون عن استخدام غوغول لجمع الوقائع ام ان الذكاء الاصطناعي الذي ابهرونا بقدراته يعجز عن تذكرها واستخلاص الدروس والعبر.
حل بيروت لا يصلح وغير قابل للتنفيذ في غزة والحل الغزاوي سيفرض نفسه بشفاعة ارواح الاطفال والنساء والمستهدفين في المشافي والتجمعات الاهلية .
حل غزة يعمل باتجاه وحيد، فلم يعد لإسرائيل وحلفها من مكان هنا في فلسطين وفي العرب والمسلمين والاقليم.
فالدماء والحروب والتضحيات التي بذلت لقرن حان قطاف زرعها ومن غزة خبر اليقين وبشرى النصر المبين والزمن جاري في ايام حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر.
(سيرياهوم نيوز ٢-الكاتب)