د. بسام الخالد
التقيت مصادفة أحد الأصدقاء من الشعراء المبتدئين المتابعين لإصدارات الدواوين الشعرية الصغيرة، وبعد السلام والمجاملة قال لي: أين أنت يا رجل.. إنني أبحث عنك منذ مدة ؟!
قلت: أنا كما عهدتني.. مازلت آكل وأشرب وأتنفس وأمارس عملي.. قال مستغرباً: لَمْ أرَ لك عملاً أدبياً مطبوعاً منذ زمن.. فَلِمَ هذا التقصير؟
قلت : أنت تعرف مشاغل العمل اليومي ومتاعب العمل الصحفي وأعباء الحياة الأخرى التي تقف حائلاً بينك وبين لحظات التأمل الإبداعي لتنتج عملاً مقبولاً من الناحيتين الأدبية والفنيّة.. ومع ذلك فلديّ عدة أعمال تنتظر أن يتوافر المال اللازم لطباعتها، مع أنني مؤمن أن طباعتها خسارة لي بالدرجة الأولى في ظل انحسار القراءة وسيطرة وسائل الاتصال الإجتماعي التي غزت العالم.
قال : دعك من هذه التبريرات.. فـ “الغزَّالة تغزل على عود”!.. إذا أردت الكتابة فعلاً فلا ينقصك الوقت لذلك، أما عن لحظات التأمل الإبداعي التي تتحدث عنها فاتركها جانباً لأن الوحي الشعري والإلهام الأدبي قد يأتيك في الطريق أو في الباص أو في فراشك قبل أن تغفو.. وحتى في الحمّام!
قلت: قد يكون بعض ما تقوله صحيحاً.. لكن العمل الأدبي يجب أن تتوافر فيه شروط عديدة منها البحث والقراءة المستمرة والمعرفة والإلمام بالعلوم الأخرى التي ترفد الثقافة الأدبية.. وهنا لا يكفي الإلهام وحده.. ثم بعد كل ذلك يجب أن تكون متفرغاً، ذهنياً على الأقل، للكتابة من دون أن تشغل تفكيرك متطلبات الحياة اليومية التي لا تنتهي.
قال: أنت تعقّد الأمور أكثر من اللازم.. ما رأيك، مبدئياً، أن تبدأ بتقديم بعض الكتب والدواوين الشعرية لتعوّض عن النقص في إنتاجك الأدبي ؟!
قلت: لم أفهم قصدك من التقديم.
قال : بحكم عملك الفكري والصحفي وتراكم خبرتك، فأنت لديك علاقات وطيدة تربطك مع كتّاب وشعراء، وهم يحتاجون لمن يقدّم لهم دواوينهم وكتبهم.. وهذا الأمر لا يحتاج منك سوى صفحتين تكتبهما في مقدمة الكتاب أو الديوان لتشارك الشاعر أو الكاتب اسمه على الغلاف.. وبعد فترة تكون شهرتك قد فاقت شهرة أكثر الكتّاب غزارة في الإنتاج وطباعة الدواوين.. وعندما يحين الوقت لتطبع أعمالك لن يتجرأ أحد من النقّاد التهجّم عليك، لأن لك إرثاً في ” تقديم ” الكتب والدواوين من خلال اسمك المطروق بكثرة على الأغلفة!
قلت : وهل هناك من يمارس هذا العمل ويسعى إليه؟
قال : أوه.. إنهم كثر.. وما عليك إلا أن تشير إشارة إلى عمل ستكتبه، بعد عام، حتى ينبري ” المـقّدِم ” العتيد لحجز صفحات التقديم سلفاً بأسلوب ” الأستاذ ” الذي يمنُّ عليك بعلمه مُشعراً إياك أنه يقدم لك خدمة جليلة.. وإذا كنت من المبتدئين فإنك ستبتلع الطعم أمام هذه الأريحية التي يقدمها لك ” المقّدِم ” !
وسألت صديقي : من سيقّدم لديوانك الجديد الذي تستعد لطباعته ؟
ضحك ملياً وقال: حتى الآن أمامي ثلاثة أسماء وأنا حائر بينهم.. لكني أفضّل الانتظار عساني أحظى بأسماء أكثر تتيح لي فرصة الاختيار.
لملمت أوراقي المبعثرة وودعت صديقي على عجل وشكرته على هذه الفكرة التي كتبت هذا النص من وحيها!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز ١)