آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » صوت فلسطين في «الجنوب العالمي»: بريتوريا تلاحق الاحتلال أمام «الجنائية الدولية»

صوت فلسطين في «الجنوب العالمي»: بريتوريا تلاحق الاحتلال أمام «الجنائية الدولية»

 

محمد عبد الكريم أحمد

 

أعلنت جنوب أفريقيا، مساء أوّل من أمس، عزمها تقديم شكوى إلى «المحكمة الجنائية الدولية» ضدّ إسرائيل، ليؤشّر ذلك إلى تصعيد أفريقي متزايد بقيادة بريتوريا، ربّما ستكون له تداعياته على مجمل السياسات الأميركية والغربية في القارّة، ضمن التغيّرات التي تشهدها الأخيرة بالفعل منذ سنوات. ويأتي هذا الإعلان في ظلّ تراجع مصداقية الولايات المتحدة أفريقياً، كـ«دولة مجسِّدة لمجموعة محدّدة من القيم العالمية» كما تُصدّر نفسها، بعد ضلوعها المباشر في حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية في فلسطين المحتلّة، ونيْل الأخيرة وقضيتها دعماً أفريقياً متصاعداً. كما يأتي وسط تراجع دبلوماسي إسرائيلي غير مسبوق منذ عقد كامل في القارّة، جلّاه مثلاً استدعاء تشاد القائم بأعمالها في إسرائيل، ودعوتها تل أبيب إلى وقف إطلاق نار «يؤدّي إلى حلّ دائم للقضية الفلسطينية»، علماً أن إنجامينا كانت قد رفعت أخيراً مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان، وافتتحت سفارتها لديه في شباط الماضي.

«المؤتمر الوطني الأفريقي»: لا عودة إلى الوراء

تمسّك «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في جنوب أفريقيا، والذي كان سجّل انعطافة تاريخية نحو تبنّي مقاربات جذرية، عقب ارتكاب النظام العنصري السابق مذبحة شاربفيل وقتله نحو 100 شخص بالرصاص الحيّ في آذار 1960، بسياسة رفض الإبادة الجارية بحقّ الفلسطينيين. وعلى رغم حرص الميديا الغربية (ولا سيما المنافذ اليهودية المعروفة، والتي تقابلها مطالب لافتة من الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا بإقرار وقف لإطلاق النار) على ترويج وجود شقاق داخل هذا البلد إزاء الأزمة في غزة، فإن التصعيد الشعبي والرسمي الحالي ضدّ إسرائيل يدحض تلك الرواية تماماً.

 

ومن بين وجوه ذلك التصعيد، مثلاً، توجّه مجموعات من المتظاهرين إلى مجمّع «بارامونت ميدراند» للصناعات العسكرية، واستهدافها عدداً من مقارّه على خلفية اتّهام المتظاهرين له بتقديم أسلحة لإسرائيل، ما دفع الشركة البارزة في البلاد إلى إصدار بيان تؤكد فيه «عدم تقديمها على الإطلاق معدّات عسكرية لإسرائيل»، مشيرةً إلى تحكُّم «اللجنة الوطنية لضبط الأسلحة التقليدية» بكلّ صادرات شركات الدفاع في جنوب أفريقيا، في ما يمثّل استجابة للمزاج الشعبي الغالب، والذي يتّسق تماماً مع رؤية الحكومة. وفي ظلّ هذه الأجواء، جاء قرار بريتوريا تقديم شكوى ضدّ تل أبيب أمام «المحكمة الجنائية الدولية»، ليؤكد نظرة الأولى إلى العدوان الإسرائيلي على غزة بوصفه تذكيراً بانتهاكات النظام العنصري في عقود سابقة، وليثبت مضيّ جنوب أفريقيا في معاكسة «المصالح الأميركية» في الشرق الأوسط، اتّساقاً مع العلاقة المتوتّرة أصلاً بين البلدَين، في عهد الرئيس الحالي، سيريل رامافوسا.

موقف بريتوريا الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، يقوم على ثوابت واضحة للغاية

 

شكوى أمام «الجنائية الدولية»: ما الجدوى؟

على رغم انضمام مجموعة دول إلى منظمة «بريكس» (قبل الحرب في غزة)، فإن الاهتمام الغربي انصبّ في الأساس على حالة إيران وصلاتها «الوطيدة» مع جنوب أفريقيا. وفي الإطار نفسه، عَدّت الدوائر الغربية المختلفة، مواقف الأخيرة من العدوان الإسرائيلي، مؤشّراً كاشفاً لعلاقات وثيقة بين بريتوريا وطهران، ومتّسقةً مع رؤية «المؤتمر الوطني الأفريقي» لحركة «حماس» على أنها حركة تحرّر وطني. وعلى هذه الخلفية، سرت مطالب أميركية بوجوب معاقبة جنوب أفريقيا اقتصاديّاً، أو على الأقلّ حرمانها من الميزات النسبية والمساعدات التنموية «التي يدفعها دافع الضرائب الأميركي بمليارات الدولارات»، فضلاً عن دعوة طوائف مسيحية إنجيلية سوداء إلى عدم التصويت لـ«المؤتمر الوطني» في الانتخابات العامة المقبلة في عام 2024.

 

غير أن متابعة مواقف جنوب أفريقيا، منذ الساعات الأولى من الحرب في غزة، تكشف عن اتّساق دعوتها الحالية، التي مهّدت لها بداية وزيرة الخارجية، ناليدي باندور (7 الجاري)، أمام البرلمان، من خلال تذكير «المحكمة الجنائية» بضرورة القيام بدورها، والتحرّك ضدّ صنّاع القرار في إسرائيل، مع السياسة التي انتهجتها البلاد بشكل عام. وتعزَّز هذا المسار، خلال زيارة رامافوسا للدوحة (14 الجاري)، حيث أكّد أن بلاده «قد اتّخذت (بالفعل) خطوات لرفع شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضدّ إسرائيل»، تشمل اتهامات لقادتها بارتكاب جرائم حرب. ومع تقديم جنوب أفريقيا شكواها، فإن المحكمة ستفصل في وقوع جرائم من مثل الإبادة وجرائم الحرب «التي تمثّل انتهاكات جسيمة لمعاهدات جنيف»، وما إذا كان هناك مجال للتحقيق فيها أو لا، وما إذا كان التحقيق فيها من ضمن اختصاصاتها.

 

ويبدو أن المسار الزمني للتحقيق وصولاً إلى غايته، المتمثّلة في إصدار مذكّرات اعتقال بحقّ قيادات إسرائيلية، سيمتدّ لسنوات. لكنّ الخطوة في ذاتها، في حال نجاحها، ستمثّل اختراقاً «جنوب عالميّاً»، باتّهام قادة «دولة» محسوبة على الغرب وديموقراطيته بارتكاب جرائم حرب، ولا سيما أن قرار بريتوريا جاء بعد نحو شهر من دعوة مؤسّسات مدنية أفريقية، 33 دولة أفريقية أعضاء في «المحكمة الجنائية الدولية»، إلى تقديم شكوى مماثلة، في ما يشير إلى احتمال حصول القرار على دعم أغلبية الدول الأفريقية. إضافة إلى ذلك، يُتوقّع أن تجد الشكوى صدًى ما في المحكمة التي شكّلت بالفعل (بعد تولّي كريم خان منصب المدّعي العام في حزيران 2021) فريقاً «للتحقيق في الوضع الفلسطيني»، حصل، بحسب تصريحات لخان عقب زيارته لمعبر رفح على الجانب المصري نهاية تشرين الأول الماضي، على معلومات مكثّفة حول المسألة.

 

خلاصة

يُعدّ قرار بريتوريا تقديم شكوى ضدّ إسرائيل أمام «المحكمة الجنائية الدولية» استكمالاً لسياسات جنوب أفريقية واضحة – وذلك على رغم مساعي الميديا الغربية إلى خلط أوراقها بمصالح وتحالفات مصطنعة في غالبيتها -، ومتّسقة مع المواقف المبدئية لـ«المؤتمر الوطني الأفريقي»، وأيضاً مع نموّ تيار شعبي جنوب أفريقي داعم للقضية الفلسطينية لاعتبارات تماثل النضال الفلسطيني مع نضال هذا الشعب في مواجهة نظامَين عنصريَّيْن. وفيما انتهت قمة الرئيسَين الأميركي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، في سان فرانسيسكو، أول من أمس، باتّفاق ودّي «ضئيل لكنه واعد» على حدّ وصف «نيويورك تايمز»، فإن بريتوريا، التي تُوجَّه إليها أصابع الاتهام بتنفيذ أجندات صينية وروسية في أفريقيا، أعلنت في اليوم نفسه، عبر «حزب المؤتمر الوطني»، دعم الحكومة لأيّ تحرّك برلماني يستهدف إغلاق السفارة الإسرائيلية في جنوب أفريقيا، وهو ما يكشف عن عمق الخلافات، وأنها ليست «مجرّد ملفّ» في دولاب العلاقات الأميركية – الصينية أو حتى التنافس الأميركي – الروسي في القارّة، وأن موقف بريتوريا الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، يقوم على ثوابت واضحة للغاية.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سطو مسلح على متجر ذهب وسط إسطنبول

    محمد عباس تعرض متجر لبيع المجوهرات في مدينة تركية لعملية سطو بعد رفض مالك المتجر الانصياع لابتزاز مالي على شكل إتاوة. ووقع الهجوم ...