آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الفيلم الياباني “أجزاء الوصية الأخيرة “ صرخة ضد الحرب ودروس في القيم النبيلة

الفيلم الياباني “أجزاء الوصية الأخيرة “ صرخة ضد الحرب ودروس في القيم النبيلة

علي المسعود

في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، انضم الاتحاد السوفيتي إلى الحرب ضد اليابان في انتهاك صارخ لميثاق الحياد السوفيتي – الياباني. وعندما استسلمت اليابان وألقى مئات الآلاف من الجنود اليابانيين أسلحتهم ، تم نقلهم إلى معسكرات العمل في سيبيريا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفيتي. أجبروا على العمل في ظل ظروف قاسية للغاية، توفي حوالي 55000 من أصل ما يقرب من 570،000 من المعتقلين. انتظر العديد من السجناء ما يصل إلى 11 عاما لإعادتهم إلى الوطن . لم يتمكن بعض الجنود من العودة إلى ديارهم لسنوات وتوفي المئات منهم من الجوع والبرد . كانوا يقومون بأعمال شاقة للغاية في ظروف جوية قاسية في معسكرات الاعتقال في سيبيريا حيث تشهد فصول الشتاء القاسية انخفاضا في درجات الحرارة إلى أقل من -40 درجة مئوية . من بين هؤلاء الاسرى ضابط ياباني يرتدي نظارات يدعى “هاتاو ياما موتو” بطل حكاية فيلم المخرج الياباني (زيزي تاكاهيسا) ، “أجزاء الوصية الأخيرة “ . تبدأ القصة في عام 1945 عندما تشن القوات السوفيتية هجوما مفاجئا على دولة منشوريا الخاضعة للسيطرة اليابانية خلال الأيام الأخيرة من الحرب، يتم فصل ياماموتو عن زوجته موجيمي (كيكو كيتاغاوا) وأولاده الثلاثة والابنة الصغيرة ، ولكن ليس قبل أعطاهم الوعد بأنهم سيرجع ويلتقي بهم مرة أخرى”. الفيلم مبني على رواية الكاتب والشاعر الياباني (جون هينمي ) لعام 1989 . كان هاتاو ياما موتو (كازوناري نينوميا) يفكر أولا في سلامتهم عندما شن السوفييت هجوما على عاصمة منشوريا ( هاربن،) حيث يعيش هو وعائلته. بناء على طلبه وحثها على تركه ، تأخذ الزوجة موجيمي الأطفال وتشرع في رحلة طويلة للعودة إلى اليابان وتترك زوجها وراءها مصابا ومغطى بالأنقاض. إنها مجرد أول حالة من التضحية بالنفس النبيلة من هذا الرجل الشريف في مواجهة العار وكرم في مواجهة القسوة. يسرد الفيلم تجربته المريرة في الاسر القاسية والمريرة تحت صقيع سيبيريا وطاقته الإيجابية في بث روح الامل بالمستقبل وحلم العودة الى الديار . لدى ياماموتو أمل قوي في العودة إلى زوجته وأطفاله الذين ينتظرون في اليابان، ويستمر في الحلم في اليوم الذي يمكنه فيه العودة إلى المنزل، ويستمر في تشجيع أصدقائه الذين يفقدون الأمل في البرد القارس .

شتاء جليدي، يصل إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر . بعد يوم من يوم لا نهاية له من العمل الشاق الذي لا يرحم ،  مع حصص الإعاشة الفقيرة . وسط الرجال الذين يموتون واحدا تلو الآخر في معسكر الاعتقال السوفيتي الجهنمي ، كان هاتاو ياماموتو يكافح من أجل البقاء ويمنح رفاقه الأسرى الأمل   “يجب ألا تتخلى عن الأمل ، سيأتي يوم (العودة إلى المنزل)،”هذه كلماته لرفاقه الاسرى اليائسين . في ظل الظروف القاسية للمخيم والمعاملة الوحشية من حراس المعسكر ، يستمر ياماموتو في تشجيع الرجال بغض النظر عن الرتبة والشخصية.  قلب ياما موتو الكبير وانسانيته مع رفاقه كافية لمنح أرواحهم الراحة والدفء في زنزانتهم الرثة وسط سيبيريا المتجمدة . وتدفئ أفعاله وإيمانه بالمستقبل تدريجيا القلوب المجمدة لزملائه الأسرى. يعتقد ياماموتو من خلال كل شيء أنه سيعود يوما ما إلى المنزل ليكون مع زوجته وأطفاله الأربعة . ولكن الوعد الذي قطعه لزوجته في اللقاء بها يصبح المصدر الرئيسي لقوته وصبره في تحمل قسوة الحياة في معسكر أسرى الحرب السوفيتي. على الجانب الأخر ، يوازي كفاحه نضال الزوجة موجيمي في تربية الأبناء والتي لا تتراجع أبدا عن اقتناعها بأن زوجها سيعود في نهاية المطاف. يؤمن هاتاو ياماموتو بأنه سيعود بالتأكيد إلى زوجاته وأطفاله في اليابان ويستمر في تشجيع الناس من حوله. تشعل أعمال ياماموتو الطيبة مع رفاقه والمصاحبة ومعتقداته القوية نار الأمل في قلوب العديد من السجناء . مرت ثماني سنوات منذ نهاية الحرب، ويتلقى ياماموتو بطاقة بريدية من زوجته والتي مرت برقابة صارمة ، سطر واحد مكتوب “أنا في انتظار عودتك”. بالتفكير في زوجته ومسؤولية تربة الأطفال بمفردها، لم يستطع ياماموتو إلا أن يذرف الدموع . شعر الجميع أن يوم العودة الى الوطن بدأ يقترب . ولكن بعد ثماني سنوات من الأسر، يهاجم المرض جسد ياماموتو النحيل. يتعرض ياماموتو للمرض وأصابته بسرطان في الاذن والحنجرة ثم تتدهور صحته بسرعة بعد أن يفقد صوته ويتلاشى سمعه ، لكن ياماموتو لا يتخلى أبدا عن الأمل في أنه سيجتمع يوما ما مع عائلته. وتوقا إلى القيام بشيء من أجل صديقهم العزيز ياماتومو، شرع رفاقه في القيام بعمل غير عادي قد يؤدي الى اعدامهم على يد حراس قساة متوحشين ، حين يبدأ رفاقه أضرابا عن العمل والطعام من أجل نقل ياماموتو الى المستشفى وتلقي رعاية طبية أفضل ، وبعد أيام يوافق مسؤول المعتقل على نقله الى المستشفى لتلقي العلاج.  يلعب الممثل الشاب” نينوميا كازوناري” بإتقان دور ياماموتو هاتاو، الرجل الذي استمر في تشجيع زملائه على الرغم من هذه الظروف في معسكر الاعتقال، حيث دعا بقوة إلى التمسك بالأمل والعيش مثل باقي البشر، على الرغم من حقيقة أن المزيد والمزيد من الناس من حوله كانوا يقعون في اليأس أو يفكروا في الانتحار .غالبا ما يتم استدعاء ياماموتو، الذي يجيد الروسية، للعمل كمترجم فوري، تعلم اللغة الروسية بعد ولعه بقراءة الادب الروسي، حتى  تجعله استقامته الأخلاقية وطيبته هدفا متكررا لسوء المعاملة من قبل الأسرى والرفاق على حد سواء .

مع تشجيع المحتجزين الآخرين، ما تسودا، الرقيب السابق أيزاوا، الشاب شينتاني “شين” (كنتو ناكاجيما)، وهو صياد سابق لطيف الطابع يعلمه ياماموتو القراءة والكتابة، وهارا (كين ياسودا) رئيس ياماموتو في الخدمة العسكرية ، الذي يستهلكه الذنب بعد خيانة العديد من رجاله. كل هؤلاء الأفراد تأثروا بنكران الذات في ياماموتو؛ كلهم يتقدمون لدعمه في وقت الحاجة والجميع ينتظرون يوم (العودة إلى المنزل) معه. وبعد تدهور صحة ( ياماموتو) يقترح وهارا (كين ياسودا) أن يكتب وصيته الى والدته وأبناءه وزوجته . وبعد أن ينتهي من كتابة وصيته الطويلة ، يأتي الجزء الأصعب كيف يتم نقل الوصية والمحافظة عليها بعيدة عن عيون الحرس وضباط السجن كي لأيتم مصادرتها، اقترح أحدهم ان توزع الوصية على أربعة من زملاء هاتاو ويتم حفظ كلماتها على ظهر قلوبهم وعند عودتهم الى إلى اليابان يعملوا على نقل الوصية الى أهله.  يترك مع للناجين وصيته الى عائلته والتي يكتسب الفيلم من خلالها لأقصى تأثير عاطفي خلال فصله الأخير بلا تردد . وبعد عودتهم الى الوطن في عام 1956 ، يبدأ زملاءه بالتوافد على بيته ويقرأ كل واحد ورقته ، وصيته للأم ألا تبكي، بل تعيش عشر سنوات أخرى من أجل أحفادها ، ورسالته الى أولاده يودع يهم الامل وحب الحياة وجمالها ، اما ما يخص زوجته فقد كتب لها شوقه لرؤيتها . قصة عن أحد عشر عاماً من الحب الحقيقي والأمل والانتظار . هذه هي الكلمات التي أرسلها ياما موتو هاتاو من معسكر الاعتقال إلى أطفاله الأربعة . فيلم “أجزاء من الوصية الأخيرة” من إخراج ” زيزي تاكاهيسا ” واحد من أهم صانعي الأفلام في اليابان. بدأ زيزي حياته المهنية كمخرج أفلام مستقل، ثم بدأ العمل مع الاستوديوهات الكبيرة. لكنه واصل إخراج أفلام مستقلة ،  ” أجزاء الوصية الأخيرة” فيلم يحتوي على رسالة قوية مناهضة للحرب ويعرض أسلوب زيزي السينمائي “. قصة حقيقية عن أحد عشر عاماً من الحب الحقيقي والأمل والانتظار. حيث يواجه الاسرى اليابانيين هناك الكثير من المحن والصعوبات، ويتسلحون بأمل العودة إلى الوطن يوماً ما ليلتم شملهم بعائلاتهم التي تتحرق شوقاً لعودتهم . القصة من المرونة العاطفية والتفاؤل والقدرة على التحمل ضد الصعاب من المخرج الياباني الغزير تاكاهيسا زيزي هي بكاء بلا خجل مستوحى من الأحداث الحقيقية.  في مقابلة أجريت مؤخرا، قال المخرج زيزي : “لقد ولدت في عام 1960، بعد أربع سنوات من إعادة المجموعات الأخيرة إلى اليابان، لذلك بينما كنت على علم بأن الجنود اليابانيين قد تم نقلهم إلى سيبيريا، لم أكن أعرف الكثير عن ذلك حتى قرأت الكتاب الذي يستند إليه الفيلم”. يتذكر أغنية عن أم تنتظر يائسة عودة ابنها إلى الميناء حيث يتم ترحيل الجنود اليابانيين من سيبيريا” . في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وجد الجنود اليابانيون الذين تم أسرهم أثناء احتلالهم دولة منشوريا أنفسهم محتجزين في معسكرات الاعتقال السوفيتية ، في حين تم إطلاق سراح العديد منهم . اتهم عدد قليل منهم كمجرمي حرب ووجدوا أنفسهم محبوسين في معسكرات العمل السيبيري لأكثر من عقد من الزمان.

أجزاء الوصية ودروس في الاخلاق والقيم الإنسانية

بغض النظر عن مدى صعوبة أيامك، يجب أن تشارك في خلق الثقافة الإنسانية ويجب ألا تنسى الفكر التقدمي لزيادة سعادة البشرية.” يجب ألا تضيع في الأفكار المتحيزة للغاية. اسلك دائما طريق الحرية والإحسان والسعادة والعدالة التي تقوم على الإنسانية العظيمة.  يمكن حتى اعتبار هذا الوصية رسالة تركها ياما موتو للبشرية، لأنها تخلق عالما متسامحا ما بعد الحرب والتعلم من أخطاء الحرب العالمية الثانية التي خلفت أضرارا كبيرة . يتردد صدى هذه الرسالة مع كل من يعيش في العالم الحديث، حيث نرى الحروب في مختلف بقاع الأرض ،  الوصية هي الأساس الذي اعتمد عليها الفيلم لأنها رسالة إنسانية وصرخة الحرب واثارها الكارثية على البشرية . وبعد وصول رفاقه الاسرى الى بلدهم يبدأون بالتوافد الى منزل العائلة لرد الأمانة الى أهلها وتوصيل وصيته لهم بعد توزيعها على اربعة من الرفاق ، وعند وصولهم لبيت ياماتومو الواحد بعد الآخر . يقرا رئيسه السابق هارا الجزء الأول من صوت : ” لا تدعوا موتي يفقدكم الأمل ، أو يثبط عزائمكم ، ولتكن ارواحكم حرة دائماً ، حافظوا على صحتكم ، عيشوا حياة طويلة وصحية ، رجاء ، عيشوا بسعادة وهذا هو الأهم والاعظم بالنسبة لي ، وهي وصيتي الأهم والاعظم . في وصيته ياماموتو الثانية وكانت الى امه : أمي كم كنت طفلا مشاكسا ، امي جعلتك تقلقين كثيرا ، كم أذيتك ؟ ، أنا ابن ناكر الجميل ، رجاءاً وبخيني كما تشائين ، وبخيني بشدة ، أتمنى رؤيتك لمرة واحدة فقط قبل أن اموت ، كي ارحل مرتاح الضمير ، كلمة واحدة ستغنيني وربما اعتذاري لك ، لكن يا امي حتى بعد رحيلي ارجوك لا تذرفي الدموع وعيشي ، اطلب منك الكفاح لعشر سنوات أخرى من اجل احفادك ، رجاء ابق قوية ، اقوى من أي وقت مضى” ، ثم يجش بالبكاء رفيقه وينهارا في حضن والدته لأنه فقد والدته عند اسره . أما الرفيق حامل الوصية الثالثة فقد سلمها الى الأبناء وفيها يوصيهم : “اطفالي كينتشي ، كوسى ، سيشي ، هاروكا ، أكثر ما يؤلمني ان اموت دون ان اراكم وأنتم كبار، رايتكم جميعا في احلامي عدة مرات وكلها وأنتم صغار، يجب عليكم مكافحة أمواج الحياة عندما تاتي اليكم، مايهم في النهاية هو الاخلاق والحقيقة وقلبا نقيا، لا تزعجوا الاخرين ، وساعدوا دائما أولئك الذين يحتاجون المساعدة والذين لديهم مشكلة، لا قيمة للنجاح الاجتماعي بدون الاخلاق وكل مايهم في النهاية هي الاخلاق ، عيشوا بصحة وسعادة ” . الرسالة الأخيرة من الوصية كانت تخص الزوجة والتي عبر فيها عن شوقه : “زوجتي العزيزة ، لقد ابليت بشكل رائع ، قمت بعمل مذهل لقد تحملت الكثير وكافحت جيدا خلال هذه العشر سنوات ، انت تستحقين جائزة تكاد تكونين أمرأه خارقة ، كم اشتقت العودة الى المنزل لاجعلك سعيدة كنت أتمنى من رؤيتك للمرة الأخيرة ، واخبرك كم انا ممتن منك للغاية ، اردت أن اشيد بجهودك ، حان الوقت لأقول لك وداعاً ، الأيام السعيدة قادمة وأدعوا لقدومها “.  ويتجسد لها بصورته الجميلة وبدلته البيضاء ويقول لها جئت أقول لك شكرا ووداعا .

كي لا يحدث ذالك ثانيةً ؟؟

في 17 ديسمبر 2022، بعد أسبوع من إصدار فيلم ” أجزاء الوصية الأخيرة” قام المتحف الياباني بتجسيد تلك القصة الحقيقة وقدم تجربة من خلال الواقع الافتراضي للاعتقال في معسكر الأسر في سيبيريا. طور الطلاب في جامعة تاما (تاما، طوكيو) معسكر عمل حسب الواقع الافتراضي باستخدام القطع الأثرية للمتحف وغيرها من المواد. وباستخدام أجهزة الحاسوب المحمولة المتصلة بالإنترنت، تجول كل مشارك، يمثله صبي أو فتاة في المخيم البارد الثلجي الذي يقارب الشتاء في سيبيريا. تمكن المستخدمون من دخول الثكنات حيث نام الجنود اليابانيون وأكلوا ومسح المخيم ، وكذالك وجهة نظر حارس سوفيتي في برج المراقبة الخاص به. أعطى البرنامج المشاركين تقديرا وفهم للظروف القاسية في معسكرات الأسر والتجربة القاسية التي مر بها أجدادهم الأسرى .  فكرة إنشاء تجربة معسكر عمل من خلال التكنلوجيا الحديثة والواقع الافتراضي تبلورت مع البروفيسور المشارك كوباياشي أكينا من جامعة تاما، المتخصص في تاريخ العلاقات اليابانية – الروسية والذي يبحث في في تلك الفترة من الاعتقال. هدفها هو الحفاظ على ذكرى السجن في المنفى السيبيري ونقلها إلى جيل الشباب . وردا على سؤال عما إذا كان الاهتمام بالحرب آخذا في الارتفاع بين الشباب الياباني، أجاب كوباياشي: “أشعر أنها آخذة في الارتفاع. لكن السبب، كما أرى، ليس الكثير من الوعي بالحرب العالمية الثانية بقدر ما هو تأثير الحرب وأثارها على الإنسانية جمعاء والفرص المتاحة للشباب الآن على أساس يومي لرؤية وسماع الناس الذين يقتلون بعضهم البعض بالأسلحة وتوحيد الجهود كي لا تحدث هذه الحرب مرة أخرى ، أعتقد أن الشباب بدأوا في فهم أهمية دراسة التاريخ “.

هذه الفيلم أوجع قلبي ، كم من أسير عراقي ضاع عمره في الاسر في إيران  وعاد وروحه أصبحت خربة بعد حرب عبثية ؟؟.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...