الرئيسية » كتاب وآراء » هدنة الأيام الأربعة.. العدو يطلب «استراحة»

هدنة الأيام الأربعة.. العدو يطلب «استراحة»

عبد المنعم علي عيسى

 

بعد مرور 46 يوماً من بدء العدوان على غزة نجحت وساطة مصرية – قطرية كانت مدعومة أميركياً، لاعتبارات عدة، في التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقت مدته أربعة أيام، سرى مفعوله في الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة 24 تشرين الثاني الجاري، والمعلن أن الاتفاق يتضمن تبادلاً للأسرى، يجري على مراحل، بين سلطات الاحتلال وحركة حماس، مع السماح بدخول القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة بما فيها الوقود الذي يلعب دوراً حيوياً في نجاعة هذي الأخيرة.

 

بعد ساعات من إعلان حماس إطلاق عملية «طوفان الأقصى» فجر 7 تشرين الأول المنصرم قال رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو: إن «إسرائيل في حالة حرب»، وعندما تكشف له ما جرى في غضون الساعات الأولى من هذا اليوم الأخير، والذي كان أبرزه أسر عدد من جنوده ومستوطنيه يفوق عديدهم المئتين، قال نتنياهو: إن «هؤلاء سيجري تحريرهم بالقوة» وأضاف: إن «الجيش الإسرائيلي قادر على القيام بتلك المهمة حال صدور القرار إليه»، آنذاك أعلنت حركة حماس أن استعادة الاحتلال لأسراه «ممكن فقط من خلال عملية تبادل» يمكن التوصل إليها بوساطة طرف ثالث، وما جرى هو أن هدنة الأيام الأربعة قد أكدت خطأ الرهان الإسرائيلي الذي لم يكن بحاجة إلى كثير من الفعل حيث لم تفقد سابقة حرب تموز على لبنان تموز 2006 طراوتها بعد، كما أكدت أيضاً دقة الحسابات عند صانع القرار في حماس، واللافت هو أن هذا حدث، عند الأخير، في ظل اختلال صارخ في موازين القوى، ناهيك عن وجود معطيات لا تصب في مصلحة ذلك الصانع، لعل أبرزها هو الجبهة المفتوحة بطول يزيد قليلاً على 40 كم وبعمق لا يتعدى في أفضل حالاته الـ12 كم ولذاك اعتبارات عسكرية بالغة التأثير.

 

يدرك صانع القرار الإسرائيلي أن القبول بالهدنة هو فعل شبيه بـ«تجرع السم» بملء إرادة المتجرع، فالفعل من حيث نتائجه العسكرية المباشرة سوف يؤدي لفقدان خيطان التتبع الاستخباراتي في غزة الأمر الذي يبدو بالغ الأهمية بدرجة تعادل قوة النار المستخدمة، ناهيك عن أن الفعل سوف يؤدي إلى فقدان الزخم لعملية عسكرية جرت هندستها عبر حالات من التعبئة والتجييش لتصوير واقع أمام الجنود يقول إنهم ذاهبون لقطع «دابر الشر من جذوره» وتحصيناً لمجتمعهم من «هولوكوست» جديدة ستكون لو حصلت أكثر فداحة من الأولى، والراجح، إذا ما قدر للجهود الرامية لتمديد الهدنة إلى ما بعد يوم الإثنين أن تنجح، أن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في وضعية صعبة هي أقرب للدفاع منها للهجوم، لكن على الرغم من ذلك وجد صانع القرار الإسرائيلي، نفسه في وضعية لطلب «استراحة» كانت عوامل الاندفاع إليها ذات طيف واسع.

 

في الذروة من تلك العوامل الصمود الأسطوري لأهل غزة وفشل جميع المحاولات لفك الرباط بين المقاومة ونسيجها الاجتماعي الذي أبدى تماسكاً مذهلاً على الرغم من ضرب «الروابط» الواصلة بين الاثنين، مثل قصف المستشفيات والمدارس، وصولاً إلى استهداف مراكز الإيواء، ومنها الصلابة التي أبداها مقاتلو الحركة الذين لم تهتز الأرض تحت أقدامهم رغم أطنان المتفجرات التي وازت قوتها التفجيرية ثلاثة أضعاف نظيرتها عند «قنبلة هيروشيما»، وقبيل ساعات من إعلان «الهدنة» كان أبو عبيدة، الناطق باسمهم، يعلن تدمير 335 آلية للعدو ناهيك عن استهداف جماعاته الراجلة في كل مناطق غزة، وما سبق كله كانت له تداعياته على داخلٍ إسرائيلي بدا وكأنه ذاهب نحو تصدعات كبرى في ظل التباين الحاصل بين يمين متطرف يدعو إلى «قتل كل فلسطيني» دونما اعتبار للآثار التي يمكن أن تخلفها تلك الدعوة على مزاج عام دولي كان قد شهد في الآونة الأخيرة موجة تعاطف كبرى مع قضية فلسطين التي استيقظت كما سني استلابها الأولى، وبين تيارات أكثر «واقعية» ترى أن الكيان ووضعيته هما الأشد حساسية مما هما لدى أي نظير له في العالم، وأن بقاءه واستمراره مرتهنان بدرجة كبيرة بإظهار «المظلومية» اليهودية كلبوس «إيدلوجي» لجوهر المصالح الغربية التي تمثل ركيزة ذلك البقاء، والفعل كان إلى جانب الضغوط الأميركية عاملاً حاسماً هو الآخر في الوصول إلى هدنة 24 تشرين الثاني المؤقتة والتي لا تزال شروط تحولها إلى دائمة غير مكتملة بعد انطلاقاً من حسابات إستراتيجية إسرائيلية تقول إن هدف المرحلة يجب أن ينصب على ترميم مفاعيل 7 تشرين الأول واستعادة «قوة الردع» لدى داخل بدا غير واثق بها ولدى خارج بات موقناً بأنها باتت من الماضي بعدما اضطر، ذلك الخارج، للحضور أصالة بكل قواه العسكرية خشية انفراط «عقد الاستثمار».

 

يقول وزير الحرب الإسرائيلي السابق موشي آرينز، في معرض تقييمه لحرب تموز 2006 على لبنان: «عندما يعجز جيش نظامي من تحقيق أهدافه بوجه ميليشيا مسلحة فإنه يكون في وضع الهزيمة» والمؤكد هو أن قول آرينز سابق الذكر ينطبق تماماً على المواجهة التي انطلقت رياحها يوم 7 تشرين الماضي والتي ليس من المقدر لها أن تتوقف عما قريب، لكن عامل الوقت هنا لا يلعب لمصلحة الاحتلال والمزيد منه سيراكم المزيد من الخسائر والمزيد من تهشم صورة «القلعة السوبر» التي سبق أن تهشمت جزئياً في 2006 و2014.

 

كاتب سوري

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...