قرر الأردن نوفمبر الماضي وقف توقيع اتفاقية كانت مقررة مع إسرائيل، تهدف إلى تبادل المياه بالطاقة، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، رغم حاجة عمان لها، في وقت تُصنّف المملكة كثاني أفقر دولة بالمياه في العالم، وفق المؤشر العالميّ للمياه.
وعام 2021، وقع الأردن والإمارات وإسرائيل “إعلان نوايا” للدخول في عملية تفاوضية لبحث جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه.
وجاء القرار الأردني بوقف اتفاقية تبادل المياه بالطاقة ردا على الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ 7 أكتوبر، وخاصة مع تجاهل تل أبيب الواضح لمواقف عمّان وحراكها الدبلوماسي الداعي لوقف الحرب، واعتراضها على فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
كما اعتبر العاهل الأردني عبد الله الثاني، في توجيه مباشر لرئيس الحكومة بشر الخصاونة ووزرائه، أن المضي قدما في مشروع “الناقل الوطني” والذي يهدف إلى تحلية ونقل المياه من العقبة (جنوب) إلى عمان (وسط) “أولوية وطنية”.
وتقدّر الكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 4.2 مليار دولار، حيث سبق أن أعلن الأردن توفير 1.7 مليار دولار منها.
ويرى مراقبون أن التوجيهات الملكية بشأن مشروع “الناقل الوطني” تشكل “رسالة واضحة من الأردن تفيد بأنه لن يقبل بلي ذراعه من إسرائيل، فالبدائل حاضرة، ولا تحتاج إلا للتنفيذ”.
ولكن حتى إتمام ذلك المشروع، يحتاج الأردن لحلول آنية وعاجلة، تعينه على سد احتياجاته من المياه. فهو الآن أمام تحدّ حقيقي، سيكون تجاوزه بمثابة انتصار سياسي واقتصادي على إسرائيل.
وهو ما سيدفع بعمان للبحث عن أفكار “مبتكرة”، وخاصة مع حلول فصل الشتاء والتوقعات بهطول كميات كبيرة من الأمطار، أو اللجوء إلى أصدقائها وحلفائها الإقليميين، لإيجاد البدائل المناسبة عن طريقهم، وفق ما يؤكد المراقبون.
**حلول وليست بدائل
واعتبر جورج حدادين، المتخصص بالشأن الجيوفيزيائي، في حديثه للأناضول، أن “الأزمة المائية بالأردن تحتاج لحلول وليس لبدائل، وهذه الأزمة توقع مسؤولون حدوثها في المملكة منذ سبعينيات القرن الماضي”.
وأضاف: “كان من المفترض أن نعمل على مجابهة هذه الأزمة بحلول واقعية ووطنية، ولكن هذا لم يحدث، وهم ما أدى لتعمق هذه الأزمة، حيث بلغ العجز المائي حوالي 400 مليون متر مكعب، بعد أن كانت المملكة تكفي حاجتها من المياه”.
وأشار حدادين إلى أن “نصيب الفرد في الأردن الآن حوالي 80 مترا مكعبا فقط، بينما تشير المقاييس العالمية إلى أن حصة الفرد الطبيعة سنوياً تصل إلى ألف متر مكعب”.
وأرجع السبب في الوصول لهذه الأزمة إلى ما سماه “النهج وليس الإدارة، بحيث اعتمدنا على المساعدات والحلول الخارجية وأغفلنا حجم المقدّرات الداخلية وتحسين استغلالها”.
من جهة أخرى، أكد حدادين أنه “ليس هناك اتفاقية فعلية مع إسرائيل وإنما مشروع اتفاقية، وبرأيي الخاص ليس هناك أي خسائر ستترتب علينا إذا ما أحسنا استخدام الإمكانيات الذاتية والمقدرات الوطنية، بل إننا بذلك سنضع قدمينا على طريق الحل الحقيقي”.
وأضاف “معدلات الهطول المطري بالمملكة تقدر بـ8.25 مليار متر مكعب سنوياً، وهناك مقاربة خاطئة بأن معدل التبخر منها هو 92.7 بالمئة”.
وأوضح حدادين: “علميا، نحن نحسب مقاربة جريان المياه، والتي تقدر بـ25 بالمئة، وهذا يعني أن لدينا من معدل الهطول 2 مليار متر متاحة للحصاد المائي، وهي القاعدة العلمية الصحيحة للجريان”.
وتابع: “لدينا حركة مياه جوفية تأتينا من الدول المجاورة، وخاصة من سوريا والسعودية، وتغذي الأحواض المائية، إضافة إلى ما يعرف بـ”المدد” وهي تجمعات المياه داخل الأودية الممتدة القريبة من الدول المجاورة.
**”مياهنا عربية ولا نحتاج لإسرائيل”
وقال المحلل السياسي أحمد البرصان للأناضول: “الأردن لديه مياه وكل الخبراء يقولون ذلك، ولا نحتاج لإسرائيل لأن المياه عربية أساسا. ولو زودنا الإسرائيليون فسيعطوننا مياه ملوثة كما حدث في الماضي”.
وتابع البرصان، وهو متخصص بالشأنين الفلسطيني والإسرائيلي “يجب أن لا نبقى تحت الاستغلال السياسي الإسرائيلي، وعلينا إيجاد البدائل في جميع مناحي العلاقة مع إسرائيل سواء مياه أو كهرباء أو غاز، فلا مصداقية لتل أبيب ولا للغرب، ونلاحظ ذلك من خلال مواقفهما تجاه ما يجري في غزة”.
وعلى المستوى الإقليمي، أوضح بأن: “الأردن يستطيع التعاون مع السعودية في مسألة التنقيب عن المياه ومصادرها، وخاصة على أطراف الحدود”.
وبيّن بقوله: “الأردن عبر عن رفضه لما يجري في فلسطين وقطاع غزة، لذلك سنجد محاولة للصراع (من قبل إسرائيل) مع المملكة عاجلا أم آجلا، خاصة مع سعي إسرائيل لإنهاء القضية الفلسطينية على حسابنا، وهو ما يشكل تهديدا وجوديا لنا”.
واعتبر البرصان أن بلاده من أكثر الدول وقوفا ضد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، واصفا موقف الأردن بأنه “مشرف وفي طليعة الدول التي تدعم حقوق العشب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة”.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قررت عمّان سحب سفيرها من تل أبيب، كما رفضت عودة سفير إسرائيل إلى الأردن، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة، والتي خلفت آلاف القتلى والجرحى.
*علاقة في الحضيض
واعتبر جمال الشلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية)، في حديثه للأناضول، أن “الحرب الإسرائيلية على غزة أطاحت بالكثير من جوانب العلاقة بين الأردن وإسرائيل”.
ودلل على ذلك بقراري الأردن بسحب سفيره من تل أبيب، ورفض استقبال سفير إسرائيل في عمان، ووقف توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه.
وأشار إلى أن ذلك “يبين بأن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى الحضيض، على الرغم من أن اتفاقية السلام الموقعة بينهما عام 1994 قاومت الكثير من الأزمات الصعبة خلال الفترة الماضية”.
وتابع الشلبي: “يمكن القول إن الأردن يستشعر القادم في مرحلة ما بعد غزة، إذ أنه في حالة نجاح السيناريو الصهيوني الأول في تهجير أهل غزة، فسيبدأ بالسيناريو الثاني المتعلق بتهجيرهم الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن المملكة القومي ووجودها كدولة، لأن الأمر يتعلق هنا بتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالج الأردن الحيوية والوجودية”.
ولفت إلى أنه “يتحتم على الأردن إعادة صياغة علاقته في مجال الطاقة والمياه والغاز، باعتماد سياسات واستراتيجيات جديدة لمواجهة هذا التهديد المباشر من إسرائيل تجاهه”.
ورأى أن بلاده “تستطيع أن تعيد فكرة تشغيل مشروع الناقل الوطني الذي أكد عليه العاهل الأردني، فضلاً عن إمكانية التفاوض مع الجانب السوري من أجل مساعدة الأردن على مواجهة الحاجة إلى المياه في حالة الضرورة من سد الوحدة القريب من الحدود بين البلدين”.
وأضاف الشلبي: “لا شك أن إعادة النظر في إدارة الملفات المشتركة بين إسرائيل والأردن يحتاج إلى إرادة سياسية (وهي موجودة حالياً)، ويحتاج أيضاً إلى موارد مالية وبشرية، وهذا يمكن أن يتحقق عبر العديد من السياسات الراشدة والعاقلة بعيدة المدى”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم