باريس | يبدو أن في العالم من يصرّ على رفض الوقائع، والتعامل مع الوضع في المنطقة وفق تمنيات أو تقديرات من طرف واحد. وهذا يشمل ما يجري البحث فيه بين فرنسا من جهة وبين الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا من جهة ثانية. حيث يطلب هؤلاء من باريس أن تلعب دوراً في «كبح» حزب الله ودفعه إلى وقف العمليات والانسحاب إلى ما بعد نهر الليطاني.وقالت مصادر مطّلعة، إن الاتصالات الجارية بين باريس والدول الأخرى، تجاوزت الجانب السياسي، وإن اجتماعات استخباراتية عُقدت بين مسؤولين أمنيين فرنسيين في تل أبيب، أعقبتها لقاءات مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية في إحدى دول المنطقة، وقد تركّز البحث على سبل مساعدة إسرائيل في مواجهة حزب الله، بما في ذلك الحديث عن المساعدة المطلوبة في حال قرّرت إسرائيل شنّ حرب على لبنان.
وكشفت المصادر المطّلعة على النشاط الفرنسي، أن اجتماعات عدة عُقدت بين وزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات بين باريس وتل أبيب، للبحث في الملف اللبناني، وأن الفرنسيين «اطّلعوا من الجانب الإسرائيلي على خطط كانوا قد أعدّوها لضرب حزب الله قبل عملية طوفان الأقصى»، وأن المسؤولين الإسرائيليين، شرحوا لنظرائهم الفرنسيين بأن إسرائيل «لم تعد قادرة على تحمل الوضع مع حزب الله، ولا تنامي قدراته القتالية والعسكرية، وأنه يقوم بأنشطة خطيرة، من بينها تدريب مقاتلين فلسطينيين في لبنان، وقد كان له دور في عمليات إطلاق صواريخ خلال الحرب في عام 2021 (سيف القدس)، وأن ما قامت به «حماس» في 7 أكتوبر يعزّز المخاوف من بقاء حزب الله على وضعه في جنوب لبنان، وأن ما يجري الآن على الحدود يُعد ضرباً للسيادة الإسرائيلية، وهو ليس مجرد عمليات عسكرية، بل هو نمط يضر بالبنية الاجتماعية وبالاقتصاد، وأنه لا يمكن تحمّل فكرة طرد عشرات الآلاف من منازلهم».
وبحسب المصادر، فإن النقاش تطرّق إلى الأفكار التي يمكن العمل عليها لمعالجة «الأزمة»، وقد تحدّث الجانبان عن «إقامة منطقة عازلة وخالية من المسلحين وتمتد حتى نهر الليطاني». وقد اقترح الإسرائيليون «قيام تحالف أميركي – فرنسي – إسرائيلي لمعالجة الملف، لأن إسرائيل لا تثق بقدرة القوات الدولية على القيام بالمهمة، وهي لا تريد العمل مع الأمم المتحدة». وأضافت: «كذلك تطرّق الجانبان إلى وضع الجيش اللبناني، وأن إسرائيل تطالب فرنسا وأميركا وبقية الدول العالمية بدعم الجيش اللبناني وتعزيز قدراته لكي يكون قادراً على ضبط الحدود معها». كاشفة عن «اقتراح إسرائيلي، بأن يصار إلى وضع برنامج لتعزيز قدرات الجيش ونشره في الجنوب بإشراف التحالف الثلاثي بين إسرائيل وأميركا وفرنسا».
كولونا كرّرت معزوفة التحذير من التصعيد وضرورة تطبيق القرار 1701
وتحدّثت المصادر عن أن الفرنسيين أشاروا على الجانب الإسرائيلي بأن الأفكار «لا تبدو واقعية»، وأنه «يجب العمل على توفير عناصر صفقة كبرى، من خلال مشروع يؤمّن انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا أو معالجة وضع النقاط الـ13 المتنازع عليها».
وبحسب المصادر فإن باريس تعتقد بأن حزب الله في وضع «يمكن الرهان فيه على عقد صفقة معه، وأنه في حال سمع العرض بمعالجة نقاط الخلاف الحدودية مع التهديدات، فمن الممكن إقناعه بسحب قواته إلى خلف الليطاني». وتضيف المصادر «أن أصحاب هذا التوجه في فرنسا هم الذين يعتقدون بأن الحزب يبدو أضعف مما كان يعتقد كثيرون، وقد ظهرت قدراتهم في حالة ضعف أكثر مما يتحدثون هم، وأنه في حالة الحرب، يمكنهم القيام بأمور تؤذي إسرائيل، لكن ما ستقوم به إسرائيل سيكون مهولاً وكبيراً، وأن إسرائيل قادرة على شن حرب في أكثر من جبهة، وأنها تقدر الآن على تخفيف الغارات على غزة، وأن تنقل طيران للعمل في لبنان. وحزب الله لديه حسابات تتعلق بناسه ووضعه ومكاسبه السياسية ولن يغامر بالحرب».
وتقول المصادر إن الفرنسيين الذين «يأملون لعب دور في هذا المجال، يعتقدون بأن إسرائيل تريد الحرب مع حزب الله، وأنها تطلب الحل السياسي وأنها تفترض خطوات قد يصعب تنفيذها ما لم يقبل بها حزب الله، وربما يكون هذا سبباً لكي تقدم إسرائيل على شن الحرب، وأن على حزب الله أخذ هذا الأمر في الحسبان».
كولونا: تكرار المكرّر
وسط هذه الأجواء، حطّت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في بيروت قادمة من فلسطين المحتلة. والتقت مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون إضافة إلى قيادة القوات الدولية في الجنوب. وقد ركّزت الجبهة الجنوبية، حيث أفيد بأنها «لم تحمِل جديداً معها، بل كرّرت النصائح التي حملتها سابقاً إلى بيروت، ومثلها مثل كل الموفدين الفرنسيين الذين زاروا لبنان منذ اندلاع الحرب على غزة». وقد تركّز بحثها حول «ضرورة وقف التصعيد في الجنوب وخفض التوتر وعدم توريط لبنان في حرب كبيرة». كما تناولت القرار 1701 «والأفكار التي يُمكن مناقشتها في هذا الإطار».
ونقل زوار الرئيس بري عنه قوله إن «العدو الإسرائيلي يتحمل مسؤولية خرق القرار».
وتزامنت زيارة كولونا، مع تسريبات نشرتها وسائل إعلامية إسرائيلية عن «الدور الذي تقوم به باريس بين بيروت وتل أبيب للتوصل إلى حلّ دبلوماسي لخفض التصعيد على الجبهة الشمالية، وأن الرئيس ماكرون، بعث في الأيام الماضية رسالة إلى لبنان تؤكد أن قواعد اللعبة التي كانت قبل 7 تشرين الأول، ليست ذات القواعد المعمول بها اليوم. نحن نوجد في واقع مختلف ويجب أن تفهموا أن الواقع تغيّر».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية