علي عبود
مثل غيرنا لانعارض استثمار القطاع الخاص لمنشآت الدولة، فهذا الإستثمار، كما أكد رئيس الحكومة أمام منبر العمال “ليس عيبا”، لكننا نسأل: ماالأسلوب الأجدى والأفعل لاستثمار منشآت الدولة العامة، وتحديدا شركات القطاع العام الصناعي المتوقفة أو المدمرة كليا أو جزئيا؟
بالنسبة للحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 على الأقل، ترى في “التشاركية” الأسلوب الوحيد الفعال إقتصاديا لاستثمار منشآت الدولة، فهل هذا صحيح؟
لو عدنا إلى تسعينات القرن الماضي لاكتشفنا أن القطاع الخاص لم يتوقف عن الإستثمار في بعض شركات القطاع العام ولو حزئيا، كالإسمنت، ولم تكن التجربة ناجحة، بل إن وزير الاقتصاد السابق المرحوم الدكتور محمد العمادي أصدر في نهاية ثمانينات القرن الماضي مجموعة من القرارات تتيح “تشغيل القطاع العام لحساب القطاع الخاص”، وكانت تحربة فاشلة بامتياز.
ويبدو واضحا أن الهدف من “التشاركية” التي لم تتوقف الحكومات المتعاقبة عن الترويج لها، ليس هدفها ترسيخ مقولة “استثمار القطاع الخاص في منشآت الدولة ليس عيبا“ فقط، وإنما أيضا وهو الأهم تحفيز القطاع الخاص لضخ الأموال والتكنولوجيا المتطورة في شركات القطاع العام القديمة والمهترئة.
وبما ان “التشاركية” لم تحقق أهداف الحكومات المتعاقبة، إذ لايزال القطاع الخاص يطالب بتعديل قانونها ليتضمن المزيد من الحوافز والتسهيلات والإعفاءات ..الخ، فلماذا لاتتبني الحكومة سواء الحالية أوالقادمة نهج الشركات المساهمة بمختلف تسمياتها؟
منذ عقدين من الزمن، ندعو مع غيرنا إلى تحويل عدد من شركات القطاع العام المملوكة 100 % من الدولة إلى شركات مساهمة تباع 49 % من أسهما للقطاع الخاص ولعموم السوريين، ومع ذلك لم تناقش أي حكومة هذا المقترح في الوقت الذي شجعت فيه جميع الحكومات المتعاقبة تحويل الشركات العائلية إلى مساهمة، ولم تنجح بمسعاها حتى الآن!
أكثر من ذلك، جميع لجان الإصلاح الاقتصادي أقترحت تحويل القطاع العام الصناعي إلى شركات مساهمة وقابضة، ولم تأخذ أيّ حكومة بهذا المقترح، وشجعت جميعها “التشاركية” فقط!
حسنا، لنسأل: ماذا يعني تحويل أكثر من 46 شركة عامة متوقفة تطرح 49 % من أسهمها للإكتتاب بالدولار؟
تعني تأمين التمويل اللازم من كبار رجال المال السوريين المغتربين والمحليين بما يتيح لهم إدارة الشركة بمنأى عن التدخلات الحكومية بتفاصيلها اليومية وخاصة تدخلات المتنفذين..الخ.
وتعني إتاحة الفرصة لعشرات آلاف السوريين شراء أسهم في الشركات المساهمة الجديدة تزيد من دخلهم وتحسين أوضاعهم المادية بدلا من تخزينها في منازلهم.
وتعني أيضا قيام الشركات المساهمة الجديدة التي يجب أن تتمتع بأقصى مايمكن من تسهيلات ومحفزات، بإنتاج السلع بجودة عالية وأسعار منافسة تتيح تصديرها للأسواق الخارجية وتحديدا إلى بلدان المستثمرين فيها، إلى جانب تأمين السلع البديلة عن المستوردة في الأسواق المحلية.
والنتيجة: تطوير وتحديث شركات القطاع العام الصناعي دون أن تتكبد خزينة الدولة قرشا واحدا، والسؤال مجددا: لماذا تجاهلت الحكومات المتعاقبة منذ تسعينات القرن الماضي تحويل بعض الشركات العامة إلى مساهمة تحررها من أكثر من30 جهة وصائية ورقابية لتتمكن من العمل بعقلية القطاع الخاص؟
نعرف ان التنظيم العمالي ليس متحمسا لنهج “التشاركية”، فهي كما أكدنا مرارا بأنها واحدة من أنواع الخصخصة الحديثة، ولكنه ليس ضد “المساهمة”، وخاصة إذا كانت نسبة من أسهمها ستؤول إلى العمال، ومع ذلك لم يطالب بتبني نهج تحويل الشركات الحكومية إلى مساهمة، ولم يُقدم أي دراسة أو مقترحا بها في أيّ من مؤتمراته العامة، والسؤال: لماذا؟
إن مايُميز الشركات المساهمة عن “التشاركية” ليس استقطابها للرساميل الكبيرة وتوسيع دائرة أعضائها ومرونة نشاطها وتنوعه..الخ فقط، وإنما أيصا شفافية أعمالها، فهي تناقش خططها وإنجازاتها في مؤتمرات عامة توزع فيها الأرباح أما نقدا أو أسهما، وتتوج بميزانية ختامية سنوية تنشر على العموم..الخ.
ونقول لكل مسؤول يتبرم من “جلد الذات” ولكل مسؤول يعترف انه “لايوجد دخل كاف يتناسب مع الظروف المعيشية”، ولكل مسؤول يسأل: ماهو الطريق؟، وللتنظيم العمالي الذي يكرر في منابره المطالب نفسها دون أيّ جدوى..الخ، نقول لكم: أخفقتم بنهج التشاركية، كما اخفقتم سابقا بنهج اقتصاد السوق الليبرالي المتوحش، في حين لاتزالون ترفضون حتى مناقشة الحل الجذري والعصري وهو تحويل عدد من منشأت الدولة إلى شركات مساهمة أو قابضة.. فلماذا؟
الخلاصة: نتفق مع رئيس الحكومة بأن طرح المنشآت الحكومية لاستثمارها من قبل القطاع الخاص ليس تهمة، لكننا نؤكد مجددا أن التشاركية هي نوع متقدم من الخصخصة لايستفيد منها سوى بضعة أشخاص وكلاء لشركات أجنبية أو عربية، في حين خيار الشركات المساهمة يتيح لكبار رجال المال والأعمال الإستثمار في منشآت الدولة، بالإضافة إلى عشرات آلاف السوريين الذين سيستثمرون مدخراتهم فيها بشراء عدد من أسهمها.
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)