هي المقالة الأخيرة لي في هذه السنة التي تلفظ أنفاسها، تحفزنا لجولة أفق في مروحة الأزمات والخيبات المفتوحة التي رافقتنا خلالها، فهذه السنة لم تكن شيئاً عابراً، فخلالها شهدت سورية الكثير، وقدمت الكثير أيضاً، فهناك مشاهد قاسية مؤلمة، حيث قدمت القافلة تلو الأخرى من الشهداء الذين قدموا أروع الأمثلة في الوطنية لتطهير سورية من المجموعات الإرهابية، في حين يتطلع السوريين لاستقبال العام الجديد بشغف لتحقيق جملة من الأمنيات المتواضعة، التي تلاشت من واقعهم طيلة سنوات الحرب، وحتى اليوم، وكلهم أمل في أن يكون عام أمن واستقرار.
بدأت سنة 2024 تلملم أوراقها، وتطوي آخر صفحاتها استعدادا للرحيل، ذلك العام الذي شهدت فيه سورية الكثير من الأحداث والمآسي بمختلف أنواعها بعد أن استوطن البؤس في العيون والوجوه حتى بات ملمحاً عاماً مشتركاً، ولم تعد تفصلنا سوى ساعات عن استقبال سنة جديدة لعلها تنسينا ألامنا وأزماتنا، وتحمل بشائر تعيد لنا الأمل الذي كدنا نفقده بعد سنوات أرهقتنا وأتعبتنا.
سنة طغت عليها الكثير من الكوارث والهزات والخيبات ، من كوارث إرهابية، وأزمات الغاز، ووقود التدفئة، والأسوأ من ذلك كله كانت أزمة وقود السيارات التي شلّت الحركة بشكل كامل في معظم البلاد والاختناق الاقتصادي الذي يعيشه، وتضافر ذلك مع العوامل المتعلّقة بالإيداعات المصرفية والحوالات المالية والبضائع التي بات الوصول إليها صعباً بل شبه مستحيل. ليؤدي ذلك كله إلى انهيار سريع في قيمة العملة السورية، وهجرة الادمغة وغيرها من المؤشرات السلبية التي عمقت إحباط السوريين، و زادت في كابوسهم و”غمتهم”.
لو سألت أي سوري مهما كان مستواه المعيشي ومركزه الوظيفي، عمّا بقي في ذاكرته من سنة 2020 ، لأجابك بوضوح ودون أي تفكير، أنه لا يرغب في العودة بذاكرته إلى ذلك العام، خلاله شهد المزيد من تدهور مقدرته الشرائية، إذ اكتوى بنار ارتفاع الأسعار التي أفقرته، وأفرغت جيبه ، ولن ينسى انقطاعات الماء والكهرباء، في واقع اجتماعي تفشى فيه العنف والفساد، وارتفعت معدلات الجريمة، بشكل غير مسبوق، في مشاهد لن تمحيها الأيام، كل ذلك زاد من مخاوف السوريين الذين كثيرا ما وجدوا أنفسهم أمام المجهول، في ظل حالة الغموض والضبابية ، التي مازالت تلف المشهد السياسي، والمخاطر التي تتهدد وطننا الكبير ” سورية “.
إن حصاد سنة 2023 كان سلبياً بكل معنى الكلمة، ومخيبا للآمال، بكل المقاييس مما يدعو الحكومة إلى مراجعة حساباتها ، واستخلاص الدروس والعبر، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية ، لعل سنة 2024 تكون سنة الإنقاذ، والقفز على الآلام والجراحات والمآسي، سنة تحمل المسؤوليات، وتكاثف جهود جميع الأطراف، بعيدا عن الحسابات والأجندات على أمل تحقيق التطلعات الإيجابية وكسب الرهانات رغم صعوبة التحديات والمخاطر.
اليوم ينظر السوريون إلى يوم تحرير ما بقي من المناطق تحت سيطرة داعش وأخواتها حتى آخر شبر منها ورفع العلم العربي السوري فوق ثراها بعد تطهيرها من الجماعات المتطرفة، كما يجدد السوريون إصرارهم على استكمال معارك التحرير، وتخليص سورية من إرهاب القاعدة وتنظيماتها المختلفة، والتي تتماهى اليوم مع الاعتداءات التركية الغادرة على سورية بغطاء غربي، وتأييد من بعض العرب المتورطين في المشروع الصهيوني.
نتمنى أن يكون العام الجديد 2024، عام الأمن والاستقرار في ربوع الوطن سورية وينتهي في حلقاته العنف والخراب.. نأمل أن تكون السعادة عنوانه وأن يُطمس فيه كل أدوات الجريمة وان تتفق كل القلوب وتتشابك كل الأيادي وتفكر العقول وتنظر العيون لما فيه الصالح وتحل كافة المشاكل، فسورية محتاجة للجميع للملمة جراحها. مع إمكانية توفير حلول ومعالجات ضرورية في وسائل وسُبل العيش الأساسية، وكذلك العمل على استعادة جميع مظاهر الاستقرار، وإزالة مختلف معوِّقات الحياة.
مهمتنا الآن غلق الصفحات السوداوية التي ملأتها سيئات الماضي الكئيب وفتح صفحات جديدة ناصعة البياض نرسم فيها مستقبلنا المشرق ونخطط في ثناياها ملامح قادمنا الجميل في سورية، ليكن شعارنا لهذا العام 2024 “الإنطلاقة” نحو البناء وإعمار سورية وبناؤها بالتوعية المجتمعية وإعمارها بالاهتمام بأساس التنمية وعمودها “الانسان” والنهوض بهذا المجتمع للوصول به الى ناصية الدول المتقدمة، وهذا لن يأتي إلا من خلال الترابط والتعاون، وإشاعة روح التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات فضلاً عن نشر القيم الإيجابية بين الناس كالتعايش والمشاركة والألفة والتعدد.
وبإختصار شديد، سنستمر وسننهض رغم كل ما تتعرض له سورية من أزمات وحروب….وبالعودة إلى نقطة البداية نقول أهلاً بالعام الجديد فهيّا نشمر السواعد لننطلق إلى القمة بعزم دون أن نترك للكسل أو الإحباط مكان.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم