2020-12-30
صحيح أننا جزء من هذا العالم الذي ذابت فيه الحدود الجغرافية للدول أمام سطوة عالم افتراضي معولم، يزحف بسرعة ليحل محل الواقع محمولاً على تقنيات الاتصالات الحديثة التي كسرت الحدود الجغرافية والقومية واخترقت الحصون الثقافية للمجتمعات، لكن هل يصح أن نذوب في هذا العالم وتتلاشى معه قيمنا وأخلاقنا وعراقتنا لتحل محلها أفكار غريبة شاذة؟
الليبرالية الحديثة كما يروج لها منظروها في الكتب هي قطعاً ليست السياسات الليبرالية الحديثة التي تنتهجها الدول الغربية في تعاطيها مع الدول وشعوبها في منطقتنا العربية على الأقل، فالحريات الإنسانية التي يتحدثون عنها تسقط وتتهاوى أمام السياسات الغربية التي طحنت على مدى عقود من الزمن الحريات الإنسانية لملايين البشر في العديد من الدول، ومنها العراق وأفغانستان وسورية وفلسطين وليبيا عبر القتل والدمار ونشر الفوضى.
إعلاء حرية الفرد (الإنسان) التي تدعيها الليبرالية الحديثة هشمتها سياسات الدول الغربية التي تمعن في دك المدن والبلدات والقرى بالصواريخ، وتفرض الحصار لتجويع وتركيع الشعوب الحرة المدافعة عن كرامتها وسيادتها، وما تتعرض له سورية اليوم يقع في صلب الحروب التي تشنها دول الليبرالية الحديثة بهدف تغيير بوصلة المجتمع السوري وحرفه عن مساره الوطني لمصلحة مشروع الاحتلال التوسعي للكيان الإسرائيلي.
فالليبرالية الحديثة تبقى مجرد أفكار ما لم تحملها قوة سياسية، وهي في هذه الحال الدول الغربية التي تنتقي منها ما يمكن استغلاله سياسياً ضد الدول الأخرى، فالعولمة الاقتصادية والثقافية والفكرية المتوحشة هي صناعة غربية تهدف إلى السيطرة على المجتمعات والدول الأخرى وفرض أنماطها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية عليها، لتضمحل معها خصوصيات تلك المجتمعات وعاداتها وتقاليدها وعقائدها التي تشكل حتى اليوم العامل الأبرز في تماسكها في وجه حروب التفكيك.
وعولمة الفوضى المحمولة على دبابات التدخلات العسكرية وعلى الحصار الاقتصادي والغزو الفكري الموجه إلى شعوب وبلدان العالم الثالث، هي جزء من السياسات الغربية لإدارة العالم والتحكم بموارده واستغلاله لمصلحة الدول الغربية عبر الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للحدود وإلا.. فلماذا لا تتم عولمة الرفاه والرعاية الصحية وعولمة التنمية عبر رصد مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها على شن الحروب وتخريب المجتمعات؟
إن ما تعرضت له سورية على مدى عشر سنوات من حرب إرهابية وحصار اقتصادي لا ينبع قطعاً من كونه مساعي غربية حميدة لمنح المواطن السوري حريات وكرامة وحقوق إنسان، بل هو يهدف إلى جعل المواطن السوري منكفئاً منقطعاً عن انتمائه غير مكترث بالهم الوطني والقومي لكي يتسنى لأعداء سورية أن يحققوا أهدافهم بتفكيكها ودفعها للتخلي عن مواقفها القومية والوطنية.
ربما يصح القول اليوم بأن محاولة تحصين المجتمعات فكرياً واقتصادياً وسياسياً ضد فيروس الليبرالية الحديثة الذي يهدف إلى تخريب النسيج الاجتماعي واستلاب العقل، ويدفع إلى تفكك المجتمع هي الخطوة الأولى في مواجهة هذا الغزو الليبرالي الحديث الذي تطور الدول الاستعمارية أدواته عبر حوامل عسكرية واقتصادية وفكرية ثقافية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي والعولمة الإلكترونية وعولمة الدراما والسينما وألعاب وبرامج الأطفال.
(سيرياهوم نيوز-سانا)