علي عواد
تدعو المنصة الرقمية التي أطلقتها المحكمة الجنائية الدولية، كل مَن يمتلك أدلّة على تورّط إسرائيل في الإبادة الجماعية بحقّ غزة، إلى تقديمها للمحكمة. مشهد جديد يرتسم أمام ناظرينا، إذ تُسخَّر القوة الجماعية والشعبية في السعي إلى تحقيق العدالة لكلّ تلك الدماء الفلسطينية التي سالت منذ أكثر من سبعين عاماً
انطلقت أمس جلسات استماع عام في «محكمة العدل الدولية» (ICJ) والتي ستستكمل اليوم أيضاً في «قصر السلام» في لاهاي هولندا. تعدّ جلسات الاستماع هذه جزءاً من الإجراءات التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد «إسرائيل» في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2023. قدمت جنوب أفريقيا طلباً مفاده أنّ «إسرائيل» تنتهك «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» لعام 1948 في ما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة. وتضيف جنوب أفريقيا أنّ «إسرائيل» ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وفشلت في منعها عبر عدم محاسبة كبار المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم على تحريضهم المباشر والعلني على الإبادة الجماعية.ليست هذه القضية إجراءً جنائياً ضد أفراد ولكنها تسعى إلى تحديد قانوني لمسؤولية الكيان عن الإبادة الجماعية. كما طلبت جنوب أفريقيا من «محكمة العدل الدولية» إصدار إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون ظروفاً معيشية كارثية نتيجة جرائم الحرب التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية.
كسرت المنصّة الرقمية للمحكمة الدوليّة الحواجز التقليديّة
وتتضمن جلسات الاستماع أمس واليوم أول رد رسمي من جانب «إسرائيل» أمام محكمة مستقلّة ومحايدة على اتهامها بارتكاب فظائع ضد الشعب الفلسطيني منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وكانت سلطات الاحتلال قد أكدت في 2 كانون الثاني (يناير) الحالي، أن «إسرائيل» ستكون ممثلة في محكمة العدل الدولية لمعارضة طلب حكومة جنوب أفريقيا.
أما اللافت والجديد في قضية المحكمة الدولية، فاتّخاذها خطوة جريئة عبر إنشاء منصة على الإنترنت مخصّصة لتقديم الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الإسرائيلية. تمثّل هذه الخطوة تحولاً كبيراً نحو الإفادة من قوة العالم الرقمي في السعي إلى تحقيق العدالة.
أطلق المنصّة مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، وتتيح للأفراد في جميع أنحاء العالم تقديم الأدلة التي يملكونها عبر الإنترنت. توفر هذه المنصة فرصةً للناس لتوثيق جرائم «إسرائيل» عبر أدلة في شكل مقاطع فيديو وصور. والقصد واضح: تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وحثّ المحكمة الجنائية الدولية على اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الارتكابات الفظيعة.
وتدعو المنصة الرقمية (www.justiceforall.org/icc-submissions) الأفراد الذين يملكون معلومات ذات صلة بالأحداث الجارية في «إسرائيل» وفلسطين للمساهمة بتقاريرهم وتقديم الأدلّة التي يمتلكونها. يشمل نطاق المعلومات المطلوبة مجموعة واسعة من الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية أو العدوان. وتسعى هذه المبادرة إلى تمكين أولئك الذين ربما شهدوا هذه الجرائم أو تأثروا فيها، من أجل نقل تجاربهم وأدلتهم عبر عملية مبسّطة ويمكن الوصول إليها عبر الإنترنت.
ومن الأهمية بمكان أن المنصة الرقمية للمحكمة الجنائية الدولية تكسر الحواجز التقليدية، وتسمح لأي شخص ــ بغض النظر عما إذا كان ضحية مباشرة أو شاهداً ــ بتقديم المعلومات. كما هي متاحة أمام المنظمات مثل المنظمات غير الحكومية أو دور العبادة أو الهيئات المجتمعية لتتمكن من السعي في تحقيق العدالة. وينصبّ التركيز على ضمان أنّ كل الأدلة التي سيرفعها الناس إلى الموقع الإلكتروني تحمل معلومات عمَّن أرسلها، ما يعزّز مصداقية الأدلة المقدمة.
عملياً نحن أمام مشهد رقمي للعدالة. يتماهى هذا التطور مع كل التقنية والتكنولوجيا التي صارت حولنا وفي حياتنا اليومية. فهويّتنا الرقمية التي نجول بها هذا الفضاء السيبراني، صارت لها قيمة فعلية ليس فقط في نشر محتوى مناصر لشعب فلسطين، بل لإدانة أفعال «إسرائيل» الوحشية بحق المدنيين في غزة وكل فلسطين. هو تسخير القوة الجماعية للأدلة الرقمية في السعي إلى تحقيق العدالة من أجل كل تلك الدماء الفلسطينية التي تسيل منذ أكثر من سبعين عاماً.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية