رشيد الحداد
صنعاء | فشل العدوان الأميركي – البريطاني على عدد من المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء، في تحقيق أي أهداف عسكرية، ليتحوّل إلى مجرد اعتداء سافر على السيادة اليمنية، سيكون له ما بعده من تداعيات عسكرية ستطاول القواعد الأميركية في المنطقة، وسيدفع صنعاء إلى الانتقال إلى المرحلة الثالثة من التصعيد في البحر الأحمر، وهي مرحلة حدّدت القوات المسلحة اليمنية أهدافها بإغلاق هذا البحر أمام السفن التجارية التابعة للدول المعتدية على أراضي البلاد وسيادتها الوطنية. والعدوان الذي علمت صنعاء به يوم الجمعة قبل الماضي، كان متوقّعاً أن يحدث قبل نحو أسبوع، بحسب ما ذكرت مصادر مطّلعة لـ»الأخبار»، لكن واشنطن ولندن انتظرتا قرار مجلس الأمن الذي قالت وسائل إعلام أميركية نقلاً عن دبلوماسيين إن الولايات المتحدة قامت بتعديل صياغته لتجاوز اعتراضات صينية، ثم فوجئت مع بريطانيا، بالهجوم الكبير الذي شنّته القوات اليمنية ليل الثلاثاء الماضي، واعتبرته الدولتان إهانة غير مسبوقة لهما، فلجأتا إلى رد اعتبارهما بعملية عسكرية سُخّرت لها كل وسائل إعلامهما، لإطلاق دعاية غير حقيقية عن أن اليمن يستهدف الملاحة والتجارة الدوليتين في البحر الأحمر، وليس مجرّد السفن المتّجهة إلى فلسطين المحتلة. وقبل تنفيذ العملية بساعات، وجّهت واشنطن ولندن خطابهما إلى الرأي العام الأميركي والبريطاني، قبل أن تخاطبا اليمنيين الذين لم تحثاهم على أخذ الحيطة والحذر، متجاهلتَين أن هذا الشعب فشلت 270 ألف غارة في ثنيه عن مواجهة العدوان السعودي – الإماراتي الذي كان بالوكالة عن أميركا وبريطانيا. وخلافاً لما توقّعته الأخيرتان بعد العملية التي قالت القيادة المركزية الأميركية إنها نُفّذت بواسطة أسلحة متطورة عبر نحو 100 غارة جوية وصاروخية على عدد من المحافظات اليمنية، استُخدمت في بعضها صواريخ من نوع «توماهوك» أطلقتها غواصات، فإن العدوان انتهى من دون تحقيق أي أهداف، وهو أول عملية عسكرية معلنة لدول كبرى ضد اليمن، تنتهي بالفشل وتفتح الباب واسعاً أمام القوات المسلحة اليمنية للرد القاسي والمؤلم في الأيام والأسابيع المقبلة، علماً أن قوات صنعاء البحرية نفّذت ردّاً أولياً بعد سبع دقائق فقط من الضربات، بشن هجوم بصليات من الصواريخ على بوارج أميركية في البحر الأحمر. وكانت مصادر مطّلعة على تطوّرات الأحداث قد ذكرت أن انطلاق بعض الطائرات التي نفّذت الاعتداء كان من قاعدة «العديد» الأميركية في قطر، فيما أخرى انطلقت من قاعدة بريطانية في قبرص، ومرّت فوق السعودية التي لم تعتبر ذلك انتهاكاً لسيادتها، رغم أنها تعترض الصواريخ والمُسيّرات اليمنية التي تستهدف إسرائيل بحجة أنها تمثّل انتهاكاً لأجوائها.
العدوان مثّل محاولة لرد الاعتبار بعد هجوم قوات صنعاء ليل الثلاثاء، والذي اعتبرته أميركا وبريطانيا إهانة غير مسبوقة لهما
ودان «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء العملية، ووصفها بالفجّة والسافرة، موجهاً القوات المسلحة التابعة له باعتبار كل المصالح الأميركية والبريطانية أهدافاً مشروعة، رداً على هذا العدوان الذي قال، في بيان، إنه يضع الملاحة الدولية في خطر، محمّلاً الولايات المتحدة وبريطانيا المسؤولية الكاملة عن تداعيات الاعتداء على السيادة اليمنية. وفي أعقاب خروج مسيرات شعبية شارك فيها مئات الآلاف من اليمنيين رداً على العدوان، أكّد القائد الأعلى للقوات المسلحة في حكومة صنعاء، مهدي المشاط، الذي يشغل منصب رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، في تصريح نقلته وسائل الإعلام الرسمية، أن «العدوان الأميركي – الصهيوني – البريطاني غير المبرّر على اليمن انتهاك لكل القوانين، وستدفع الدول المشاركة فيه الثمن باهظاً». كما أكّد أن «الدم اليمني غال وثأرنا لا يبيت، ولن يثني العدوان اليمن عن موقفه المساند والداعم لفلسطين»، مشدّداً على «استمرار منع السفن الإسرائيلية أو المتّجهة إلى فلسطين المحتلة من المرور في البحر الأحمر وباب المندب». من جهته، قال الخبير العسكري، مجيب شمسان، لـ»لأخبار»، إن «الرد سيكون بعملية عسكرية واسعة ومرعبة للعدو خلال الفترة القادمة».
وكانت العملية العسكرية التي لم يُفاجأ بها الشعب اليمني في ظل الاستماتة الأميركية والبريطانية للدفاع عن إسرائيل في البحر الأحمر، استهدفت بأربع غارات، قاعدة الديلمي الجوية شمال العاصمة. كذلك، شنّ الطيران البريطاني والأميركي سلسلة هجمات على محيط مطار الحديدة ومناطق أخرى في مديرية زبيد جنوب المدينة. كما جرى استهداف معسكر كهلان شرق مدينة صعدة شمال غرب اليمن. وبعد تحريض «هيئة العمليات التجارية البريطانية» على منطقة الحوبان في تعز، استهدف الطيران المعادي مطار تعز بسلسلة غارات. أيضاً، أفاد الإعلام البريطاني بأن الحكومة البريطانية حدّدت ثلاث محافظات للاستهداف تمثّلت في صنعاء وحجّة والحديدة.
وأدى العدوان إلى استشهاد خمسة من عناصر القوات المسلحة اليمنية وإصابة ستة آخرين. ووفقاً للمتحدث باسم قوات صنعاء ، العميد يحيى سريع، فإن مجمل عدد الغارات بلغ 73، كان هدفها الأساسي تدمير قدرات حركة «أنصار الله» العسكرية. ولذلك، قالت القيادة المركزية الأميركية إن العملية تركّزت على مخازن أسلحة ومستودعات للذخيرة الحيّة وأنظمة لإطلاق الصواريخ والطائرات المُسيّرة، ومنشآت الإنتاج وأنظمة رادار للدفاع الجوي. إلا أن «الأخبار» علمت، من أكثر من مصدر في صنعاء، أن الهجوم لم يحقق أي هدف، ولم ينل من قدرات قوات صنعاء.
وفي تطور يؤكد بصورة مباشرة فشل العدوان، أعلنت شركة «هافنيا» السنغافورية للشحن البحري أنها أوقفت كل السفن المتّجهة إلى البحر الأحمر، ما يعني أن الهدف الأساسي المُعلن للأميركيين والبريطانيين بحماية الملاحة في المنطقة لم يتحقّق. فضلاً عن ذلك، سيتعيّن على واشنطن ولندن الآن انتظار رد صنعاء، والذي سيكون بلا شك ذا تأثير على سطوتهما التي تسعيان إلى ممارستها في البحر الأحمر، ولا سيما أن الولايات المتحدة تتهيّب هذا الرد وما يمكن أن ينجم عنه من توسيع للمواجهة التي تعلن باستمرار أنها تريد إبقاءها محصورة قدر الإمكان، وأن العدوان بذاته كان لهذه الغاية.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية