علي عواد
عالم الشر انكشف أمامنا. مجتمعات سرية تدير حلقات استغلال القاصرات والإتجار بالبشر بين أوساط النخب العالمية. لوحة كبيرة من القذارة، تعرض ما يمكن أن يفعله معاتيه المال والسلطة. قاصرات، منهن أطفال، أُعِرن واستؤجرن لصفوة المجتمع. صفوة فرّغت بهن استعلاءها الطبقي على شكل استعباد جنسي. وسط هذه اللوحة، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية، بيل كلينتون جالساً على كرسي بثوب أزرق وكعب أحمر، كونه «يحبهن صغيرات في السنّ» وفقاً لرواية أحد الشهود
كشف قاضٍ اتحادي في الولايات المتحدة، ليل الأربعاء الماضي، مجموعة من الوثائق تتعلق بدعوى قضائية مرتبطة بمرتكب الجرائم الجنسية جيفري إبستين (1953 ـــ 2019). قدّمت هذه الوثائق، التي أصبحت الآن في متناول الجمهور، عشرات الأسماء المستمدة من دعوى مدنية ضد غيلين ماكسويل، شريكة إبستين، التي أُدينت العام الماضي وحُكم عليها بالسجن مدة 20 عاماً لتورّطها في الإتجار بالبشر ومساعدة إبستين في الاعتداء الجنسي على مراهقات وتسهيل جمعهن مع رؤساء وأمراء وصنّاع القرار حول العالم. هذه هي الدُفعات الأولى من الوثائق التي كُشف عنها بموجب أمر محكمة صدر في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. على أن يُكشف عن المزيد من الأسماء في الأسابيع المقبلة. لكن من هو جيفري إبستين وشريكته غيلين ماكسويل؟ كيف وصلا إلى صفوة المجتمع الأميركي؟ وما علاقة هذا الكشف بالرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب؟ وكيف ارتبط اسم الموساد بهذه الواقعة؟ مَن كان يتابع الانقسام السياسي والثقافي الحاد في المجتمع الأميركي، الذي انفجر منذ تولّي الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، دونالد ترامب، الحُكم عام 2017، يعرف حتماً جيفري إبستين وغيلين ماكسويل. لكن قبل أن نربط أجزاء الأحجية، علينا بداية أن نتكلم عن الأشرار في هذه القضية.
أربع روايات
هناك 4 روايات مختلفة تتحدث عن كيفية دخول جيفري إبستين حياة الترف. لكن الرواية الأكثر تداولاً تُفيد بأنّ صعود إبستين إلى الثروة بدأ في السبعينيات، عندما حصل على وظيفة تدريس في مانهاتن، على الرغم من عدم حصوله على شهادة جامعية. دفعته علاقة مصادفة مع الرئيس التنفيذي لشركة Bear Stearns آلان غرينبيرغ، إلى عالم البنوك، وأصبح في النهاية مدير أموال لأصحاب المليارات مثل ليزلي ويكسنر وليون بلاك. جمع إبستين ثروة تُقدر بمئات الملايين، وعاش أسلوب حياة مترفاً بطائرات خاصة، ومساكن فاخرة، وجزيرة خاصة (سانت جيمس تقع في جزر العذراء الأميركية). وقد عززت مساعيه الخيرية، بما في ذلك الهدايا الكبيرة لـ«جامعة هارفارد»، مكانته بين النخبة وصفوة المجتمع الغربي.
مع شريكته
ظهرت شائعات ولع إبستين بالقاصرات في عام 2002، واكتسبت زخماً على مرّ السنين. تلت ذلك مشكلات قانونية تخبّط بها عام 2005 عندما واجه اتهامات بالتحرش بفتاة تبلغ 14 عاماً في قصره في بالم بيتش في ولاية فلوريدا. على إثر ذلك، أبرم إبستين صفقة صنعها له المدعي العام الأميركي السابق، ألكسندر أكوستا، فأقرّ بالذنب عام 2008 شرط أن يحكم عليه بالسجن لمدة 13 شهراً. أثار الحكم المُخفَّض بلبلة بشأن المعاملة التفضيلية التي حظي بها بسبب صلاته النافذة. في عام 2019، اعتُقل إبستين بتهم فيدرالية للإتجار بالجنس، وأعاد هذا الاعتقال الانتباه إلى جرائمه الفظيعة، وصولاً إلى انتحاره في زنزانة السجن شنقاً (حسب الرواية الرسمية) في 10 آب (أغسطس) 2019.
بعد وفاة إبستين، انتقل التدقيق إلى غيلين ماكسويل، صديقته وشريكته السابقة. في عام 2021، أُدينت بالإتجار بالفتيات القاصرات لمصلحة إبستين. واجهت الشخصيات الرئيسية المرتبطة بإبستين، بمن في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة «باركليز» آنذاك جيس ستالي، ورئيس مجلس إدارة شركة Apollo Global Management ليون بلاك، استهجاناً من الرأي العام دفعهما إلى تقديم استقالتهما من منصبهما. قال كلا الرجلين إنهما ليس لديهما علم بجرائم إبستين الجنسية. وهزّت دعوى رفعتها إحدى ضحايا إبستين، فيرجينيا روبرتس جوفري، عام 2009، الرأي العام، عندما قالت إنها كانت «عبدة جنسية» لسنوات لديه ولدى ماكسويل، كاشفةً أنّ إبستين «أعارها» إلى الأمير البريطاني أندرو من أجل الاعتداء الجنسي. حينها، تحركت العائلة الملكية البريطانية وجردت شقيق الملك تشارلز الأصغر من الألقاب الفخرية والرعاية الملكية. وسوّى الأمير أندرو الدعوى مقابل مبلغ لم يكشف عنه العام الماضي. كما دفع بنك «جيه بي مورغان تشايس وشركاه»، حيث كان إبستين يتعامل مع المصرف المذكور لسنوات عديدة، مبلغ 365 مليون دولار لتسوية قضيتين تفيدان بأنّ المصرف أفاد عمداً من إتجار إبستين بالبشر.
غيلين ماكسويل… الفتاة المدلّلة
فتاة مدلّلة كما تصفها والدتها، ولدت عام 1961 في كنف عائلة ثرية باعتبارها ابنة قطب الإعلام اليهودي، روبرت ماكسويل. كانت غيلين المفضلة لدى والدها وتميزت طفولتها بالحفلات الفخمة والباذخة، ولكنها كانت تعاني من إحباط ونقص عاطفي شديدين وفقاً لتقرير نشرته «بي بي سي» عام 2022. والدها روبرت ماكسويل، شخصية غامضة إلى حد بعيد، صدر عنه كتاب «روبرت ماكسويل الجاسوس الإسرائيلي الخارق: حياة وقتل قطب الإعلام» (عام 2002) للصحافيين والكاتبين مارتن ديلن وغوردن توماس. يصفه الكتاب بأنه مُتقلب، متحدٍّ ولا يرحم.
اللوحة المعلّقة على جدار في منزل إبستين – رسم بيترينا ريان كلايد الولايات المتحدة
رجل ذو شهية هائلة للطعام والنبيذ والنساء والسلطة والمال. كان يسعى جاهداً لبناء إمبراطورية إعلامية. لكن طوال حياته المهنية، كان لديه أيضاً طموح آخر: طموح خفي تماماً عن الناس، هو التجسّس لمصلحة الموساد الإسرائيلي. يتحدث الكتاب عن صراع بين مصالح رجل الأعمال والملاحقات السرية للجاسوس التي أدت إلى وفاته الغامضة غرقاً، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1991، قبالة سواحل جزر الكناري. وفقاً لمصادر توماس المطلعة في «إسرائيل» وواشنطن ولندن، دخل ماكسويل للمرة الأولى فلك الموساد في السبعينيات، عندما سَرقت منظمة تجسّس إسرائيلية من الولايات المتحدة أكثر برامجها تطوراً لجمع المعلومات الاستخبارية، وهو برنامج Enhanced Promis. صنع الموساد منه حصان طروادة إلكترونياً، يجمع معلومات سرية للغاية من داخل أجهزة الاستخبارات نفسها التي كانوا يبيعونها لها في جميع أنحاء العالم. كان روبرت ماكسويل ممثل الموساد في هذه العمليات الحساسة التي كلفت عشرات الملايين من الدولارات في الصين وروسيا والهند وعشرين دولة أخرى. كما يتحدث الكتاب عن مشكلاته المالية وابتزازه المال من الموساد. في المحصلة، يورد الكتاب أنّ غيلين ماكسويل أتت من عائلة ثرية كان أحد أفرادها من أهم جواسيس الموساد. بعد وفاته الغامضة في عام 1991، في أعقاب فضيحة سرقته أموالاً من صندوق تقاعد، واجهت غيلين التدقيق وخسارة أموال والدها. أخذتها رحلتها إلى نيويورك، حيث دخلت المشهد الاجتماعي في المدينة. صداقتها مع الأمير أندرو ولهجتها البريطانية جعلتاها شخصية مثيرة بين النخبة الأميركية. لم يمر وقت طويل حتى وجدت نفسها في علاقة مع جيفري إبستين. علاقة أثبتت أنها مفيدة للطرفين، فسمحت لها ثروة إبستين بالحفاظ على أسلوب حياتها الفخم، وهي بدورها قدّمته إلى الدوائر المؤثرة.
عندما رفعت فيرجينيا روبرتس جوفري دعوى قضائية ضد إبستين عام 2009، سارعت غيلين ماكسويل إلى تسوية الدعوى. لكنّ اسمها عاد إلى المشهد عام 2015، مع رفع مزيد من ضحايا إبستين قضايا ضده. عادت فيرجينيا جوفري لتتحدث كيف أنّ ماكسويل أرسلتها ثلاث مرات لممارسة الجنس مع الأمير أندرو. بعد وفاة إبستين عام 2019، واجهت غيلين الاعتقال، والمحاكمة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة. في عام 2021، أدانتها هيئة المحلفين بتهمة الإتجار بالجنس، مؤكدة على دورها في استمالة الضحايا لمصلحة إبستين، وحكم عليها بالسجن لمدة 20 عاماً في عام 2022.
وعلى الرغم من تسوية قضية فيرجينيا جوفري مجدداً في عام 2017، إلا أن قاضية نيويورك، لوريتا بريسكا، أصدرت أمراً بالكشف عن المواد المرتبطة بالقضية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي عام 2023. وهذا ما حصل. في الأيام السابقة، رُفعت السرية عن جلسات المحكمة وأسماء المتعاونين أو الذين ذكروا في التحقيق، وسيكشف المزيد من الأسماء في القادم من الأيام أيضاً. تحدد الوثائق، التي نُشر جزؤها الأول في 3 كانون الثاني (يناير) الحالي، الأفراد الذين أُخفيت أسماؤهم في السابق. ومن بين المدرجين في القائمة «الضحايا، والأشخاص غير المتهمين بارتكاب مخالفات، وأطراف ثالثة غائبة». لا يعني بالضرورة تحديد هوية الشخص في وثائق المحكمة أنه كان متورطاً أو على علم بأي خطأ ارتكبه إبستين. هي أسماء من ذكرهم الشهود والضحايا، ولم يُرفع أي اتهام في حقّهم حتى الآن.
أماطت الوثائق أيضاً اللثام عن إفادة نادية مارسينكوفا، التي سألها المحامي ديفيد ياريما مارسينكوفا: «هل كنتِ مع جيفري إبستين في عيد ميلاده عندما أرسل إليه أحد أصدقائه ثلاثة أطفال يبلغون 12 عاماً» (ليعتدي عليهم جنسياً)؟ ثم سأل ما إذا كان «هؤلاء الأطفال الثلاثة البالغون 12 عاماً من فرنسا. هل أرسلهم إليه في عيد ميلاده جان لوك برونيل أم شخص آخر؟». في ردها على تلك الأسئلة، استشهدت مارسينكوفا بالتعديل الخامس (يحمي التعديل الخامس لدستور الولايات المتحدة الأفراد من تجريم أنفسهم، والمحاكمة بالجرم نفسه مرتين، ويضمن الإجراءات القانونية الواجبة، ويتطلب توجيه الاتهام من هيئة محلفين كبرى لارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام). وظلّت متمسّكة به طوال شهادتها التي تتضمن العديد من الأسماء التي لا تزال مخفية. لكن اللافت أن جان لوك برونيل، عارض الأزياء الفرنسي، توفي في زنزانة السجن عام 2022 أثناء التحقيق معه من السلطات الفرنسية بسبب علاقاته بإبستين. أما الضحية فيرجينيا جوفري، تكلمت عن قصة إرسال أطفال يبلغون من العمر 12 عاماً إلى إبستين في شهادتها أمام المحكمة.
العالم يستمع أخيراً غلى الضحايا
مع خروج الوثائق إلى العلن، تصاعدت أصوات ضحايا لم يكن صوتهم مسموعاً سابقاً. وانتشرت تغريدة لامرأة تدعى خوانيتا برودريك، على منصة X ، تقول فيها إن الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، بيل كلينتون، اغتصبها بوحشية عام 1978، وقال لها بعد ذلك «لا تقلقي، أنا عقيم بسبب مرض النكاف عندما كنت صبياً» (يبحث شعب الإنترنت عمن قد يكون والد ابنته الحقيقي إن صحّت مزاعم برودريك). ثم أضاف: «من الأفضل أن تضعي بعض الثلج على ذلك»، مشيراً إلى شفتها المتورمة والنازفة. تجدر الإشارة إلى أن برودريك أصدرت كتاباً بعنوان «من الأفضل أن تضعي بعض الثلج على ذلك» تتحدث فيه عما حصل معها. بالعودة إلى الوثائق، ذُكر اسم بيل كلينتون أكثر من 50 مرة. يقول أحد الشهود إنّ كلينتون «يحبّهن صغيرات السن». والغريب بخصوص الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، أنّ هناك لوحة معلّقة على أحد جدران منزل جيفري إبستين، رسمتها بيترينا ريان كلايد، تصوّر كلينتون مرتدياً ثوباً نسائياً أزرق مع كعب أحمر وهو جالس على كرسي. ويمكن لنا أن نتخيل، ما الذي قد يدفع إبستين إلى وضع لوحة مماثلة داخل منزله. ارتدادات الكشف عن الوثائق لا يبدو أنه قد أحدث فرقاً حتى الآن على أرض الواقع، ما عدا معلومة صحيفة «دايلي ميل» البريطانية، التي أوردت أنّ الملك تشارلز بذل جهوداً لإبعاد نفسه عن أخيه الأمير أندرو بعد ذكر اسمه في وثائق جيفري إبستين. يقيم دوق يورك في المقر الملكي المكون من 31 غرفة في وندسور مع زوجته السابقة سارة فيرغسون، الواقع على أراضي قلعة وندسور منذ عام 2004 بعد توقيع عقد إيجار لمدة 75 عاماً في العام السابق. وقال أحد مصادر «دايلي ميل» إن الملك يستعدّ «للتوقف عن دفع تكاليف أمن منزل الأمير أندرو في وندسور». كذلك، أظهرت الوثائق تواصل رئيس حكومة العدو الأسبق، إيهود باراك، 36 مرة مع جيفري إبستين. وقد صُوِّر وهو يدخل منزله في مانهاتن مع وشاح حول وجهه في عام 2016. وشوهدت شابات يدخلن ويخرجن من المنزل في اليوم نفسه. وتناقلت وسائل إعلام العدو الخبر مثل «تايمز أوف إسرائيل»، وتحدث بعضها عن أنّ احتمال علاقة إبستين بالموساد قد لا تكون مجرد نظرية. كما قال عميل الموساد السابق، آري بن ميناشي، لصحيفة «دايلي ميل» إن إبستين كان جاسوساً لإسرائيل واستخدم علاقته مع الأمير أندرو «الأحمق المفيد» للتنقيب عن المعلومات.
بالنسبة إلى علاقة إبستين مع ترامب، فقد كانا جارين في منطقة بالم بيتش في فلوريدا، وتواجدا سوياً في أكثر من مناسبة واحتفال. لكن العلاقة بين الرجلين انهارت بعدما حاول إبستين التواصل مع ابنة أحد أعضاء نادي «مار لاغو» الذي يمتلكه ترامب، وقد كانت في الـ 14 من عمرها. ومُنع إبستين من الدخول مجدداً إلى النادي. كذلك، قال ترامب إنّه لم يتحدث مع إبستين منذ أكثر من 15 عاماً. لكن المُستغرب هنا أن المدعي العام الأميركي الذي أبرم صفقة إبستين عام 2007، ألكسندر أكوستا، عيّنه ترامب وزيراً للعمل عام 2017. ويبقى هذا الأمر غير واضح، فإذا كان ترامب على خلاف مع إبستين كما أوضح، وثبت أنّه طرده من ناديه، فلم يُعيِّن ألكسندر أكوستا وزيراً في حكومته؟ لا معلومات حتى الساعة في هذا الخصوص، ما عدا تصريح أكوستا لصحيفة «ديلي بيست» يقول فيه إن «إبستين انتمى إلى الاستخبارات» (CIA) و«طُلب منه ترك قضية إبستين» في عام 2007. وبحسب تقرير نشرته «ديلي بيست» في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018، كجزء من الصفقة، قدّم إبستين معلومات بالغة الأهمية للمحققين الفيدراليين. علماً أنه لا دليل مباشراً على ماهية هذه المعلومات، لكن السجلات تظهر أنه في الوقت نفسه تقريباً، كان إبستين يُعتبر شاهداً حاسماً في محاكمة اثنين من المديرين التنفيذيين في «بير شتيرنز» اللذين واجها ادعاءات بالاحتيال في الأوراق المالية للشركات في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
السياق السياسي: حسابات الربح والخسارة
القصة كلّها انتهت عملياً بعد عام 2009. احتاج الأمر وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية عام 2017 كي تتحول إلى رافعة انتخابية وسياسية تدور وسط القواعد الشعبية المتزمتة دينياً والمؤيدة لترامب. لا يمكن الحديث عن الرابحين من كشف أسماء المتورطين مع إبستين، من دون الإشارة إلى الفيل الكبير في الغرفة: نظرية المؤامرة «كيو أنون» QAnon. في عام 2016، نشر موقع «ويكيليكس» مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني التي سرقها هاكرز من حساب جون بوديستا، رئيس حملة هيلاري كلينتون الانتخابية الرئاسية لعام 2016. بحث بعض مستخدمي الإنترنت في تلك الرسائل، ونشروا على موقع 4chan الإلكتروني (يعج بالأفكار المتطرفة ونظريات المؤامرة) أنهم وجدوا استخداماً واسعاً لمصطلح «بيتزا الجبن» في رسائل البريد الإلكتروني لبوديستا، وأن المصطلح هو رمز لـ «المواد الإباحية للأطفال». تعاظمت القصة حتى بات هناك مصطلح مؤامرة Pizzagate تفيد بوجود عصابة من صفوة المجتمع تدير مجموعة للإتجار بالجنس والقصّر.
في بداية تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2017، نشأت نظرية مؤامرة على موقع 4chan الإلكتروني، تفيد بأنّ الرئيس الأميركي في حينها، دونالد ترامب، يشن حرباً سرية ضد عصابة من مشتهي الأطفال الشيطانيين داخل هوليوود والحزب الديموقراطي، وما يسمّى «الدولة العميقة» داخل حكومة الولايات المتحدة. وعبر منصات التواصل الاجتماعي، انتشرت النظرية كالنار في الهشيم ووصلت إلى احتجاج مؤيدي تلك النظرية ومطالبتهم بسجن النُخب الديموقراطية. وفي 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، نشر مجهول الهوية يُعرف باسم Q، تدوينة على موقع 4chan تؤكد أن اعتقال هيلاري كلينتون «كان قيد التنفيذ بالفعل». وفي منشور لاحق، ادعى Q أنه مسؤول حكومي ذو علاقات بإدارة ترامب، وأكّد أن ترامب سيبدأ «العاصفة»، وهو هجوم على مسؤولي الدولة العميقة المسؤولين عن عصابة شيطانية تستغل الأطفال جنسياً. وأصبحت نظرية المؤامرة معروفة باسم QAnon. ومنذ عام 2017، ينشر Q بين حين وآخر معلومات استخباراتية مزعومة من أعلى مستويات السلطة.
قال عميل الموساد السابق آري بن ميناشي إنّ إبستين كان جاسوساً لإسرائيل واستخدم علاقته مع الأمير أندرو «الأحمق المفيد» لجمع المعلومات
مؤيدو نظرية المؤامرة QAnon كانوا يتحدثون عن جيفري إبستين ومساعدته غيلين ماكسويل منذ عام 2018. يقولون إنّ إبستين يملك تسجيلات لكل هؤلاء المتورطين ويبتزّهم كلما دعت الحاجة إلى «تقويض الولايات المتحدة وتدمير مجتمعها وثقافتها واقتصادها»، أي إنّه كان يطلب منهم اتخاذ قرارات تضر الولايات المتحدة مقابل عدم الكشف عن تلك الفيديوات. ولزيادة الأمور إثارةً، اعتُقل إبستين في عام 2019 ليُكتشف جثة هامدة داخل زنزانته، واعتبر الأمر انتحاراً شنقاً. ثم توسعت نظرية المؤامرة لتشمل الوباء وأموراً أخرى تضر بسمعة الحزب الديموقراطي الأميركي.
خلاصة نظرية المؤامرة تلك أن ترامب هو المخلّص، سيسجن مشتهي الأطفال ويدمّر الدولة العميقة التي تأخذ الولايات المتحدة إلى الحضيض الأخلاقي والاقتصادي. انطلاقاً من ذلك، نفهم لِمَ نشر دونالد ترامب قبل أيام فيديو على حسابه على منصة التواصل «تروث سوشال» التي يملكها، يحوي مشاهد عن إبستين ولقاءاته. كل ما يحدث اليوم يؤذي الحزب الديموقراطي وسمعته بشكل كبير، وخصوصاً مع تكرار اسم بيل كلينتون في الوثائق، بينما يستعد الحزبان لانتخابات رئاسية أواخر العام الحالي. قضية ستتطور في الأيام والأسابيع القادمة مع انكشاف أسماء جديدة ووثائق أكثر. وفي الوقت نفسه، تفتحت عيون الجمهور الغربي على احتمالية علاقة الموساد بما حصل. فعلياً، من الجهة التي تستطيع فعل ذلك كله؟ لا يعقل أنّ جيفري وغيلين استطاعا وحدهما أن يديرا تلك الشبكة بأكملها. هل كان إبستين عميلاً للموساد؟ هل كان عميلاً للـCIA؟ هل كان عميلاً مزدوجاً للطرفين؟ أسئلة قد لا نعرف أجوبتها أبداً.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية