آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » رياح تركية ذات اتجاهين

رياح تركية ذات اتجاهين

عبد المنعم علي عيسى

 

أثارت التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية التركي حقان فيدان يوم الأربعاء في الـ3 من كانون ثاني الجاري، جدلاً واسعاً من حيث إنها جاءت كاشفة لما يمكن وصفه بـ«المسكوت عنه» في السياسة التركية التي لطالما كانت غالباً ما تذهب، في السابق، إلى ترك مسافة واضحة ما بين المعلن والمضمر في سياق تعاطيها مع الملف السوري، والأهم، الكاشف منها، مما جاء على لسان فيدان هو «تمسك بلاده بالحل السياسي» في سورية، وإذا ما كان ذلك أمراً ليس جديداً، أقله منذ ما يزيد على العام، على التوجهات التركية إلا أن ما أعقبه يضفي عليه طابعاً مختلفاً عن سابقاته، يضيف فيدان بأن بلاده ترى «ضرورة منع أي صراع جديد في المنطقة بين الحكومة السورية والفصائل المعارضة» على اعتبار أن الفعل «سيؤدي إلى نسيان الكراهية لدى الجانبين»، والمؤكد هو أن تفكيراً تركياً كهذا جاء بجديد كبير، ففعل من نوع أن تذهب أنقرة لحدود التفكير بـ«نسيان الكراهية» بين الحكومة والمعارضة السوريين هو بالتأكيد ذي مرام أبعد من تشجيع المصالحة بين السوريين ليتعداه، فيصل، إلى حدود اليقين بأن أنقرة باتت ترى أن لا بديل لديها من إعادة اللحمة بين الحكومة السورية ومعارضة الشمال تأسيساً لجبهة قوية في مواجهة «المعارضة» في الشمال الشرقي التي ترى فيها مشروعاً يتهدد أمنها القومي، بل ويهدد أيضاً وحدة أراضيها وسيادتها، الأمر الذي أفصحت عنه أيضاً تصريحات فيدان سابقة الذكر عندما قال: إن «نشوب أي صراع جديد سيفسح المجال أمام حزب الاتحاد الديمقراطي لتمتين حضوره وترسيخ مشروعه الانفصالي في مناطق الشمال الشرقي من سورية».

 

الأمر اللافت هنا هو أن تصريحات فيدان كانت قد جاءت في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أنقرة التي افتتح بها جولة شرق أوسطية، وإذا ما كان البيان الصادر عن لقاء فيدان بهذا الأخير قد تمحور بشكل أساسي حول الحرب الدائرة في غزة مع المرور، بشكل عرضي لكن معبر، على مسألة الدعم الذي تقدمه واشنطن لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد»، فإن من المؤكد هو أن تلك المسألة كانت محورية بدرجة لا تقل عما جرى التركيز عليه في ذلك البيان، وما يدفع لهذا التأكيد هو أن السياسة الأميركية جهدت منذ أشهر على لعب دور الوسيط ما بين أنقرة و«الإدارة الذاتية»، حيث من المؤكد أن التغييرات الهيكلية التي أعلنت عنها هذي الأخيرة عشية انعقاد مؤتمرها الرابع بمدينة الرقة في الـ20 من كانون الأول المنصرم، كانت قد جاءت بإيحاء أميركي، فتعيين محمود المسلط، السوري الذي يحمل الجنسية الأميركية، كـ«رئيس مشارك» لـ«مجالس سورية الديمقراطية»، أمر أريد منه إرسال رسائل تطمين صوب الجانب التركي، الأمر الذي لم يعطِ النتائج المرجوة منه على ضفاف هذا الأخير بدليل أن الهجمات التركية، التي كانت تستهدف بنى تحتية ومواقع لـ«قسد» في مناطق سيطرتها، كانت قد ازدادت حدتها بعيد تلك «الرسالة» ولربما بدرجة تفوق بكثير سابقاتها، ناهيك عن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أكد يوم الـ10 من كانون ثاني الجاري أن بلاده «ستواصل ملاحقة الإرهابيين سواء في الداخل أم في الخارج».

 

وما يرجح الأمر أيضاً هو أن واشنطن تعمدت تجاهل التصعيد التركي لدرجة أثارت حفيظة القائد العام لميليشيات «قسد» مظلوم عبدي، الذي راح يشكو من «الوعود الوهمية» للأميركيين من دون أن يقطع أمله بها فيقول: «الولايات المتحدة قدمت وعوداً بإنهاء التعديات التركية على شمال سورية ونحن ننتظر النتائج»، ولم ينسَ تلميحاته القديمة التي مفادها أن الهجمات التركية من شأنها أن تضعف من قدرات قواته على التصدي لتنظيم «داعش» وعلى قدراتها أيضاً في المحافظة على السجون التي تحتوي الآلاف من مقاتلي هذا الأخير وعائلاتهم.

 

مما سبق يمكن القول إن السياسة التركية الراهنة تجاه سورية تسير في مسربين اثنين، الأول محاولة تحقيق أقصى أنواع التهدئة في الشمال السوري، أي بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة الموالية لأنقرة، الأمر الذي ترى فيه فرصة مشجعة لعودة الحياة إلى مسار التسوية الذي يعاني من مطبات عديدة، ولربما تريد أيضاً العودة إلى مسار «أستانا» الذي عانى ما بعد جولته العشرين الأخيرة من عطب من الصعب تشخيصه تماماً، حيث من المؤكد أنها ترى في تنشيط ذلك المسار تثقيلاً لدورها بحكم المعطيات على الأرض وكذا بحكم ورقة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، والثاني هو تطبيق أقصى الضغوط على مناطق «الإدارة الذاتية» بما فيها العسكرية منها، من دون أن تكون هذي الأخيرة هي السبيل الوحيد لأنقرة في التعاطي معها، حيث تشير تقارير إلى أن اللقاء الذي جرى مؤخراً ما بين وفد موسع من «الائتلاف السوري المعارض» ونظير له يمثل «المجلس الوطني الكردي» المنضوي تحت راية «الائتلاف» والذي تتناقض سياساته مع سياسات «قسد ومسد»، إلى أن الطرفين ناقشا مسألة توسعة الدور الذي يقوم به «المجلس» لكي يحظى بالثقل الذي يجب أن يتمتع به في الشارع الكردي، ومن الممكن أن تكون هذه الإشارة الأخيرة مؤشراً على تفكير تركي بإعادة تأهيل ودعم ميليشيات «بيشمركة روج آفا» التي تأسست في أربيل عام 2015 كذراع عسكرية تابعة له، أي لـ«المجلس الوطني الكردي»، كي تصبح «حليفاً» برياً للقوات التركية تماماً، كما كانت «قسد» حليفاً برياً لـ«قوات التحالف الأميركي» منذ صعود «داعش» عام 2014.

 

كاتب سوري

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...