تتعالى أصوات المفكرين العروبيين للتأكيد على أهمية الحفاظ على العروبة كمفهوم حضاري والتصدي للغزو الثقافي والفكري ومحاولات القوى الإمبريالية والصهيونية النيل من العروبة وتشويهها في ذهنية المجتمع العربي لكونها جامعا فكريا عقائديا والعامل الأكثر تهديدا للمصالح الاستعمارية بالمنطقة.
من العراق الباحث الأكاديمي الدكتور أحمد الجبوري يبين في تصريح لـ سانا أن الهوية العربية اكتسبت ديمومتها واستمرارها من علاقتها بالإسلام من جهة وباللغة العربية من جهة أخرى وبالأرض التي تتوسط العالم القديم من جهة ثالثة مشيرا إلى أن المستقبل الذي ينتظر هذه الأمة متأثر الى حد كبير بقيمة المضمون الحضاري الذي تمتلكه.
العروبة كهوية تأثرت بجملة أحداث على مدى التاريخ يذكر منها الباحث الأكاديمي العراقي أحداث الاستعمار في بدايات القرن الماضي والصراع العربي الإسرائيلي في حين أن أبرز التحديات التي تواجه العرب اليوم كأمة والعروبة كرسالة وهوية هي جريمة التطبيع مع العدو الإسرائيلي مؤكدا أن المؤامرات التي استهدفت الشعوب العربية الحية لاستنزاف قدراتها وتهديم بنيانها كان لها أبرز الاثر على تباطؤ مشاريع التنمية في تاريخ الأمة العربية.
وتعمل الدوائر الاستعمارية وذيولها وفق الجبوري على تكييف الهوية العربية وفق “مقاسات مقزمة” وأبعاد مشوهة وتحريف المبادئ التي بنيت على أساسها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تحولت من قضية الأمة الأولى إلى قضية فلسطينية وظل التضييق والتقزيم مستمرا لها حتى تحولت إلى ملف في إدراج المنظمات الدولية.
وأكد الباحث الأكاديمي العراقي أن سورية لعبت دورا فاعلا وحاسما في دفاعها المصيري عن الهوية العربية وعن مفهوم العروبة على مر العصور ومن بين القضايا التي تبنتها على وجه فريد واستثنائي مشروع التعريب الذي دعمته بشكل حقيقي وإذا فتشنا في حيثيات هذا المشروع نجد أن سورية بدأ فيها التعليم الطبي في عام 1919 وأصر الأساتذة المؤسسون حينها على أن تكون اللغة العربية هي لغة التعليم فيها على الرغم من إصرار الاحتلال الفرنسي على أن تكون الفرنسية لغة للتعليم العام والجامعي في سورية.
وحول مفهوم العروبة في ذهنية الشارع العربي وكيف يخطط الأعداء أن يكون شكله اعتبر المفكر والباحث العربي الفلسطيني إبراهيم علوش أن القومية العربية ومفهوم العروبة في وطننا ليسا في أحسن أحوالهما مشيرا إلى أن أعداء الأمة العربية استطاعوا النفاذ الى بعض الشرائح الاجتماعية في وطننا العربي التي تعاني من هشاشة انتمائها القومي والوطني بهدف تخريب وتدمير البلدان العربية من الداخل وهذا ما ظهر جليا فيما سمي “الربيع العربي”.
وبين علوش أن ما حدث يدفعنا للتساؤل.. كيف وصلنا إلى مثل هذه الحال؟ وكيف نخرج منها؟ وكيف نتصدى بنجاح لمعضلات المرحلة التاريخية الراهنة التي تواجه التيار القومي وأمتنا ككل؟ موضحا أن فكرة العروبة بحد ذاتها تعيش اليوم بين “متناقضين حقيقتها كهوية وانتماء ورابط حضاري تكرس عبر العصور يجمع الشعب العربي في بوتقة واحدة وواقع الأمة العربية الراهن الذي تطغى عليه النوائب والكوارث من المحيط إلى الخليج”.
ورأى علوش أن العدو يحاول جاهدا تصوير العروبة في الأذهان بأنها “الإرهاب والتكفير والنظام الرسمي العربي المتهاون والتابع للغرب” إلا أن حقيقة العروبة الأصيلة غير ذلك تماما منوها بدور سورية في الدفاع عن العروبة والعرب رغم أوضاعها الصعبة والحرب والحصار والإرهاب والتكفير الذي تتعرض له مبينا أن سورية بوصلة العروبة التي لا تخيب.
محمد السيد أحمد الباحث السياسي من مصر قال إن “الدول العربية تتعرض لحرب خارجية شعواء منذ زمن بعيد في محاولة لتفكيكها وتفتيتها وتقسيمها من خلال محاولة طمس الهوية الثقافية العربية التي ترسخت تاريخيا عبر مئات السنين” مشيرا إلى أن المخطط الاستعماري الغربي يعمل للقضاء على مفهوم العروبة باعتباره البوتقة التي ينصهر فيها مشروع الوحدة العربية المضاد والمعادل الموضوعي والمقاوم للمخطط الاستعماري الغربي.
واعتبر السيد أحمد أن “مفهوم العروبة بات مشوشا في ذهنية الكثيرين حيث قام العدو الصهيوني بمحاولات متعددة لطمس الهوية الثقافية العربية وإشاعة الفرقة بين الدول العربية”.
وأكد السيد أحمد أن سورية بقيت آخر خندق من خنادق الحفاظ على الهوية العربية والدفاع عن المشروع القومي العروبي المقاوم مؤكدا أنه لولا حفاظ سورية على هويتها العربية ما كانت هذه الحرب الكونية عليها من قبل القوى الامبريالية العالمية والعدو الصهيوني.
ومن تونس الناشطة والمفكرة السياسية انتصار عنابي ترى أن العروبة ليست كما يروج لها أعداؤها فكرياً وعملياً فهي بعيدة كل البعد عن العرقية والعصبية بدليل مؤرخيها وكتابها وما أبدعوا في توضيح ذلك في القرن العشرين ابتداء من ساطع الحصري حتى ياسين الحافظ مروراً بعصمت سيف الدولة وآخرين ولم يكن بينهم أحد يعد العرق أو السلالة أحد شروط الانتماء للأمة العربية وأن عوامل القومية كاللغة والثقافة والجغرافيا يجمعها المصير المشترك فهي هوية ثقافية لغوية منفتحة على التنوع والتفاعل وتعني في شمولها أطرا أوسع ووضعها على مسار يتيح لها التطور مع الزمن.
وترى عنابي أن مخططات العدو أرادت التشويش على مفهوم العروبة في ذهن الشارع العربي والشباب تحديدا بهدف تشتيت وزعزعة الهوية والانتماء و”تمرير ديمقراطية مشبوهة وحرية غربية مطبوخة لضرب وحدة الصف والوعي العربي” مشيرة إلى أن “الالتباس في مفهوم العروبة روجه أعداء العرب الذين فرضوا اجندات خبيثة في كل بلد عربي ابتداء من تعيين وكلاء لهم على رأس أنظمة رسمية وحمايتها وصولا إلى شن حروب مباشرة وغير مباشرة على حماة العروبة وما تتعرض له سورية خير دليل على ذلك”.
مفهوم العروبة يبقى لغة واحدة متقدة وانتماء اجتماعيا وحضاريا يتخطى الحدود رغم تعرضه للغزو والتغييب إلا أن قلب سورية لا يزال نابضا باسمها لإنعاش ما حاول الأعداء قتله من خلال ما سموه زورا “الربيع العربي”.
مها الأطرش
سيرياهوم نيوز 5 – سانا