د.جواد الهنداوي
وصفه الكاتب وليد شرارة ، وهو محقٌ في الوصف ،ب ” نادي الأثرياء المنفصل عن واقع عالم يحترق ” ،وهوعنوان للمقال ،المنشور في جريدة الاخبار اللبنانية ،بتاريخ ٢٠٢٤/١/١٨ .
اختار كلاوس شواب ،مؤسس المنتدى ، هدف وشعارالمنتدى لهذا العام ” اعادة بناء الثقة ” ، و من خلال معالجة اربعة محاور رئيسية : ضمان الامن والتعاون في عالم منقسم ، و إطلاق التنمية وإيجاد فرص عمل ، والذكاء الاصطناعي ، والمناخ والطبيعة و الطاقة .
شعارات وعناوين وخطابات المنتدى تدور جمعيها في مدار الاقتصاد والمال والطاقة والمناخ ، وتتناول مواضيعه ،لكن مآلاتها البعيدة سياسية بامتياز ، وتسعى ،بشكل او بآخر إلى الحفاظ على الهيمنة الإمبريالية ، او الإمبريالية الجديدة ، او هيمنة القطب الواحد ، لذا ندّدَ الوفد الصيني المشارك في المنتدى ، بالممارسات التمييزية الاقتصادية التي تمارسها بعض الدول ،بالإشارة طبعاً للولايات المتحدة الأمريكية .
شعار المنتدى هو ” أعادة بناء الثقة “، ولكن بين مَنْ و مَنْ ؟
بالتأكيد ليس بين امريكا والغرب و روسيا ،او بين امريكا و الصين ،او بين امريكا و الغرب و ايران ،او بين امريكا و الشعوب !
هو اعادة لبناء الثقة بين أمريكا وحلفائها ،بين امريكا واصدقائها . هو منتدى لتنشيط وتعزيز الولاء لليبرالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ،في ظرفٍ تتلاشى ثقة الحلفاء و الأصدقاء بأمريكا ،و في وقتٍ تتلاشي ثقة الشعوب بالنموذج الأمريكي الغربي .
كان حضور الصين ،وكأنه تمثيل للمحور الآخر ( روسيا ،ايران ودول اخرى ) والمناهض لسياسة القطب الواحد ،والهيمنة و العربدة الأمريكية الصهيونية .
حفاوة الترحيب ،التي أُستقبِل بها زيلينسكي ،الرئيس الاوكراني ،تفصحُ بوضوح عن عقيدة المنتدى ،و الولاء لمتبنيات كلاوس ،والتي هي ،في الحقيقة ، متبنيات أمريكية لا تخرج مطلقاً عن جهود و مساع في كيفية استمرار الهيمنة و سياسة القطب الواحد ، و لا علاقة لها بضمان الامن والتعاون ، اللّهُمَّ إلا أمن امريكا وإسرائيل ، وتعاون الدول لتحقيق ذلك .
يبدو المنتدى وكأنه لعالم آخر ،في كوكب آخر . شعاره بناء الثقة ، وعالمنا منقسّم الى محاور دولية وإقليمية، ويعجُّ بحروب بالوكالة بين امريكا و الغرب من جهة وروسيا من جهة ( أوكرانيا ) ، وأخريات في الشرق الأوسط ‘ وعالمنا يشهد حرب ابادة جماعية لشعبٍ ، وعدهُ العالم المتحضر ،والمُجتَمِعْ في دافوس ، في الحرية و الكرامة في دولة فلسطينيَة مستقلة .
قاطعَ الرئيس أوردغان المنتدى ، وأوعز لاعضاء الحكومة ومؤسسات الدولة التركيّة ، بعدم المشاركة في مؤتمر ، وذلك لدعم منظميه جريمة الابادة الجماعية في غزّة .
ومقاطعة الرئيس التركي للمنتدى تتماشى مع مواقفه وتصريحاته السابقة تجاه ما تقوم به إسرائيل في غزّة.فقد وصف ما يقوم به نتنياهو في غزة بأسوأ ما قام به هتلر ، ووصفَ جرائم إسرائيل في غزة كجرائم النازية في المانيا ( راي اليوم ،٢٠٢٣/١٢/٢٧) .
تجرّدَ المنتدى من اي بعد اخلاقي و إنساني في تغاضيه وإهماله جرائم الابادة في غزّة ،في وقت تنشغل محكمة العدل الدولية وكذلك محكمة الجنايات الدولية في النظر والحكم بجرائم الابادة وجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل . عدم التفات المنتدى لما يجري في غزّة ، ولو بكلمة او اشارة او مبادرة ، دلالة اخرى على عقيدة المنتدى ، ودليل آخر على انَّ المنتدى بعيد كل البعد عما تريده الشعوب وعما يهمُ الشعوب ، وأنه فعلاً منتدى لعالم آخر في كوكب آخر ،او كما وصفه الكاتب وليد شرارة ، في مقاله ،المُشار اليه أعلاه ، بانه ” نادي الأثرياء” .
ناقشَ المنتدى سُبلَ تعزيز الامن و التعاون بين دول العالم ، و يفتقد العالم أصلاً الامن والتعاون ،بل ،الأحرى يواجه العالم حروب ، لا حلول لها في الأفق . أمّا إذا توافقنا مع المؤرخ الفرنسي عمانؤيل تود ،فإنَّ العالم في حرب عالمية ثالثة ! ( كتابه ماقبل الأخير وبعنوان الحرب العالمية الثالثة قد بدأت ، في اللغة اليابانية ، صَدَرَ عام ٢٠٢٣ ).
لم يسلمْ رئيس الكيان الاسرائيلي ،خلال حضوره المؤتمر ،من ملاحقات جنائية ، حيث اعلن مكتب الادعاء العام السويسري ان السلطات تسّلمت عدداً من الشكاوى ضّدَه ، وفي مُدن سويسرية مختلفة ،ومن جهات شخصّية و مؤسسات دولية ومنظمات حقوقية مختلفة .
*سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروصسىب بي للسياسات وتعزيز القدرات ،بروكسل ، ٢٠٢٤/١/٢٢.
(سيرياهوم نيوز ٢-الحوار نيوز)