آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » قلب أميركا المثقل.. ماذا عن قلوبنا؟

قلب أميركا المثقل.. ماذا عن قلوبنا؟

د. بسام أبو عبد الله

 

يوم الأحد 28/1/2024 وقع هجوم على البرج 22 على الحدود السورية- الأردنية، حيث توجد قاعدة أميركية ليست معروفة كثيراً، تنقل الإمدادات لقاعدة التنف غير الشرعية في الأراضي السورية، حيث تدير الولايات المتحدة من هناك حربها ضد الدولة السورية والشعب السوري، وتعمل على حماية أمن الكيان الصهيوني من تلك الخاصرة، كما تقوم من هناك بإدارة خلايا داعش في البادية السورية، وتسلحهم وتمدهم بالمعلومات لاستنزاف الجيش العربي السوري والقوى الحليفة.

 

العملية ليست الأولى التي تستهدف قواعد الاحتلال الأميركي في سورية والعراق، إذ اعترف البنتاغون بأكثر من 157 هجوماً على قواته منذ بدء الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة في 7/10/2023، وهذه العمليات لم تكن مفاجأة لأنها أفعال طبيعية، ومساندة للمقاومة الفلسطينية البطلة، ورد فعل بديهي على ما ترتكبه الحكومة الفاشية في الكيان من جرائم وقتل بتأييد مباشر من إدارة بايدن التي لم تُخف على الإطلاق دعمها اللامحدود للكيان المجرم بالسلاح والمال والمساندة الدبلوماسية والسياسية والتضليل الإعلامي، ومع ذلك كله، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن قال بعد مقتل جنود أميركيين، وجرح العشرات بأن «قلب أميركا مُثقل بمقتل جنودها»، وستحاسب واشنطن المسؤولين عن الحادث، وبالطريقة التي تختارها، كما سنحافظ، والكلام لبايدن، على الالتزام المقدس تجاه عائلات الضحايا، ومكافحة الإرهاب!

 

الرئيس بايدن يعبر بالطبع عن عواطفه تجاه مقتل ثلاثة جنود أميركيين، وعن أن قلب أميركا مُثقل، والسؤال الذي يجب أن يُطرح عليه، وعلى إدارته: ماذا عن قلوبنا المثقلة بمشاهد الإبادة للأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس والبنى التحتية والإعدامات الميدانية للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية؟

 

وماذا عن الحصار الاقتصادي والمعيشي وحملات التجويع ضد الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين؟ وماذا عن سرقة النفط السوري والقمح ودعم التنظيمات الإرهابية والانفصالية وتهديد وحدة الدولة السورية وسيادتها واستقلالها؟ وماذا عن كل ما حدث في هذه المنطقة من تدمير وحروب وتصدير للإرهابيين؟ ماذا عن ذلك كله؟ من قال لك سيادة الرئيس بايدن إن قلوبنا ليست مثقلة تجاه ممارساتكم وسياساتكم التي دمرت منطقتنا، وتريد اجتثاثنا من جذورنا وترحيلنا من أرض آبائنا وأجدادنا؟

 

سياسات أميركا كلها عبر عقود من الزمن تقود لنتيجة واحدة: تزايد الغضب ضد واشنطن، وقواتها المحتلة في بلادنا، والدعم المطلق لسياسات كيان فاشي- عنصري لا يكشف إلا الوجه القبيح لأميركا والغرب الجماعي الذي ينساق خلفها، على الرغم من أن اتجاهات عديدة داخل أميركا بدأت تُعلي الصوت من خطورة ذلك، إذ كشفت قناة «سي إن إن» في 10/11/2023 عن تلقي بايدن تحذيرات سمتها «صارخة» من دبلوماسيين أميركيين في العالم العربي من أن دعم واشنطن القوي للحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة يجعلها تخسر الجماهير العربية على مدى جيل كامل، وحسب ما أشارت القناة الأميركية فإنها اطلعت على برقيات دبلوماسية تسلط الأضواء على القلق العميق في أوساط المسؤولين الأميركيين من الغضب المتنامي ضد الولايات المتحدة في العالم العربي منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، وحذرت إحدى البرقيات الواردة من مسقط العاصمة العُمانية أن أميركا «تخسر بشدة في معركة الرسائل» وأن الدعم القوي لما تقوم به إسرائيل في غزة ينظر إليها على أن «أميركا تتحمل مسؤولية مادية وأخلاقية عما يعتبرونها جرائم حرب ضد الفلسطينيين».

 

وفي برقية أخرى من السفارة في مصر، أشارت إلى ما ورد في صحيفة رسمية مصرية، جاء فيها: «إن قسوة الرئيس بايدن، وتجاهله الفلسطينيين تجاوز كل الرؤساء الأميركيين السابقين»، هذه البرقيات وغيرها، أرسلت لمجلس الأمن القومي، ولوكالة الاستخبارات المركزية سي أي إيه، ولمكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي آي»، لإحاطتها بحجم الغضب المناهض لأميركا، حسب قناة «سي إن إن».

 

إضافة لذلك كله فإن مسؤولين في الإدارة كانوا قد أشاروا في جلسة استماع في الكونغرس بتاريخ 8/11/2023 وحذروا من تصاعد الغضب ضد أميركا وإسرائيل بسبب الحرب على غزة، منهم مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، التي اعترفت بتصاعد مشاعر العداء، واعتبرت أن ذلك مشكلة يجب حلها، حتى يستمر الدور الأميركي في المنطقة، في حين قالت زميلتها نائبة مساعد وزير الدفاع، دانا سترول، إنه إذا لم يتم تقليص الخسائر بين المدنيين في غزة فإن عمليات إسرائيل ستنتهي إلى إخفاق استراتيجي.

 

إذا أضفنا لذلك كله مطالبات أعضاء الكونغرس الأميركي، ومنهم رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مارك وارنر، الذي رأى أن إسرائيل تخسر معركة الرأي العام العالمي، وهو ما تظهره الاحتجاجات في كل مكان، وأما زميله السيناتور، كريس ميرفي، فقد رفع برقية مع عشرين من زملائه للرئيس بايدن يحثونه فيها على مطالبة إسرائيل بـ«احترام قوانين الحرب، والتعلم من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب».

 

الحقيقة أن قلب شعوب المنطقة مثقل، وممتلئ بالرفض المطلق للسياسات الأميركية الخاطئة والمدمرة، التي عكست عقلية الاستعلاء والاستهزاء والازدراء لشعوبها، وما لم تتخلص من ذلك فإن قلبها سيزداد تمزقاً، إذ يفترض أن أكثر من عشرين عاماً في أفغانستان ثم الهروب منها، والانخراط الاحتلالي في سورية، وقيادة الحرب الفاشية عليها ثم الفشل، ولبنان، والدعم المطلق لحرب الإبادة في غزة، قد علمت واشنطن دروساً كلفتها 9 تريليونات دولار، وكلفت شعوب المنطقة مئات آلاف الضحايا، ودماراً واسعاً، وتأخراً في التنمية والازدهار، وتنامياً للفوضى التي تعتقد واشنطن أن بإمكانها أن تديرها لتخدم مصالحها.

 

للأسف فإن اللغة العاطفية لا تصلح في عالم اليوم والأمس، إذ يؤكد أحد أساتذة المدرسة الواقعية في الولايات المتحدة، جون ميرشايمر، أن الحياة الدولية ستستمر في صراعها من أجل القوة، وأن المنافسة بين القوى العظمى قدر البشر المأساوي، والعالم الآن لا يختلف كثيراً عما كان عليه من قبل، ويشير إلى أنه إذا كان للسلام أن يستمر فيجب أن يبنى على توازن قوى مستقر، وليس على انتشار الأفكار المثالية والأخلاقية فحسب.

 

ما أريد قوله باختصار: إن عامل القوة والردع هو الذي يدفع كيان الاحتلال الإسرائيلي وداعميه للتفكير مرتين قبل توسيع الحرب من غزة باتجاهات أخرى، ولولا تراكم قدرات شعوب المنطقة، وحركاتها المقاومة، وإشعارها العدو أن زمن الحروب السريعة والانتصارات المطلقة قد ولى، لما نما توازن قوى جديد في المنطقة بفضل صبر شعوبها وتضحياتهم ومقاومتهم، وليس بفضل المفاوضات والمسارات السلمية، لأن المفاوضات والتسويات تحتاج للقوة لحمايتها واستمراريتها، وأحداث غزة أظهرت أن كيان الاحتلال لا يحترم الاتفاقيات، ولا الالتزامات تجاه الآخرين، لأن منطق القوة للأسف هو الذي يفوز، وكي لا تبقى قلوبنا مثخنة بالجراح ومتألمة ما علينا سوى تعزيز قوتنا، وعوامل صمودنا في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.

 

سبق لصاحب نظرية «صراع الحضارات» هنتنغتون أن كتب ما يلي: «لقد فاز الغرب بريادة العالم ليس لتفوق أفكاره أو قيمه، بل لتفوقه في تطبيق العنف المنظم، غالباً ما ينسى الغربيون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا ينسونها أبداً».

 

ولأننا لا ننسى، فقد نشأ رد فعل يتمثل بالمقاومة التي يبدو لي أنها الخيار الوحيد لخلق توازن ردع مطلوب لضمان أمننا واستقرارنا، فالحرب كما يقول ميرشايمر «هي نقطة التحول الحتمية لإعادة تعريف موازين القوى»، والسياسة لا يمكن اختزالها في التفاعلات الاقتصادية فقط، بل لابد من النظر بشكل أعمق للأبعاد الثقافية والاجتماعية والتاريخية.

 

وكي لا تبقى قلوبنا مُثقلة بالألم والحسرة والحزن، ما علينا إلا الاستمرار ببناء قوانا الذاتية لخلق توازن يمكن أن يدفع الآخرين للتفكير مرتين قبل أن يدمي قلوبنا.

 

كاتب سوري

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...