علي عبود
لم يكتسب الاجتماع الحكومي المصغّر يوم 31/1/2024 لبحث تأمين مادة القمح في ظل مخاطر ارتفاع الأسعار العالمية، أيّ أهمية، وكأنّه لم يكن، لأن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 تخلّت عن مبدأ الإعتماد على الذات لصالح الاقتصاد الريعي والخدمي، وهانحن نحصد مازرعته تلك الحكومات.
ولو أن سورية اعتمدت على سواعد منتجيها، لا على سواعد المستوردين، ووفرت لهم مستلزمات محاصيل القمح لكانت الآن بمنأى عن المخاطر التي تحيط منذ أشهر بالإقتصاد العالمي.
نعم، كان يُمكن للإجتماع الحكومي المصغر أن يكتسب أهمية كبيرة واستثنائية لو تمحور حول الإجابة على سؤال واحد فقط: أيهما أجدى في القادم من الأيام أن نستمر باستيراد القمح مع ارتفاع تكاليف الشحن والتامين، أم نوفر مستلزمات المساحة المزروعة بالقمح في المناطق الآمنة بأسعار مدعومة فعليا لاورقيا؟
لم يفت الآوان بعد أمام الحكومة للإفلات من المخاطر التي هجمت على المنطقة وتهدد شرايين اقتصادها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولو كانت جادة لشكلت لجنة طوارئ وزارية يكون شغلها الشاغل تأمين المستلزمات الكافية لإنتاج حاجتنا من الحبوب والبقوليات ليس لهذا العام فقط، وإنما للأعوام القادمة أيضا!
حسب وزارة الزراعة فإن المساحة المخطط لزراعتها بالقمح في المناطق الآمنة تبلغ 537 ألف هكتار، فإذا توفرت لها المستلزمات المدعومة بالكميات الكافية وبالأوقات المناسبة، فإن مردود الهكتار الواحد لن يقل عن ثلاثة أطنان، أيّ يمكن أن يتجاوز إنتاجنا من القمح 1.6 مليون طن، فإذا أضفنا إليها الكميات التي يُمكن استجرارها من المناطق غير الآمنة، فإن الإنتاج الفعلي يمكن أن يتجاوز المليوني طن!
وما يُقال عن القمح يُقال عن المحاصيل الأخرى، ومن المؤسف مثلا أن يتعرض محصول الذرة خلال موسمين متتاليين للإهمال والهدر بسبب رفض اللجنة الاقتصادية الموافقة على شراء المجففات بذريعة ان هذه مهمة تقع على عاتق القطاع الخاص.
مايثير الإستغراب فعلا، بل والإستفزاز، أن (يستعرض الاجتماع الحكومي مساحات القمح المزروعة، والكميات المتوقع استجرارها ومقارنتها مع كميات القمح المطلوبة لتلبية الاحتياج من مادة الخبز على مدار العام، وكيفية سد فجوة النقص الحاصلة)، هل يعني هذا أن مجلس الوزراء يجهل ماتضمنته الخطة الزراعية التي أقرها العام الماضي؟
وبما أن الاجتماع الحكومي لفت، ولم يؤكد، (أن الإنتاج المحلي هو المسار الأكثر أماناً لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير ما أمكن من مقومات الاكتفاء الذاتي)، فهل ستحتاج الحكومة إلى المزيد من الإجتماعات غير المهمة كي تقتنع أخيرا وقبل فوات الآوان بأن خلاصنا الوحيد بالعودة إلى نهج (الأولوية للزراعة) وإلى نهج الإعتماد على الذات لتأمين احتياجاتنا من السلع الغذائية مع فائض للتصدير مدرّ للقطع الأجنبي؟
الخلاصة: نأمل أن تأخذ الحكومات سواء الحالية أم القادمة العبر من الأحداث التي تجري في منطقتنا وفي العالم، وتعيد النظر بسياسات تحرير أسعار مستلزمات القطاعين الزراعي والصناعي، والإصرار على بيعها بالأسعار الرائجة، فهذه السياسات قلصت الإنتاج والتصدير، ودفعت المنتجين للتخلي عن زراعة المحاصيل الإستراتيجية والإتجاه لزراعات أقل كلفة وأكثر مردودا.
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)