لا شك في أن التعليقات التفاعلية القصيرة على شبكة الإنترنت، إن كانت تعليقات على محتوى أشرطة الفيديو أو المقالات أو المدونات أو غيرها، هي نافذة مهمة تطلّ على كيفية التفاعل البشري والمشاركة في العصر الرقمي.
وفي الوقت الذي قد تكون بعض التعليقات بغيضة أو مسيئة أو مضلِّلة، إلا أنها قد تقدِّم معلومات قيِّمة للشركات والأفراد على حدٍّ سواء، كما تُمكّن المشجعين والمعلِّقين من التواصل على نطاق لم يسبق له مثيل من قبل.
– التعليقات منذ القدم..
إلى جانب التعليقات البشرية المعتادة في التجمعات الاجتماعية العادية إن كانت في المقاهي أو المجالس أو غيرها، ظهرت هناك التعليقات المكتوبة منذ العهود القديمة ويعود بعضها إلى تلك التعليقات التي وُجدت على المخطوطات السومرية الأولى في بابل القديمة، لكنها لم تتطور إلى شكلها الرسمي المكتوب إلا من خلال التعليقات التي كانت ترسل إلى الصحف.
إذ بدأ التشجيع عليها عندما راح المحرِّرون يتحدثون عن وجوب انهيار الحواجز وإزالة العلاقات الهرمية بين الكتّاب وقرائهم.
ولكن تلك التعليقات كانت محدودة، غير متوافرة للقراءة من قبل الجميع، وذلك حتى ظهور الإنترنت عندما أصبحت التعليقات والمراجعات أسهل من حيث نشرها وقراءتها والتفاعل معها.
وتمثل هذه التعليقات تفاعلاً على محتوى معيَّن من خلال دوافع مختلفة، وبذلك قد تكون غنية بالمعلومات أو مضللة أو مسلية أو مملة أو حاقدة أو حتى خارجة عن الموضوع تماماً.
– التعليقات وعالمها السفلي..
قد يقول البعض إنَّ هذه التعليقات هي أحد أكثر التطورات البغيضة على الإنترنت، وإنها تنتمي إلى عالم الإنترنت السفلي إذ إنها غالباً ما تكون في أسفل المقال أو الفيديو أو المدونة، وبالتالي يجب تجاهلها وعدم قراءتها.
وهناك من يقول إن قراءة هذه التعليقات لها تأثير سلبي على التركيز على المضمون وعلى احترام الذات، والنظرة إلى العلاقة مع الآخرين.
وبناءً على ذلك قام عدد من الصحف الالكترونية بوقف العمل بالتعليقات على مواقعهم الإلكترونية، بحجة أنّ التعليقات على الإنترنت، ولاسيما المجهولة المصدر، تقوّض نزاهة العلم وتؤدي إلى ثقافة السخرية والعدوان التي تعيق الخطاب العلمي الموضوعي.
ولكنَّ هناك رأياً آخر يقول: إن الدعوة إلى عدم قراءة التعليقات وتجاهلها، مشروع غير قابل للتطبيق، لأن الإنترنت بحد ذاتها هي شبكة ضخمة ومتشعبة من التعليقات، كما أن وسائل الإعلام الاجتماعية، بالإجمال، وتويتر على وجه الخصوص، هي تراكم مستمر من التعليقات والهوامش وأي تغريدة على الإنترنت هي في الأساس موضوعة لإثارة مزيد من التعليقات عن طريق الرد أو إعادة استخدامها من جديد أو حتى الاستشهاد بها.
ومما لاشك فيه أن العنصر الأخطر في هذه التعليقات هو في إمكانية القيام بها من دون الكشف عن هوية المعلِّق الحقيقية.
وقد وصف الطب النفسي هذه الظاهرة بنظرية «تأثير إزالة الكبت على الإنترنت»، التي تقول إنه في اللحظة التي تتحرَّر هوية الشخص من القيود المفروضة عليه يتغير سلوكه المعتاد بشكل كبير.
كما يمكن الإشارة هنا إلى القول المشهور «على الإنترنت لا أحد يعرف بأنك كلب» الذي اشتهر على إثر رسم كرتوني للفنان الكاريكاتوري بيتر ستاينر في مجلة النيو يوركر الأمريكية.
ويُظهر الرسم كلبين، أحدهما يجلس على كرسي أمام شاشة الكمبيوتر وهو يقول هذه العبارة لكلب آخر جالس على الأرض في جواره.
ومنذ 2011م أصبح هذا الرسم أشهر الرسوم الكاريكاتورية التي رسمتها المجلة، وأصبح هذا القول يتردد على لسان كل من يريد أن يعبِّر عن إمكان إخفاء هويته على الإنترنت.
من ناحية أخرى، تبيَّن أن إخفاء الهوية يشجِّع على المشاركة، حيث يشعر المشاركون بأنهم يعززون المشاركة المجتمعية الأوسع دون التركيز على هوياتهم المحدَّدة.
كما أن إخفاء الهوية يمكنه أن يعزِّز التفكير الإبداعي، وذلك حسب دراسة أجراها علماء النفس.
– قيمة تجارية بحد ذاتها..
وفي قراءة للتعليقات المستخدمة في عالم التسويق على الإنترنت كانت الملاحظة بأنها تحتوي على كمية كبيرة من التلاعب والاستغلال والمصالح التجارية.
وهنا تتحول التعليقات إلى وسائل دعائية غير مشروعة في بعض الأحيان.
فهناك بعض المطاعم التي تعطي الكوبونات مقابل المراجعات الإيجابية على الإنترنت.
وفي بعض الأحيان، أيضاً، يطلب الكتّاب من الأهل والأصدقاء كتابة مراجعات لكتبهم وأحياناً يقومون بذلك هم أنفسهم.
كما يقوم بعض الأشخاص بتحرير السِيَر الذاتية على ويكيبيديا ويشتري بعض المشاهير الأتباع والمشجعين.
هذا بالإضافة إلى أن هناك رغبة، تقترب إلى الهوس، لتقييم وتصنيف كل شيء على الإنترنت، وهذا هو جزء من دينامية «مراجعة الطلب» في العصر الرقمي.
وقد أصبح لتعليقات المستخدمين على الإنترنت قيمة تجارية مهمة، فعلى سبيل المثال، قام موقع «TripAdvisor»، أهم موقع للسفر في العالم، بشراء موقع السفر الآخر «Expedia» بقيمة 200 مليون دولار أمريكي واشترت غوغل دليل تصنيف المطاعم «Zagat» بـ 150 مليون دولار أمريكي.
لقد أصبحت التعليقات سمة من سمات العصر الحديث، إذا ما كانت تنتمي إلى عالم سفلي هامشي أم لا.
قد تتغير الوسيلة ولكن الناس لا يتغيرون، السؤال يبقى هل يكون للمتصيدين والمتلاعبين التأثير الأقوى على الإنترنت؟
سيرياهوم نيوز 2_الثورة