باسل علي الخطيب
قلت في مقال سابق لي قبل اسبوعين أن المنطقة مقبلة على فترة هدوء نسبي، وان هذا المخاض الذي تعيشه المنطقة قد اقترب من خواتيمه، وان كان من الممكن أن تكون هذه الخواتيم قاسية جداً….
حرب غزة هذه هي آخر الحروب الكبرى في المنطقة، ولفترة لن تقل عن ربع قرن على الاقل، وكل المعارك العسكرية التي ستحصل لاحقا خلال السنتين القادمتين لن تكون في إطار تغيير المعادلات، إنما في إطار تثبيت المعادلة الجديدة، وقد تكون هذه المعارك شكلاً من أشكال التفاوض…
هذا الهدوء النسبي سيتم تثبيته تدريجياً على مدى العامين القادمين، وذاك سيكون إعلانا عن انتقال المنطقة والعالم ككل إلى مرحلة جديدة أو أعلى من الصراع، صراع لن يكون فيه للسلاح دور عملي كبير، وسيقتصر دوره على دور الرادع، هذا الصراع لن يكون حتى صراعاً سياسيا ولا حتى اقتصادياً، بل سيكون صراعا قيميا بين عدة منظومات قيمية، وسيكون العامل الاقتصادي حاسماً في هذا الصراع…..
من نافلة القول إن كل دول المنطقة تعيش أزمات مختلفة، وبعضها أزمات وجودية، وأنها كلها قد صار ظهرها للحائط، بعد أن استنفذت كل هذه الدول كل أدواتها في محاولة تغيير المعادلات أوفي محاولة تحقيق الحد الأعلى من مصالحها أو حماية وجودها واستقلالها أو حدودها…
هذا الكلام ينطبق كذلك على الدول الكبرى الفاعلة في المنطقة، أقصد امريكا وروسيا وأوروبا وفي جانب أقل الصين، كونها الدولة الوحيدة من بين الكل التي لم تتورط في الدم…..
الشيء المذهل المميز لكل دول المنطقة والقاسم المشترك الأكبر بينها أنها كلها لاتعرف بالضبط ماذا تريد، بكلام آخر كل دول المنطقة وكياناتها تعيش مرحلة التيه الاستراتيجي، وهذا عائد بالدرجة الأولى إلى ان كل دول المنطقة تعاني أزمات داخلية تصل حد القلق الوجودي، وبالتالي ليس عندها ادراك واضح لما هو الحد الأدنى من المصالح أو ماهو الحد الأعلى منها، عدا عن كون أغلبها وبنسب متفاوتة غير مستقلة القرار السياسي، لعدم امتلاكها عوامل استقلالية هذا القرار من الناحية الاقتصادية والثقافية والنفسية….
لاحظوا أن كل انظمة الحكم في المنطقة لديها معارضة شرسة (داخلية)، وقد تظهرت هذه المعارضة في بعضها على شكل صراع عسكري، ولم تتظهر في البقية عسكرياً ليس لشيء سوى أن اللاعب الخارجي لم يتدخل ولم يستعمل هذه الوسيلة لمحاربة هذا النظام أو ذاك النظام، هذا يقودنا إلى الاستنتاج الخطير التالي: أن كل دول المنطقة بلا استثناء تحمل عوامل الانقسام في داخلها، وأنه من السهل اللعب بإعداداتها نتيجة تراكمات تاريخية هائلة ألقت بكاهلها الثقيل عليها، سواء كانت اثنية أو دينية أو مذهبية أو عشائرية أو ثقافية….
يبدو أن النخب الحاكمة في المنطقة ونتيجة لنتائج ذاك المخاض أعلاه، قد أدركت أن لايمكن وبالقوة إلغاء احد، وأنه مهما كان في صفك حلفاء أقوياء فهذا لن يحسم الصراع، وهذا الاستنتاج قد تجلى لاول مرة كواقع سياسي لامفر منه اول مرة مع الحرب على سورية، واكدته حرب غزة، فالكيان قد استعمل كل فائض القوة الهائل الذي لديه في الحرب، وقد مضى عليها قرابة اربع أشهر ولم يصل إلى تحقيق اهدافه التي اعلنها، عدا عن أنه لولا مسارعة الولايات المتحدة وأوروبا لدعمه في الأيام الأولى بعيد 7 تشرين لكان إنهار من الداخل….
وفي الجانب الآخر من المعادلة، يدرك الطرف الآخر أنه قد تم استنزافه إلى الحد الأقصى تقريباً، وليس له أن يخطو خطوة أخرى مؤثرة إلى الامام في المرحلة الحالية حتى يستجمع قواه…
كل ذلك يجعل التهدئة في مصلحة الكل، ولكنها لن تكون مجرد تهدئة، ولن تكون مجرد هدنة….
يتبع…..
(سيرياهوم نيوز ١)