شربل كريّم
من فضيحة محتملة إلى فرحةٍ مرتقبة. هكذا تبدّلت أحوال منتخب الأردن بين ليلةٍ وضحاها، فتحوّل من منتخبٍ لا يعرف الطريق إلى الانتصارات في المباريات الوديّة والرسمية، إلى آخر يحظى بكلّ الاحترام، وصاحب هيبةٍ يخافه الجميع، لا بل يرشّحونه الآن للفوز بكأس آسيا بعد وصوله إلى المباراة النهائية. لكن كيف حدث هذا كله؟
قد يكون وصول منتخب الأردن إلى المباراة النهائية في كأس آسيا إحدى أكبر المفاجآت في تاريخ البطولة، لا لأنه حقّق انتصارات صارخة أو لأنه أطاح بمنتخباتٍ قوية، بل لأنه قبل شهرٍ من الزمن كان الأمل مفقوداً بتحقيقه أيّ شيء يُذكر في البطولة القارية.هذا الشعور ساد الشارع الأردني منذ الصيف الماضي وحتى مطلع السنة الحالية، وتحديداً منذ تعيين المدير الفني المغربي الحسين عموتة مدرّباً لـ «النشامى».
القصة بدأت في أواخر شهر حزيران من العام الماضي عندما أعلن الاتحاد الأردني عن التعاقد مع عموتة، الذي طالب الجمهور بإقالته تفادياً لفضيحة محتملة في نهائيات كأس آسيا، وذلك بعدما خاض المنتخب تحت إشرافه 7 مباريات، فخسر في 5 منها وتعادل في مباراتين.
أولى الخسائر كانت أمام النرويج بسداسية نظيفة، وآخرها كانت أمام لبنان (1-2) وديّاً قبل شدّ الرحال إلى العاصمة القطرية الدوحة. هناك ارتفع منسوب التشاؤم رغم أنّ الأردنيّين حقّقوا الفوز الأول لهم بقيادة عموتة، وكان أمام خصمهم في نهائي آسيا، المنتخب القطري (2-1). لكنّ الخوف عاد بقوة بعد سقطةٍ بسداسية أخرى، وهذه المرّة أمام اليابان.
انضباط وتكتيك
هنا تحدّث الكل عن نهاية مبكرة لمنتخب الأردن أسوةً بالمنتخبات المتخبطة بنتائجها، ولكن هذا المنتخب بالتحديد كان أكثر من أحدث تخبّطاً في صفوف الخصوم، ليسقطهم الواحد تلو الآخر، وذلك بفضل قوة فنية وأخرى ذهنية، استفاد منها المدرب المغربي إلى أبعد الحدود ليحوّل رجاله إلى مجموعة جائعين لتحقيق الانتصارات، والأهم مستمتعين بكل دقيقة يقضونها سويّاً على أرض الملعب.
بالفعل، كان الفوز على ماليزيا برباعية نظيفة في الجولة الأولى من دور المجموعات، نقطة انطلاق فعلية في المشوار الأردني، إذ هناك سقطت كل الضغوطات، وبات الأردنيون وكأنهم يستمتعون بأحداث البطولة والمباريات، إذ تفنّنوا بالاحتفالات التي استفزّت المنافسين في مكانٍ ما، وخلقت أجواءً جديدة في مكانٍ آخر.
هذا في الجانب النفسي إذا صحّ التعبير، ولكن في المجال الفنّي، كانت هناك عدة تحوّلات أبرزها انضمام قائد الأردن السابق عبدالله أبو زمع إلى الجهاز الفني بعدما كان عموتة قد اختار مدربين مساعدين من أبناء بلاده.
هذه النقطة كانت مهمة جداً على الصعيد الانضباطي على اعتبار أنّ مدرب الأنصار السابق يحظى باحترامٍ كبير من اللاعبين ويعرف كيفية التعامل معهم، ما مهّد الطريق أمام نظيره المغربي لإرساء إستراتيجيات وعملٍ تكتيكي كانت ثماره الانتصارات التي أوصلت منتخبه إلى المباراة النهائية.
خطط ذكيرة وحرية
ومنذ بداية البطولة القارية، تحوّل عموتة إلى اللعب بثلاثة قلوب دفاع وسط أداء رائع قدّمه الثلاثي يزن العرب، سالم العجالين وعبد الله نصيب. وهذه الصلابة الدفاعية ترافقت مع فعاليةٍ رهيبة، إذ لم تكن هناك أيّ ضرورة للسيطرة على الاستحواذ في كل المباريات من أجل الفوز، بل اللعب على أخطاء الخصوم وترجمتها إلى أهداف، والدليل أنّ نسبة استحواذ «النشامى» خلال المباراة أمام كوريا الجنوبية وصلت إلى 30.4%، ولكن رغم ذلك تمكّنوا من ضرب الكوريين بالمرتدّات بعدما أغلقوا لهم خطوط التمرير وعطّلوا مفاتيحهم بالرقابة اللصيقة، وذلك في موازاة خلق ضغطٍ مفاجئ في وسط الملعب سمح لهم باسترجاع الكرة ونقلها سريعاً إلى الخطّ الأمامي حيث يوجد النجمان موسى التعمري ويزن النعيمات.
قبل شهرٍ من الزمن، كان الأمل مفقوداً بتحقيق الأردن أيّ شيء يُذكر في كأس آسيا
هذان المهاريان ومعهما محمود المرضي، جعلا إستراتيجية 3-4-3 مثالية بعدما تحوّل الثلاثة إلى خطٍ دفاعيّ أوّل يمنع الخروج السريع للكرة من ملعب الخصوم قبل أن يتحوّلوا سريعاً إلى الهجوم عند قطعهم لها، مستفيدين تحديداً من التعمري والنعيمات.
كل هذا الجانب التكتيكي التقى مع مسألتين أساسيّتين جلبتا النجاح، أوّلهما حُسن قراءة عموتة للمنافسين، وتحريره لاعبيه من الضغوط، ما جعلهم خلّاقين على أرضية الميدان، ولكن من دون إهمال الواجبات التي خصّهم بها المدرب. أما الأهم، فهو الروح القتالية الاستثنائية التي تمتّع بها كلّ لاعب لدرجةٍ بدا وكأن كل واحد منهم يخوض آخر مباراةٍ في مشواره الكروي.
هم أصلاً سيخوضون السبت (الساعة 17.00 بتوقيت بيروت) أهمّ مباراةٍ لهم في مشوارهم، إذ إنّ لعب نهائي كأس آسيا كان حلماً وخيالاً في الماضي القريب، ولكن الكأس نفسها أصبحت قريبة جداً لتحقّق أحلام شعبٍ عاش الهزائم المتتالية منذ مدّةٍ قصيرة، ولكن كرة القدم قرّرت مكافأة منتخبه على مجهوده الكبير.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية