هناء غانم
حاول الباحث الاقتصادي الدكتور أيهم أسد خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي تسليط الضوء على تطور الفكر المالي في الكثير من اقتصادات العالم والذي أدى إلى ظهور ما يسمى بـ«الموازنات المفتوحة».
وأوضح أن تلك الموازنات التي تعرض من خلالها وزارات المال نفقاتها وإيراداتها بشكل علني وشفاف على المواطنين من أجل معرفة ماذا وكيف وأين تنفق الحكومات مواردها المالية من ضرائب ورسوم وغيرها. وذلك كجزء مما يسمى «شفافية إدارة المال العام» في الحكومة، الأمر الذي يقوي ثقة المواطنين والمستثمرين والحكومات الأخرى باقتصاد الدولة المعنية.
تساؤلات عديدة أثارها الباحث وفي مقاربة سريعة لهذا المفهوم مع الحالة السورية، مبيناً أن الاقتصاد السوري أبعد ما يكون عن موضوع «شفافية إدارة المال العام»، فباستثناء ما يتم نشره من مراسيم وقوانين مالية تتعلق بزيادة الرواتب والأجور والضرائب وقوانين إصدار الموازنة العامة للدولة، وقليل من مناقشات مجلس الشعب حول بعض الأرقام العامة جداً في الموازنة العامة للدولة فإننا لن نجد شيئاً متاحاً للرأي العام حول إدارة المال العام، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تملك الحكومة الجرأة الكافية لعرض تفاصيل المال العام على الرأي العام؟ والنتيجة أنه لا الأكاديميين المختصين، ولا الباحثين في الشأن الاقتصادي، والمستثمرين، والرأي العام يعرفون شيئاً عن كل ما يتعلق بتفاصيل المال العام، علماً أن شفافية إدارة المال العام تقع في صلب العقد الاجتماعي وعلاقة المواطن مع دولته، وتعبر عن مدى اتساع الثقة بينهما، وتدل على مدى احترام حقوق المواطنين والتعامل معها بشفافية ووضوح، كما تشير في الجانب الآخر إلى مدى ثقة الحكومات بالقرارات والإجراءات المالية التي تتخذها وتتبعها، ومقدار النزاهة في جباية وصرف المال العام.
شفافية إدارة المال العام
عرج الباحث في محاضرته على مفهوم شفافية إدارة المال العام وضرورة توفير بيانات ومعلومات وتقارير مالية موثوقة وشاملة ومصنفة بدقة بشأن أنشطة الحكومة المالية في الماضي والحاضر والمستقبل، وتفيد شفافية المال العام المواطنين بإعطائهم المعلومات التي يحتاجون إليها لمساءلة حكوماتهم عن خيارات سياساتها المالية والنتائج التي ترتبت عليها.
كما تستفيد الحكومات الأكثـر شــفافية ماليــة مــن قدرتها على الوصول إلى مصادر التمويـل الدولي، مثلما تستفيد الأسواق والمستثمرون من تلك الشفافية في تحليل الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية للحكومات.
وتتطور الشفافية المالية أكثر وصولاً إلى ما يسمى بـ«الموازنة المفتوحة» والتي تعني نشر الحكومات أغلب بياناتها المالية على مواقعها الإلكترونية وإتاحة وصول المواطنين كلهم إليها من دون استثناء كأحد حقوق المواطنين المالية.
وقال: ما زالت مقومات شفافية إدارة المال العام في الاقتصاد السوري وفق تعاريف ومكونات الشفافية السابقة في حدودها الدنيا، فالكثير من البيانات المالية لا تنشرها الحكومة لعموم المواطنين، ولا تقدمها حتى للمختصين لمناقشتها علناً، أو لمعرفة آرائهم العلمية فيها، فالحكومة مثلاً لا تنشر مشروع الموازنة العامة للدولة ولا حسابها الختامي، في الوقت الذي لا توجد فيه تشريعات حكومية تحث الحكومة على ضرورة نشر بياناتها المالية بشكل دوري، فلا يوجد قانون يفرض على الحكومة ضرورة نشر بياناتها المالية وإتاحتها للجمهور في أي خطوة من خطوات إعداد الموازنة، وغالباً ما تعطي الحكومة الكثير من الخصوصية لبياناتها المالية وتقيد الحصول عليها.
مكونات شفافية إدارة المال العام
وأوضح الباحث أن هناك عدة مكونات لإدارة المال العام ويتجلى أبرزها بالعلنية والوضوح والحداثة وعدم التضارب مع بعضها وتوضيح أسباب تغييرها أو تعديلها، إضافة لذلك لابد من وجود شفافية في العقود والمناقصات وعمليات مكافحة التهرب الضريبي والتحصيل الضريبي، والأهم إتاحة البيانات للرأي العام والإعلام والقطاع الخاص بالشكل والتوقيت المناسبين وبالوقت ذاته إعلان المخاطر المستقبلية المتعلقة بالمال العام وإعلان توقعات السياسة المالية لفترات قادمة.
وعن الحالة السورية أشار إلى أنه من مهام وزارة المالية وضع وإدارة وإغلاق الموازنة العامة للدولة وتقديم جميع مشروعات القوانين المالية العامة واقتراح وتنفيذ السياسة الضريبية في ضوء السياسة المالية والاقتصادية العامة للدولة ووضع الخطط اللازمة وتنفيذها وفق المادة 3 من القانون 41 عام 2007، مبيناً أن الدستور السوري أجاز لمجلس الوزراء وضع مشروع الموازنة العامة للدولة وأنه من اختصاصات مجلس الشعب إقرار الموازنة العامة والحساب الختامي (المادة 75 – 4) من الدستور، إضافة إلى مراقبة حركة المال العام من ناحية الإيرادات والنفقات وفحص الموازنة العامة للدولة بناء على المرسوم التشريعي 64 عام 2003.
أما ماذا تتطلب الحالة السورية فقد أشار الباحث إلى أهمية نشر التشريعات المالية الأساسية الناظمة لإدارة المال العام وكذلك نشر أرقام الإيرادات والنفقات وتركيبها وتغيرها ومشروع الموازنة وقطع حسابات الموازنة وتقارير متابعة الموازنة، إضافة لذلك لابد أيضاً من نشر البيان المالي المتضمن توصيف الحكومة للوضع المالي لعام قادم وأسباب تغير الأرقام المالية والمخاطر المالية المتوقعة وأن يترافق ذلك مع نشر بيانات المديونية الخارجية والداخلية ومصادرها وتطورها.
مقترحات لتطوير الحالة السورية
لم يكتف الباحث بتقديم التساؤلات بل تقدم بعدة مقترحات لتطوير إدارة المال العام بكل شفافية، داعياً الجهات الوصائية إلى ضرورة نشر مشروع الموازنة العامة للدولة وقطع حسابات الموازنة العامة بشكل كامل على مواقع الجهات المعنية بإعدادها وتنفيذها ومراقبتها، معتبراً أن ذلك يساهم في تلقي الآراء من جمهور المختصين وجمهور العامة حول بنود الموازنة العامة للدولة من خلال بوابة إلكترونية تشاركية خاصة عبر تلك المواقع تُحدث لهذا الغرض تحديداً، وتصنيف تلك الآراء وإعداد تقارير حولها ترفع للإدارة المالية للاطلاع عليها والاستفادة مما هو قابل للتطبيق منها.
أضف إلى ذلك نشر تقارير مالية نصف سنوية أو ربع سنوية حول تطور النفقات والإيرادات والمديونية الداخلية والخارجية وتحليل آثارها على المواقع الرسمية السابقة ذاتها وتلقي الآراء حولها بالطريقة ذاتها، والأهم هو العمل على تشكيل لجان مجتمعية مكونة من شخصيات علمية واجتماعية ومنظمات غير حكومية في كل محافظة تسمى «لجان الموازنة المفتوحة» لنشر ومناقشة بنود الموازنة العامة وتقديم المقترحات المالية الأفضل حول ما تراه في تلك البنود، ومتابعة التقارير المالية الدورية الصادرة عن الحكومة، مبيناً أن نشر الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة على المواقع الحكومية الرسمية هو لإطلاع الجمهور على النتائج المالية الفعلية للدولة ومناقشتها معه، كذلك نشر تحليلات حول الآثار المالية والاقتصادية للتشريعات المالية التي تصدرها الحكومة لمعرفة آثارها المالية والاقتصادية والاجتماعية ومشاركة الفئات المستهدفة بتلك التشريعات من مناقشة نتائجها علناً.
وأشار إلى أن نشر نموذج مبسط عن الموازنة العامة بما تتضمنه من أرقام مالية ومصاغ بلغة بسيطة لكي يستطيع عامة الناس قراءته واستيعابه ومعرفة مضمونه، وصولاً إلى إقامة حوارات عامة في الجامعات والمعاهد العليا والمراكز الثقافية والوحدات الإدارية لمناقشة القضايا المالية ذات الصلة بالموازنة العامة للدولة وبالتشريعات المالية.
سيرياهوم نيوز1-الوطن