نبيه البرجي
أن يقول باروخ مارزل، أحد أركان حزب “العظمة اليهودية”، “هؤلاء تليق بهم المقبرة لا الدولة”. سؤالنا بعد آلاف الأطنان من القنابل الأميركية، والتي دمرت غزة بالقاذفات الأميركية، هل تريد ادارة جو بايدن، بالقفازات الحريرية، اقامة دولة أم مقبرة للفلسطينيين؟
حين تم توقيع اتفاق أوسلو بين اسحاق رابين وياسر عرفات، في حضور الرئيس بيل كلينتون، عام 1993، في حديقة البيت الأبيض، بكل تلك السذاجة تصورنا أن الدولة الفلسطينية باتت وراء الباب. الآن بعد آلاف الضحايا، وآلاف الأسرى، على مدى ثلاثة عقود، تنقل “الواشنطن بوست” أن أميركا و “شركاء عرب يعدّون خطة مفصلة للتوصل الى اتفاق سلام شامل بين اسرائيل والفلسطينيين، يلحظ جدولاً زمنياً ثابتاً لاقامة دولة فلسطينية”.
بأعصاب باردة يقول الأميركيون ان أي عملية ديبلوماسية قد تغيّر المسار التاريخي للشرق الأوسط تحتاج الى جراحة قيصرية (الولادة من الخاصرة). وهذا… منطق الأشياء.
على ماذا يراهن البيت الأبيض لاعداد تلك الخطة، بالاتفاق مع المصريين، والسعوديين، والقطريين، وهو الذي لم يستطع الحد من السياسات البربرية لبنيامين نتنياهو، وان كنا نعتقد، بكل ما أوتينا من النيات السيئة، أن الأميركيين يعتبرون، وعلى خطى هنري كيسنجر، أن أي “مفاوضات خلاقة” ينبغي أن تعقد فوق الجثث.
للتو ألقى ايتامار بن غفير القفاز في وجه بايدن “العالم يريد أن يمنح الفلسطينيين دولة. هذا لن يحدث”. المعلقون اليمينيون كانوا أكثر حزماً “اذا حاولت الولايات المتحدة الضغط لفك الائتلاف، فان القادة الحقيقيين لاسرائيل جاهزون لحفر الخنادق في الشوارع للحيلولة دون قيام دولة كالقنبلة في ظهورنا”…
في هذه الحال، سيكون الفلسطينيون الذين يخسرون ما تبقى من أرضهم قطعة قطعة، ويوماً بعد يوم، أمام خيارات قاتلة: الموت بالتقسيط بين الأسلاك الشائكة، أو الرحيل اما الى البلدان المجاورة أو الى كندا واستراليا، لكي يذوبوا وراء المحيطات.
أين هي الديناميكية الديبلوماسية، أو العسكرية، التي تفرض على القيادة الاسرائيلية أن تخلع أسنانها، وهي التي تحظى بقاعدة شعبية تزداد جنوناً، وتدخل الى ردهة المفاوضات؟ مستحيلات كثيرة على الأرض…
اذا كان البيت الأبيض يراهن على يائير لبيد، فالرجل أطلق سلسلة من المواقف، خلال حملة الابادة في غزة تتماهى كلياً مع مواقف ذئاب اليمين ـ وهو منهم على كل حال ـ بعدما توارى القادة الآخرون. اسحق رابين تحت التراب، وايهود باراك في الزاوية.
المستحيل الآخر أن تبادر الولايات المتحدة الى تشكيل تكتل عسكري على غرار “عاصفة الصحراء” الذي أخرج صدام حسين من الكويت. من يتصور أن ذلك يمكن أن يتكرر لاخراج بنيامين نتنياهو من الضفة والقطاع؟
أما الأكثر استحالة من المستحيل أن يخرج العرب من ثقافة الغيبوبة، وهي الرديف لثقافة الغيب الغياب، ويوظفوا امكاناتهم الهائلة لبناء دول قادرة على اختراق لعبة القرن وارساء معادلة استراتيجية تزعزع الهيكل.
نستعيد ما ألمح اليه مناحيم بيغن في يومياته “علينا أن نأخذ بالاعتبار أن الغرب الذي وقف الى جانبنا حين كنا نشق الطريق الى أرض الميعاد، قد تفرض عليه مصالحه الانقلاب ضدنا، ما يستدعي أن نكون، دوماً، على أهبة الاستعداد لكي نقف في وجه العالم”، هو الذي هدد بالثأر من الشعب الألماني (بسبب المحرقة). ضمناً… التهديد باللجوء الى السلاح النووي!
ما يبدو جليّاً أن الأميركيين، وهم يجرّون الأوروبيين وراءهم بالعصا، يريدون للشرق الأوسط أن يبقى هادئاً، ومستقراً، في حدود ايقاع محدد، كمستودع للطاقة، وكرصيد استراتيجي لصراعهم الذي بدأ، فعلاً، ان في الشرق الأوروبي أو في الشرق الآسيوي، حول قيادة الكرة الأرضية.
لا مجال للحديث، في المدى المرئي على الأقل، عن انقلاب غربي. لكن مذابح غزة تجاوزت كل حدود الهمجية لنلاحظ أن فلاسفة يهود على ضفتي الأطلسي اعتبروا أن سياسات “القوة العمياء ” من تقود “اسرائيل” الى الهلاك.
ألهذا يقول الأميركيون ان هاجسهم مما يفعلونه انقاذ الاسرائيليين، لا الفلسطينيين. هذه هي الحقيقة. الوجه الحقيقي للحقيقة…
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)