أ.د. حيان أحمد سلمان
تؤكد الوقائع الاقتصادية أن القرن التاسع عشر وحتى اتفاقية بريتون وودز سنة /1944 / كان الأقوى عالمياً، ثم أصبح الاقتصاد الأمريكي هو الأقوى حيث أزاح بريطانيا وسيطر الدولار على التعاملات الاقتصادية والتجارية العالمية، وفي القرن الواحد والعشرين بدأ بعض قادة الاتحاد الأوروبي يؤكدون بأن التبعية لأمريكا تسبب الكثير من المشاكل الاقتصادية للقارة، وبدأت تنتعش الدعوات القومية الأوروبية للتكامل الاقتصادي وتقوية (الاتحاد الأوروبي European Union) الذي تأسس رسمياً /1991/ بموجب اتفاقية (ماستريخت الهولندية) كاستجابة لدعوات أوروبية منذ خمسينيات القرن الماضي، وتم اعتماد عملة أوروبية موحدة وهي (اليورو) من تاريخ 1/1/1999، ولكن تركت الحرية للدول الأوروبية بالتعامل بها أو استمرار التعامل بعملاتها الوطنية، وتشكلت منطقة نقدية هي (منطقة اليورو وتضم 20 دولة).
وسنة /2020/ انسحبت بريطانيا من الاتحاد علماً أنها حافظت خلال عضويتها في الاتحاد على عملتها (الجنيه الإسترليني) ولم تتخل عنه والبعض يعتبر هذا العمل البريطاني تجسيداً لوصية (مارغريت تاتشر) عندما قالت: إذا تخليتم عن الجنيه الإسترليني ستتخلون عن سيادتكم.
وهنا نسأل ومع المتغيرات الدولية هل تستطيع أوروبا إعادة ألقها الاقتصادي بعدما تبين لها أن التبعية لأمريكا أضعفها؟، ولكن بنفس الوقت ماذا سيحصل للاتحاد الأوروبي ولمنطقة (اليورو) لو انسحبت بعض الدول، منهما وتحديداً (ألمانيا) وهي قاطرة الاقتصاد الأوروبي، فهل يتحول الاتحاد إلى كيانات اقتصادية منفصلة؟!، وخاصة أن الدعوات داخل ألمانيا بدأت تطالب بالخروج منه، ولاقت دعوته تضامناً من بعض مكونات الشعب الألماني تجسدت في احتجاجات، ما اضطر المستشار الألماني (أولاف شولتس) للتحذير من هذه الدعوات التي ستلحق الضرر في الاقتصاد الألماني، وأطلق عليها (Dexit) كما حصل لبريطانيا بخروجها بموجب اتفاقية
( Brexit).
وأكد معهد ألماني للبحوث الاقتصادية (DIW) بأن ألمانيا أصبحت مثقلة بالديون بسبب الحرب في أوكرانيا وخاصة أنها تدفع ثمناً كبيراً من الانقطاع الكامل لإمدادات الغاز الروسي، مما أدى إلى انكماش اقتصادي بقيمة /100/ مليار يورو بنسبة / 2،8%/ من قيمة الناتج المحلي الإجمالي البالغة /3700/ مليار يورو، وأدى إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى سالب/0،3%/ والصادرات سنة /2023/ بنسبة /1،2%/ عن سنة /2022/ وفقاً لمنظمة Paritätischer Gesamtverband) غير الحكومية والقدرة التنافسية والاستثمارات، وبنفس الوقت زاد معدلا البطالة والتضخم والركود التضخمي، ونسبة الأشخاص المهددين بالفقر في ألمانيا ستبلغ/ 14% / من السكان، وهذا انعكس اجتماعياً على زيادة الكراهية والموقف السلبي من الأجانب في ألمانيا ولا سيما في (الشطر الشرقي) بسبب تراجع فرص العمل، ما ساعد الحركات اليمينية في طرح مشاريعها وخاصة مشاريع التهجير، كما أكد ( صندوق إدارة الأصول في أوروبا – أموندي) بأن العقوبات على روسيا فشلت تماماً، وأن روسيا باعت كل إنتاجها النفطي ومن الغاز بسعر أعلى من السعر الذي حددته دول الاتحاد الأوروبي /60/ دولار للبرميل الواحد وعن طريق شركات روسية وصديقة، وحقق الاقتصاد الروسي معدل نمو /1،5%/ بينما الاتحاد الأوروبي أقل من /0،5%/ أي إن الاقتصاد الروسي نما أكثر من /3/ مرات من الاقتصاد الأوروبي.
وهنا نتساءل ماذا سيحل بالاقتصاد الأوربي وبمنطقة اليورو إذا فاز اليمين الألماني وأيضاً نجح الجمهوريون في أمريكا، ولا سيما ان ألمانيا تشكل بحدود /24%/ من الاقتصاد الأوروبي و/20%/ من استثماراته وهي أكبر مصدر وبنفس الوقت أكبر مستورد أيضاً من الدول الأوربية، وقد أكدت غرفة التجارة الألمانية- الأمريكية أنه إذا فاز (ترامب) بالانتخابات سيفرض رسوماً جمركية على أوروبا ما يضطر الاتحاد الأوروبي لزيادة الرسوم الجمركية وبالتالي ينخفض حجم التجارة والنمو الاقتصادي وستتعرض ألمانيا لأضرار كبيرة من جراء ذلك..
من خلال تحليلنا لاقتصاد الاتحاد الأوروبي وجدنا أنه يواجه عدة تحديات ومنها مثلاً، تراجع معدل النمو وسعر الفائدة والخلل المالي وسلاسل التوريد بعد التوتر في البحر الأحمر وضعف تأثير البرلمان الأوروبي و زيادة معدلي التضخم والبطالة والنزعات اليمينية..الخ، ونتوقع أن خروج (ألمانيا) من الاتحاد ومن منطقة اليورو يعني الموت السريري لكليهما؟!، ويتأكد للأوربيين عند ذلك أن ألمانيا اقتدت ببريطانيا وانسحبت لتضمن ريادة اقتصادها وكما تقول العبارة الألمانية الشائعة “Leben ist kein Ponyhof” وترجمتها إن (الحياة ليست مزرعة الخيول الصغيرة بل هي تحد)، وسيقول الأوروبيون عندئذ لبريطانيا وألمانيا (حتى أنت يابروتوس) من مسرحية (وليم شكسبير يوليوس قيصر) كإشارة إلى التخلي عن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، إننا نترقب واقع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو سنة 2024 ؟!
(سيرياهوم نيوز ٢-الكاتب)