اشهد أيها التاريخ

مالك صقور

نستشهد يوميا بالتاريخ، ونعول كثيرا على التاريخ، بمعنى أن التاريخ سجل كبير وعظيم لجليل الاعمال واصغرها. يكتب انصع الصفحات حين تجترح المآثر والبطولات، و إن كانت سلبية نقول : إلى مزبلة التاريخ… ومزبلة التاريخ لم تعد تتسع!! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه :هل اللص الذي تسمح له أخلاقه بالسرقة هل يخاف أن يقال عنه حرامي أو لص أو يهتم للتاريخ ماذا سيقول عنه؟! وهل المجرم الذي يقتل ويسفك دماء الأبرياء هل يخاف أن يكتب التاريخ عنه؟
مادام اللص يحلل السرقة والمجرم يشرعن القتل، والجرائم والمجازر تتوسع وتتمدد وتنتشر والتاريخ يكتب ويسجل.. واستفحل إرهاب الدولة ، و الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، كما جرى في أميركا الشمالية، وأستراليا، ونيوزلندا،.واليوم في فلسطين وغزة… وها هو ذا التاريخ يذكر تلك المجازر والجرائم بكل شناعتها ووحشيتها. ومن هو الذي يعتبر؟!؟! فقط أساتذة التاريخ الذين يدرسون هذا التاريخ لطلابهم؟! وعلى الرغم من تزييف التاريخ وتزويره ، يبقى التاريخ شاهدا، ويبقى درسا، ويبقى عبرة… نعم شاهد لمن يصغي لهذا الشاهد، ودرس لمن يقرأ الدرس ويعمل به ويتعلم منه ويتعظ،وعبرة لمن يعتبر، فما أكثر العبر وأقل الاعتبار – كما يقول كرم الله وجهه.. –
إذن ، ما الفائدة من هذا التاريخ ، ومن دروسه وعبره ، إن لم يؤخذ به وبدروسه وبهذه العبر؟! و إن لم يتخذ الموقف ؟
اليوم، بكبسة زر بوسع المرء أن يعرف تاريخ القارات الخمس، منذ تكوينها وحتى هذه اللحظة، نعرف تاريخ الحروب والفتوحات والتطهير العرقي والحملات العسكرية، وتاريخ الإمبراطوريات. و، و،و.. ويعرف قراء التاريخ ، أن الاسكندر الأكبر قد فتح ما فتح من المشرق إلى المغرب .. ومات الاسكندر ، ومن يذكر الاسكندر الآن ، والطغاة في هذا العصر هل يتذكرون الطغاة السابقين : هولاكو ، جنكيزخان ، ايفان الرهيب ،نيرون ، تيمور لنك، الحجاج الثقفي، نابليون ، جمال باشا السفاح ، هتلر ، وموسوليني و.و.و. وكل الأسماء التي تقبح وجه التاريخ الذي نحن بصدده . ولكن ما الفائدة ؟
لقد حكموا ، وظلموا ، واضطهدوا وفي النهاية نفقوا ….وماهي العبرة ، ومن اعتبر ويعتبر ؟!!! بهذا المعنى ، ما الفائدة إذا قلت (فلان) كان شجاعا . وإذا قلت كان جبانا” أو (فلان) وطني .. وفلان خائن . مادام قد رضي وعن قناعة عن التصرف والسلوك الذي يمليه عليه ضميره . إذن ، كيف نفيد من التاريخ ؟
نعم ، يذكر التاريخ أن بريطانيا وفرنسا تآمرا على العرب ، ونفذا تقسيم الوطن العربي بموجب سايكس بيكو . ويذكر التاريخ أن بلفور وهب للصهاينة أرضا ليست له وليست لهم . ويذكر التاريخ أن الصهيونية احتلت فلسطين وشردت شعبا ، وارتكبت آلاف المجازر منذ النكبة وحتى هذه اللحظة . ويذكر التاريخ أن أميركا أبادت الهنود الحمر ، وأسست امبراطوريتها على جماجم هذا الشعب المسكين. كما يذكر التاريخ أن اميركا قتلت الملايين في فيتنام ، وارتكبت جريمة غير مسبوقة في اليابان فألقت القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي . ويذكر التاريخ ان أميركا ذبحت العراق من الوريد الى الوريد . وقتلت أكثر من مليون بريئا وشردت الملايين .
باختصار : لا تتسع مجلدات بحالها لجرائم الولايات المتحدة الامريكية .
نعم ، وسيذكر التاريخ أن الكيان الصهيوني الغاصب قد خرق ويخرق الشرعية الدولية ، والقانون الدولي ، ويتحدى العالم كله بدعم أميركي بريطاني وبمباركة الأمم المتحدة . واليوم ينفذ اكبر واشنع مجزرة ومحرقة ، وأفظع دمار عرفه التاريخ أمام العالم كله .
نعم ، و سيذكر التاريخ أن الشعوب الأوروبية احتشدت في الشوارع رغم البرد والثلج تتظاهر مطالبة بوقف حمام الدم ، وإبادة الأطفال والنساء والشيوخ . تدعم الشعب الفلسطيني ، وتدين جرائم الصهاينة ، غير آبهة لحكوماتها . وفي الوقت نفسه ، سيذكر التاريخ صمت الشعوب العربية المغيبة والمغلوبة على أمرها،وكذلك خذلان الأنظمة العربية لأهلنا في فلسطين وفي غزة .
نعم ، سيذكر التاريخ ، وسيذكر ، وسيسجل ، وسيذكر ، وسيذكر …. وسنقول : دخلنا التاريخ ، أوخرجنا من التاريخ .. او صفحات التاريخ البيضاء أو مزبلة التاريخ !!!
كل ذلك لا نفع منه إن لم يتخذ الموقف الحازم والصارم . وبالتالي يصبح التاريخ حبرا على ورق . أو كتابة على الهواء ، أوالريح !
ورحم الله ابن خلدون الذي يعتبر أن التاريخ فن وعلم ..
وإزاء كل ما يجري ، ماذا سيكتب التاريخ عن أمة العرب ؟ هذا يذكر بكتاب موسوعي عنوانه (( كلا لم يخرج العرب من التاريخ ولن يخرجوا منه )) للباحث الدكتور أحمد عمران الزاوي – موضوع الزاوية القادمة …

(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)