بقلم:د.المختار
وجّهَ السيدُ الرئيسُ بشارُ الأسد في الرابع عشر من حزيران 2020 كوادرَ البعثِ مع بدءِ الاستئناسِ المتعلقِ باختيارِ ممثليهم لمجلسِ الشعبِ لاختيارِ الأصلحِ والأنسبِ قائلاً :
” …الخياراتُ الصحيحةُ هي التي تؤدي إلى النتائجِ المرجوةِ، فاختاروا الأصلحَ والأنسبَ ولا يكوننَّ في حسبانِ أيّ أحدٍ أيَّ اعتباراتٍ غيرِ الاعتباراتِ الوطنيةِ، اختاروا بعيداً عن أي ولاءاتٍ ضيقةٍ، واعتباراتٍ غير موضوعيةٍ، وعصبياتٍ لا تنتمي لعقيدةِ الحزبِ الوطنيةِ والقوميةِ”.
فما هي الخياراتُ الصحيحةُ التي أرادَنا سيادتُه أن نركّزَ عليها حتى نصلَ إلى النتائجِ المرجوةِ عبرَ اختيارِ الأصلحِ والأنسبِ، وكم نحن بحاجةٍ لتنفيذِ هذا التوجيهِ في الاستحقاقاتِ الانتخابيةِ المقبلةِ.
بدايةً كلمةُ “اختاروا” المقصودُ بها من هم بموقعِ المسؤوليةِ التي تؤهلُهم لاختيارِ أو ترشيحِ شخصٍ ما لمنصبٍ معينٍ، سواءٌ في المواقعِ الحزبيةِ أو في مؤسساتِ الدولةِ كافةً.
وهنا بموجبِ هذا التوجيهِ تقعُ المسؤوليةُ الأخلاقيةُ والمهنيةُ على عاتقِ من يرشّحُ، بأن يكونَ قد رشّحَ الأكثرَ كفاءةً والأصلحَ والأنسبَ وطنيةً، وأن يكونَ مسؤولاً عن حسنِ اختيارِه.
ومن الواجبِ أن ينفّذَ الرفاقُ البعثيون ما هو مطلوبٌ منهم تجاهَ هذه الكلمةِ التوجيهيةِ بأن يقوموا بما يلي:
أولاً: – شرحُ مضمونِ هذه التوجيهاتِ للقواعدِ الحزبيةِ.
ثانياً: – اعتبارُها توجيهاتٍ دائمةً يجبُ التقيدُ بها والعملُ بموجبِها وعدمُ الخروجِ عنها، فهل بعدَ مرورِ حوالي أربعةِ أعوامٍ نجحنَا في تنفيذِ تعليماتِ سيادتِه باختيارِ الأصلح والأنسب…؟
ولكي ندركَ الأهميةَ الاستراتيجيةَ لهذا التوجيهِ لاختيارِ الأكثرِ كفاءةً والأنسبِ والأصلحِ تعالو لنجريَ الفرضيةَ التاليةَ:
لنفترض تمَّ اختيارُ شخصٍ ما لمنصبِ مديرٍ عام على قاعدةِ الأصلحِ والأنسبِ، أو تمَّ اختيارُ شخصٍ ليس الأنسبُ والأصلح بل تمَّ إيصالُه بطرقٍ ملتويةٍ عبرَ الولاءاتِ الضيقةِ.
فماذا سيعملُ كلٌّ منهما من لحظةِ تسلّمِه منصبَ المديرِ.
أولاً : – المديرُ الذي وصلَ بالولاءاتِ الضيقةِ “الفاسد”.
صفةُ الفاسدِ تعني أنّه منتفعٌ مصلحي، يفضّلُ مصلحتَه الشخصيةَ على المصلحةِ العامةِ، طالما افترضْنا أنّه وصلَ بطرقِ “الولاءاتِ الضيقةِ”، يعني تمَّ ترشيحُه وهو ليس أهلاً للمنصبِ، ولا يمتلكُ الكفاءةَ المطلوبةَ.
فمن لحظةِ وصولِه سيسعى إلى تشكيلِ فريقِ عملِه فيبحثُ عمن يجدُ فيهم الكفاءةَ والجدارةَ ليحققوا له مصالحَه الشخصيةَ وليس الكفاءةَ والجدارةَ المهنيةَ والوطنيةَ، وسيشكّلُ فريقَه على هذا الأساسِ، وسيكونُ هنا قد وقعَ الخللُ الأولُ، كونُه اختارَ فريقَه من غيرِ أصحابِ الكفاءةِ والمهنيين على حسابِ المهنيين وذوي الكفاءةِ الحقيقيين.
وفريقُ المديرِ بدورِه سيقومُ بالعملِ على تعيينِ مديري الدوائرِ من النوعيةِ التي تحقّقُ مصالحَه ومصالحَ المديرِ، وهنا يقعَ الخللُ الثاني لأنّهم يكونون استبعدوا الأصلحَ والأنسبَ وعينوا مكانَهم المنتفعين والوصوليين ومن يقبلون تمريرَ مصالحِ المديرِ وفريقِه.
ومجموعةُ المديرين سيمارسون الدورَ نفسَه باستبعادِ الأكثرِ كفاءةً والأنسبِ الذي يرفضُ تمريرَ أي خطواتٍ أو صفقاتٍ غيرِ قانونيةٍ.
وهنا تبدأ مرحلةُ جني المكاسبِ وتمريرِ التجاوزاتِ والمصالحِ والصفقاتِ والمناقصاتِ واللجانِ والترقياتِ والمكافآتِ والبعثاتِ.
وعند أيّ عثرةٍ أو شكوى يكونُ المديرُ جاهزاً للاحتماءِ بتشكيلِ لجنةٍ أو أكثرَ للتدقيقِ بأي شكوى، وهذه اللجنةُ جاهزةٌ لقلبِ الحقِّ باطلاً، والباطلُ حقٌّ، وتحميلِ المسؤوليةِ لمن ليس له علاقةٌ، وإدانةِ من يلزمْ وتبرئةِ من يلزم وفقَ رغباتِ المديرِ، ويقولُ المديرُ شكّلنا لجنةً وهذه هي النتيجةُ، وتكونُ الإدانةُ سيفاً مسلّطاً على رقابِ من يخالفُ رغباتِ المديرِ وفريقهِ وأهوائِهم ومن يرفضُ تمريرَها، ولا ننسى أنَّ هذا المديرَ يحتمي عند الحاجةِ بمن رشّحَه.
وبالتالي يبدأُ مسلسلُ محاربةِ الشرفاءِ واستبعادِهم عن الأماكنِ التي يشغلونها ويبدأُ الكيدُ وفبركةُ القصصِ وترى أنَّ كثيراً من الشرفاءِ والمشهودِ لهم بالخبرةِ والنزاهةِ والإنتاجِ قد تمَّ إحباطُهم، ويزيدُ الإحباطُ فيما لو أدانَت إحدى اللجانِ شخصاً مشهوداً له بالنزاهةِ لتأديبِه وجعلِه عبرةً للآخرين، فهذا سينعكسُ إحباطاً على كلِّ الشرفاءِ، ومع الوقتِ تفرغُ المؤسسةُ من الكفاءاتِ ويُستبعدُ الأجدرُ الذي يرفضُ الخطأَ ويُقرّبُ الوصولي، ويصبحُ هناك فريقٌ مختصٌ لدى المديرِ مهمتُه تطفيشُ وتهميشُ
ومحاربةُ كلِّ ناجحٍ ومتميزٍ، ويتباهون بذلك علناً.
وماهي إلا سنواتٌ قليلةٌ حتى تتراجعُ المؤسسةُ ويتمُّ تغطيةُ ذلك بتقاريرِ الإنتاجِ غيرِ الصحيحةِ، والميزانياتِ الوهميةِ، وتبقى الأمورُ تُغطّى بالأكاذيبِ إلى أن يُنقلَ هذا المديرُ ويأتي بعدَه مديرٌ يدقّقُ ويكشفُ التقاريرَ الكاذبةَ والربحَ الوهمي لكن بعد فواتِ الأوانِ لأنَّ المؤسسةَ قد تحوّلت من رابحةٍ إلى خاسرةٍ.
ولو تابعنا بالفرضيةِ نفسِها لكن بدلاً من وصولِ مديرٍ فاسدٍ وصلَ مديرون عديدون فاسدون لإدارةِ مؤسساتٍ عدّة عملُها مرتبطٌ ببعضِها فسيصبحُ شعارُهم “مررلي لمررلك” ، وسيصبحُ الجميعُ يرى أخطاءَ الجميعِ، والجميعُ ساكتٌ عن الجميعِ والمتضررُ الوحيدُ المصلحةُ العامةُ.
وهؤلاء سيتضامنون من بابِ المصلحةِ ضدَّ كلِّ مرشحٍ جديدٍ لمنصبِ مديرٍ أتى من خارجِ دائرتِهم إذا لم ينسقْ معَهم ويدرْ في فلكِهم وينفذْ طلباتِهم مهما كانت كفاءتُه وجدارتُه، وحتى لو كانت كفاءتُه محطَّ إجماعٍ فسيطلقون عليه صفةَ غيرِ متعاونٍ، ويستطيعون أن يشكّلوا رأياً عاماً سلبياً حولَه ويختلقون له سلبياتٍ، ويقومون بتشويهِ صورتِه ومنعِه من الوصولِ لأيّ منصبٍ هو مؤهلٌ له لأنَّ وصولَه سيعريهم ويكشفُ فسادَهم وضعفَهم الإداري ولأنّه سينجحُ بالمؤسسةِ أكثرَ منهم لذلك يعدّونه خطراً، فيتفقُ الجميعُ عليه ويشوهون سمعتَه ويتمُّ استبعادُه.
ثانياً : – المديرُ الأصلحُ والأنسبُ.
من لحظةِ تعيينِه يبدأُ البحثَ عن الكفاءاتِ والخبراتِ والمشهودِ لهم بالنزاهةِ لتعيينِهم كفريقِ عملٍ ويضعُ الخططَ للنهوضِ بالمؤسسة.
ويكلفُ فريقَه بالبحثِ عن ذوي الكفاءةِ والجديرين ليتمَّ تعيينُهم كمديرين، ويكلّفُ المديرين بالبحثِ عن الخبراتِ ليسلمَهم المفاصلَ الرئيسةَ في المؤسسة، والاعتمادِ عليهم في التطويرِ وزيادةِ الإنتاجِ وخفضِ التكاليفِ، وتحقيقُ العدالةِ وتكافؤِ الفرصِ، ومعالجةُ أية مشكلاتٍ تقنيةٍ بالخبراتِ المحليةِ.
ويشكلُ لجانَ الجردِ، وضبطِ القيودِ، وضبطِ الهدرِ، ودراسةِ نقاطِ القوةِ والتركيزِ عليها، ونقاطِ الضعفِ والعملِ على تلافيها عبرَ قائمةٍ طويلةٍ من الإجراءاتِ والحوافزِ، ومكافأةِ المبرزين والمبدعين، وبذلك تنهضُ المؤسسةُ وتقلعُ وتنجحُ.
وبالفرضيةِ نفسِها إذا وسّعنا الدائرةَ فبدلاً من اختيارِ مديرٍ واحدٍ نختارُ مديرين من ذوي الكفاءةِ والأنسبِ سيؤازرون بعضهم بعضاً وينهضون بالعملِ وتقلعُ عجلةُ الإنتاجِ، وكلما توسّعت الدائرةُ تحسنَت كميةُ الإنتاجِ.
أخيراً وصلنا للفصلِ الأخيرِ من الفرضيةِ وهو المقارنةُ بين الدائرتين:
دائرةُ المديرِ الفاسدِ.
ودائرةُ المديرِ الكفءِ والأنسبِ، بالمقارنةِ، وللأسفِ سنكتشفُ أنَّ دائرةَ الفسادِ أقوى، لماذا…؟
1 – لأنَّ عناصرَها أكثرُ تضامناً لحمايةِ من يتورطُ، تحتَ شعارِ من يتورط قد يورط الجميعَ.
2 – بحكمِ عملِهم بالفسادِ هناك دخلٌ عالٍ لديهم يمكّنُهم من اللجوء لطرق ملتوية لحلِّ أي مشكلةٍ.
3 – المديرُ الفاسدُ لديه مكاسبَ يوزعُ منها على فريقِه، ويشتري الولاءاتِ، والمطبلين والأبواقِ.
4 – هم الأقوى إعلامياً لأنَّ لديهم أبواقَهم الجاهزةَ لتلميعِ من يريدُون وتشويهِ من يريدون.
5 – لامشكلةَ لديهم بتزويرِ الحقائقِ.
وهكذا ندركُ مدى أهميةِ توجيهِ سيادتِه أحسنوا الاختيارَ باختيارِ الأصلحِ والأنسبِ لأنَّ هذين المصطلحين يحملان كلَّ تلك القيمِ والصفاتِ الإيجابيةِ والوطنيةِ التي يجبُ أن تتوفّرَ في أيِّ مسؤولٍ بأيّ مرتبةٍ كان ولا بديلَ عنهما معياراً للاختيارِ.
أما عندما يوجّهُ سيادتُه بالاختيارِ بعيداً عن العصبياتِ فيكفي أن نعرِّفَ التعصبَ لندركَ لماذا يريدُنا أن نتحررَ من العصبياتِ في اختيارِنا.
فالتعصبُ هو:
“أن ترى أشرارَ قومكِ أخياراً، وأخيارَ قومِ الآخرين أشراراً”.
فلنتخيلِ المتعصبَ الذي ينطلقُ من هذه القاعدةِ في خياراتِه أو ترشيحاتِه كيف ستكونُ تلك الخياراتِ….؟
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)