آخر الأخبار
الرئيسية » عالم البحار والمحيطات » إسرائيل وحُلفاؤها يختنقون في البحر الأحمر

إسرائيل وحُلفاؤها يختنقون في البحر الأحمر

د.حامد أبو العز

لقد وصلت الشبكة المعقدة من التوترات الجيوسياسية والتبعيات الاقتصادية والتحديات اللوجستية في الشرق الأوسط إلى نقطة محورية في البحر الأحمر، وهو ممر بحري بالغ الأهمية للتجارة العالمية ومحوري بشكل خاص للاقتصاد الإسرائيلي. ويكمن جوهر الأمر في التناقض الصارخ بين حجم البضائع التي يجب نقلها إلى إسرائيل والبنية التحتية للنقل البري المتاحة لدعم هذه الحركة لا سيما النقص الحاد في الشاحنات وذلك بغية الالتفاف على حصار البحر الأحمر الذي فرضه الحوثيون. ولا تمثل هذه الفجوة مصدر إزعاج فحسب، بل تمثل عنق الزجاجة الكبير الذي يهدد الحيوية الاقتصادية لإسرائيل التي تعتمد على هذا الطريق التجاري بشكل كامل.

استفادت إسرائيل، التي تقع على مفترق طرق القارات، تاريخياً من موقعها الجغرافي لتسهيل التجارة. ومع ذلك، فإن السيناريو الحالي يكشف عن نقطة ضعف واضحة ومؤثرة وهي: عدم وجود بدائل لمسارات البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وعلى الرغم من أن إسرائيل تروّج بأنّ هناك ممر بري بديل يربط الإمارات بإسرائيل مرورا بالسعودية والأردن إلا أن الإحصائيات تشير إلى أنه على الرغم من مرور بعض الشاحنات إلا أن الطريق البري غير مؤهل من حيث البنية التحتية ويعاني من نقص لوجستي حاد. ولا يتعلق هذا النقص اللوجستي بعدم توفر عدد ضخم من المركبات لنقل البضائع فحسب؛ بل هو يرمز إلى قصور أعمق في البنية التحتية في قدرة النقل البري في المنطقة ككل. إن حجم البضائع التي تصل عن طريق البحر، مع ما يقدر بنحو 100 سفينة تعبر البحر الأحمر إلى إسرائيل كل شهر، يتجاوز بكثير قدرات النقل البري المتاحة، مما أدى إلى أزمة اقتصادية إسرائيلية حقيقية وهذا بالضبط ما دفع الولايات المتحدة للتدخل إذ أن الحصار الذي فرضه اليمن في البحر الأحمر يدفع إسرائيل إلى الهاوية بشكل تدريجي.

ففي الصورة العامة فإنّ هذا الإجراء ليس مجرد مناورة تكتيكية في صراع محلي، بل هو يضرب في قلب المصالح الاقتصادية الإسرائيلية، ويشكل ضربة اقتصادية قوية. يؤدي الحصار إلى تفاقم التحديات اللوجستية التي تعاني منها إسرائيل وقد يدفعها أخيراً إلى الإذعان بضرورة الاستسلام في غزة على وقع الحصار الاقتصادي في البحر الأحمر وعلى وقع الهزائم العسكرية على يد المقاومة في غزة. إن الاعتماد على البحر الأحمر بالنسبة للجزء الأكبر من الواردات والصادرات الإسرائيلية يعني أن أي انقطاع في هذا الممر له آثار بعيدة المدى، مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذا الممر البحري الذي يسيطر عليه الحوثيون.

ولم تسفر الجهود التي بذلتها القوات الأمريكية والبريطانية لتأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب عن النتائج المرجوة. وبدلاً من قمع التهديد الذي يشكله الحوثيون وضمان الانتقال الآمن للسفن الإسرائيلية، يبدو أن هذه التدخلات العسكرية ساهمت في تقوية موقف اليمن والجيش اليمني في المنطقة ككل. وتمثل براعة الحوثيين المتنامية في المنطقة تحديًا مباشرًا للهيمنة الأمريكية التي ادعت أحادية القطب للقوى العظمى في يوم من الأيام.

إن فشل الولايات المتحدة في حشد تحالف أوسع ضد الحوثيين يسلط الضوء على مدى تعقيد الوضع هناك. فهو لا ينعكس فقط على القيود العسكرية أو الاستراتيجية، بل أيضاً على الشبكة المعقدة من التحالفات والمصالح السياسية التي تحدد معالم المنطقة. ويشير عدم القدرة على تأمين دعم أوسع للعمل ضد الحوثيين إلى التحديات التي تواجه الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل مع المشهد الجيوسياسي، حيث يبدو بأن أنصار المقاومة هم من ينتصرون في مثل هذه المواجهات ويتحدون الدول وقواها التقليدية بخبرات وأسلحة محلية الصنع.

وفي محاولة للالتفاف على تحديات الحصار ونقص إمكانيات النقل البري، جرت مناقشات حول إنشاء خط نقل بري من أبو ظبي إلى إيلات في إسرائيل. ومع ذلك، يبدو أن هذا الاقتراح هو حل نظري أكثر من كونه بديلاً قابلاً للتطبيق، نظراً للحالة الراهنة للبنية التحتية. والطرق الحالية غير مجهزة للتعامل مع المتطلبات اللوجستية لمثل هذا المسعى، كما أن الطرق البرية في المنطقة ضعيفة وقديمة وغير مناسبة لشاحنات الحاويات الثقيلة. ويسلط هذا الوضع الضوء على قضية أوسع تتعلق بنقاط ضعف هيكلية في الاقتصاد الإسرائيلي.

في الختام، فإن التوترات الجيوسياسية الحالية والتحديات اللوجستية التي تواجهها إسرائيل في اجتياز حصار البحر الأحمر قد سلطت الضوء على نقاط الضعف الحرجة داخل اقتصادها والبنية التحتية الإقليمية للنقل. إن الاعتماد على البحر الأحمر في معظم تجارتها، بالإضافة إلى عدم وجود طرق بديلة قابلة للحياة وعدم كفاية البنية التحتية للنقل البري، لم يهدد حيوية إسرائيل الاقتصادية فحسب، بل كشف أيضًا عن التعقيدات الإقليمية الأوسع والقيود التي استطاع محور المقاومة أن يفرضها على إسرائيل وحلفائها. كما أنّ فشل الجهود الأمريكية والبريطانية في تأمين الممر البحري، إلى جانب الموقف القوي للحوثيين، يسلط الضوء على ديناميكيات القوة المتغيرة لصاح القوى الصاعدة في اليمن وفلسطين وغزة ولبنان وباقي قوى محور المقاومة. علاوة على ذلك، فإن استكشاف طرق برية بديلة، مثل الممر المقترح من أبو ظبي إلى إيلات، رغم أنه جذاب من الناحية النظرية، إلا أنه يواجه عقبات عملية كبيرة تعكس القضايا الهيكلية الأعمق ضمن الخدمات اللوجستية والبنية التحتية الإقليمية. وبينما تتصارع إسرائيل وحلفاؤها مع هذه التحديات، فإن الوضع يتطلب إعادة النظر في حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وإعادة النظر في دعم مثل هذا الكيان القاتل والمجرم.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”: اليمن يثبت قدرته على تغيير معادلات القوة البحرية

  علي ظافر       على مدار عام كامل، فرضت القوات البحرية اليمنية واقعاً جديداً في البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، من خلال سلسلة ...