استقالت الصحافية اللبنانية نور سليمان من موقع «درج» بعدما وجّهت إدارته إنذاراً إليها بسبب فيديو نشرته على حسابها على مواقع التواصل تنتقد فيه انسجام أداء بعض الإعلام العربي مع السردية الصهيونية، مدافعةً عن أهلها في جنوب لبنان حيث «لا أمان ولا حياة في ظلّ الاحتلال»
ممنوع أن تدافع عن أهلك في وجه الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان! لعلّ هذا ما يمكن استخلاصه من الإنذار الذي وجّهه موقع «درج» الإلكتروني إلى الصحافية نور سليمان العاملة (سابقاً) لديه، بعد نشرها فيديو على صفحاتها على السوشال ميديا توجّه فيه نقدها إلى بعض الإعلام العربي الذي يتبنّى السردية الصهيونية في الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني، وتُعلن فيه عن وقوفها إلى جانب أهلها المقيمين في الجنوب. هذا الإنذار دفع الصحافية اللبنانية إلى تقديم استقالتها أخيراً، بعدما مارست إدارة الموقع عملية قمع وترهيب على الصحافية جراء الموقف الطبيعي والبديهي لأي مواطنة لبنانية.
نشرت الصحافية فيديو على صفحتها تدعم فيه أهلها في جنوب لبنان
بدأت قصة نور التي انضمّت إلى «درج» قبل عام تقريباً، حين نشرت قبل أيّام فيديو تسجيلياً على صفحاتها على السوشال ميديا، مدافعةً فيه عن أهلها في جنوب لبنان، ومنتقدةً أداء بعض الإعلام العربي. وقالت الصحافية: «عندما يكون لدينا 278 شهيداً، ونعيش الترهيب والرعب يومياً منذ أكثر من 130 يوماً، ولدينا أكثر من 100 ألف نازح، يعني أننا في حالة حرب في جميع المقاييس. من الطبيعي أن نسأل: أين الدولة؟ وأين الإعلام؟ بالنسبة إلى الإعلام، عندما لا يقوم الأخير بدوره خلال الحرب نتيجة خياره السياسي، ويقرّر معاقبة الناس بناءً على مواقفهم، هنا يجب مراجعة ذلك الإعلام». وتابعت نور متسائلةً: «لقد ذكرت أمام بعض الأشخاص أنّ أهلي في خطر في جنوب لبنان، فأجابوا بأنّ خطابي ممانع، انتبهي ع حالك. لاحقاً سأذكّر أولئك الأشخاص بأنّه خلال الإبادة، طالبوني بمراجعة رأيي السياسي. أريد أن أحمي أهلي بشتى الطرق ولا أملك حالياً إلا صوتي، لا أمان ولا حياة في ظلّ الاحتلال».
هذا التسجيل كان كفيلاً بإسقاط «ورقة التوت» عن موقع «درج» الذي يتبجّح بشعارات حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، فيما يمارس سياسة القمع إزاء أيّ موقف نقدي ويصوّب ضمن أجندته السياسية على حركات المقاومة ضد إسرائيل، نازعاً السياق التحرّري من بعده السياسي المقاوِم. لم تمرّ ساعات على نشر نور سليمان الفيديو، حتى أتاها الردّ سريعاً من إدارة الموقع الذي يتلقّى الدعم المالي ــ مع غيره من منظمات مدنيّة ووسائل إعلام عربية ـــ من «عرّاب الثورات الملوّنة» الأميركي جورج سوروس. تسلّمت إنذاراً خطياً مليئاً بالأخطاء الإملائية موقّعاً باسم سكرتير تحرير «درج»، ديانا مقلّد، جاء فيه: «في 22 شباط، نشرتِ فيديو يتناول في جانب منه مادّة رأي وردت في «درج» في اليوم نفسه، تتعلّق بمراجعة المواقف من «حماس» و«حزب الله». صحيح أنّكِ لم تسمِّ مقال «درج»، ولكن استخدام بعض العبارات كان واضحاً لجهة الردّ على ما ورد في المقال». تابعت مقلّد بيانها الركيك: «هذه الرسالة ليست للنقاش في موقفك السياسي الذي هو حقّك، ولكنها نقاش يتعلّق بالأمانة المهنية والثقة، وهذان الشرطان تم خرقهما في مقاربتك، وهذا أمر حصل أكثر من مرة. نقاشك النقدي تجاه طرح مقال «درج» عن الحاجة إلى مراجعة أدوار «حزب الله» و«حماس» خلال الحرب، أغفل أنّ مقاربتنا تضمّنت إدانة واضحة للجريمة الإسرائيلية، وحرصاً على حياة المدنيين وليس من زاوية «معاقبة الجنوبيّين على خياراتهم كما ورد في كلامك»».
على الضفة نفسها، تُلفت المعلومات لنا إلى أنّ القائمين على «درج» ربطوا بين فيديو نور سليمان، وبين المقال الذي نشره رئيس تحرير «درج» حازم الأمين قبل أيام، وشنّ فيه كالعادة هجوماً على «حزب الله» والمؤيدين له في عملياته ضد العدو الإسرائيلي، مع العلم أنّ الصحافية لم تذكر مقال الأمين بأيّ عبارة، ولم توجّه الفيديو إلى أيّ جهة معينة.
وافقت إدارة الموقع سريعاً على الاستقالة من دون مناقشة الصحافية في قرارها
في المقابل، ترى المصادر أن الفيديو أزعج الأمين ومقلّد، على اعتبار أنه مخالف لرأيهما وخطّهما السياسي، ويتعارض مع آراء المموّلين لموقع «درج». وتلفت المعلومات إلى أنّ نور تلقّت الإنذار الهجومي، فاعتبرته بمنزلة محاولة علنية لقمع موقفها، فقابلته بالاستقالة. وكان لافتاً أن إدارة الموقع وافقت سريعاً على الاستقالة، من دون أن تناقش الصحافية في قرارها، في إشارة إلى أنّها لم تتحمّل موقفاً معارضاً لآراء القائمين على الموقع، ولو كان رأياً شخصياً نشرته نور على صفحاتها على السوشال ميديا.
قرار «درج» يذكّر بعملية كمّ الأفواه التي شنّتها مؤسسات إعلامية عربية وأجنبية ضدّ موظّفيها في بداية العدوان على غزة. ففي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلنت شبكة «هيئة الإذاعة البريطانية»، وتحديداً «bbc عربي»، عن تجميد عمل مجموعة من موظفيها المصريين واللبنانيين لمواقفهم المؤيّدة لفلسطين. كذلك قامت «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية و«فرانس 24» الفرنسية، بعملية صرف جماعي عام 2021 لمجموعة من موظّفيها المؤيّدين للقضية الفلسطينية.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية