إسماعيل مروة
كلام مؤثر نسمعه من هنا وهناك، وثائق تكشف حقائق كنا نظنها نخمنها، وربما كان غاية ما نقوله: ألم نقل؟ ألم نتوقع؟ أما عن الفعل فإننا نحيله إلى الجيل القادم دوماً! لم يحدث أن بحثنا عن الحلول، لم يحدث أن وضعنا خطة زمنية للانتهاء من حالة عدمية سكونية.
نحن نعيش نهباً لتأثيرات ثلاثة ولا نغادرها، على الرغم من الوهم الكبير في بعضها، إلا أننا لا نغادرها، ولم نغادرها مع تقدم العقود والقرون والزمن، وعلى الرغم من اكتشافنا للزيف، وعلى الرغم من معرفتنا المتأخرة لغياب الجدوى فإننا نعيد صياغة هذه المؤثرات لتناسب واقعنا.
المؤثر الأول وهو خطير للغاية، اعتقادنا الماضوي بأننا أصل الحضارة، وهذا أمر فيه الكثير من الصحة، ولكن ماذا يفيدنا هذا التراث الحضاري الكبير، ولكننا نركب رأسنا ونكرر معلقات الماضي وامتداحه، ومع التقدم العلمي والتقاني نقوم بصناعة نصوص وعبارات إنشائية، ونستعين بالتقانة لنؤكد بأننا قدمنا العلوم للحضارة الغربية التي كان أصحابها مجرد لصوص! هذا الكلام صحيح وفيه الكثير من الصواب، لكن ما فائدة الحديث فيه ما دموا قد سرقوا العلوم وتجاوزونا؟ هل قمنا بحركة مضادة؟ مادمنا عرفنا لصوصيتهم لماذا لم نمارس هذه اللصوصية المعاكسة لننهض ونستعيد مجد حضارتنا؟
اكتفينا دوماً بالتغني بابن سينا والرازي والفارابي وابن النفيس وابن رشد وابن خلدون، وحتى أكون صادقاً فإننا لم نكتف بالتغني بهم، بل عمقنا البحث في عقيدة كل واحد منهم، فكفرنا من كفرنا، ورفضنا من رفضنا، ولو شاء أي واحد أن يعود فليفعل، فإنه سيجد أبحاثاً لها أول ولا آخر لها تتناول عقائدهم وأصولهم وانتماءاتهم وقومياتهم من الفارابي إلى سيبويه وسواهما.. حتى العلماء الذين نتغنى بزمان كل منهم لم يسلموا من تهشيمهم ورفضهم، والشك بنواياهم تبعاً لأصولهم التي جاؤوا منها دون أن نعتني بتراثهم وإنجازاتهم.
نحن بحاجة إلى أن نقف عند علمائنا وعظمائنا وفلاسفتنا، وأن ندرس إنجازاتهم بحق ووعي، ويمكن إذا ما بنينا عليهم أن نصل إلى أشواط بعيدة، فلو درسنا جهود ابن النفيس في الدم والقلب و انطلقنا من الممكن أن نفعل الكثير، وإذا ما قرأنا تهافت الفلاسفة باحترام يمكن أن نبني عليه، وإذا ما وعينا نظريات علم الاجتماع عند ابن خلدون نصبح في غنى عن ميكيافيلي وما وصل إليه.!
إذا كنا عاجزين بالإرادة، عن سرقة المعرفة من الآخر المتقدم، فهل نحن في مرحلة العجز عن القراءة والانطلاق؟ أكثر النظريات النقدية النثرية والشعرية يعيدها بعض الدارسين إلى عبد القاهر الجرجاني وقدامة وابن رشيق، ويبقى الأمر في إطار الإنشاء والكلام المعجب دون الانطاق إلى آفاق المعرفة التي وصلوا فيها الذروة قبل ألف عام من اليوم.
النظريات النقدية الغربية الحديثة كما عبر دارسوها من أبنائها لم تتعدَ أن تكون نظريات استعمارية اجتماعية ونفسية وأدبية، وغايتها مجتمعاتها بالدرجة الأولى، وقد حملت أسماء تدل على أهدافها من «البنيوية- التفكيكية- اللسانيات- الكولونيالية» وسواها من النظريات التي تمثل تنافساً بين أفكار تلك المجتمعات الفكرية، وكل ما فعلناه هو نقل هذه النظريات دون أن نولي الأهمية اللازمة لغاياتها، وأزعم أن النقاد من تلك الثقافات هم الذين بينوا غاياتها والصراعات الفكرية والمجتمعية، ولكننا لم نصل إلى قناعة بهذه الغايات!.
منذ مدة وفي هذه الزاوية عرضت لكتاب نقدي غربي حديث يتحدث عن غايات النظريات الأدبية فيما يتعلق بالقيم والمجتمع والأسرة والمثلية والحريات وتفكيك الأسرة، لقد كان هذا الكتاب النقدي مفتاحاً حقيقياً لدراسة هذه النظريات وغاياتها، وفي الأيام التالية وجدت عناوين لأطروحات علمية تطبق هذه النظريات على أدب سوري وعربي، وكأن الأمر صار منزلاً، فإذا ما توفرت عناصر النظرية في أدب الأديب كان لائقاً وجيداً، وإذا افتقد هذه العناصر لم يكن كذلك!.
صدرت قراءات كثيرة في التأكيد على البحث العلمي، والوزارة المعنية أضيف إلى اسمها عبارة: «البحث العلمي» فهل تتبع جامعاتنا وأكاديمياتنا البحث العلمي؟
من المفترض في أي بحث علمي أو إنساني أن يقدم جديداً، أو أن يكون مبتكراً في بابه وميدانه، وفي كل يوم تمنح عشرات الشهادات العليا، وبدرجات كبرى فماذا قدمت؟ وماذا يمكن أن يبنى عليها من أبحاث؟
هل يكفي في أبحاث إنسانية أن أضع هوامش على هذا الأديب أو ذاك، وأن تكون الأطروحة ركاماً ورقياً؟
وهي يكفي في أبحاث علمية أن أجمع ما تم من أبحاث علمية في الشرق والغرب، في الداخل والخارج لأقول بأنني أنجزت بحثاً؟
لاشك في أن التقدم يحتاج إلى أساليب أخرى، ولاريب في أن القائمين يعرفون الطريق إليه، فهل يكون؟
سيرياهوم نيوز1-الوطن