شاركت غاليري “عشتار” هذا العام في احتفالية أيام الفن التشكيلي السوري التي أقيمت تحت عنوان (ويستمر الإبداع) بمعرض (روّاد وما بعدهم) الذي يشي عنوانه، ومنذ البداية، بالسمة الغالبة التي ميّزت لوحاته، ودمغت إبداعاته، ألا وهي الغوص في تجارب روّاد الفن التشكيلي، وعرض أبرز نتاجاتهم مما اقتنته غاليري “عشتار” على امتداد 33 عاماً من تاريخها.
والزائر لهذا المعرض أول ما يطالعه هو وجه صاحب الغاليري الفنان التشكيلي عصام درويش الذي يصحبه برحلة تاريخية عبر الألوان والأسماء، ليحطّ هذا الزائر في الختام رحاله وقد اغتنت مخيلته، وعانقت عيناه منجزات بعض معلمي الفن الروّاد أمثال: (محمود حمّاد، ونصير شورى، والأخوان أدهم ونعيم إسماعيل، وفاتح المدرس .. وصولاً إلى تجارب أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات).
تحضيراتٌ كبيرة
وأمام لوحة الفنان أدهم إسماعيل، وبينما كنا نستخرج معاني هذه اللوحة، ونذهب خلف ما ضمّته من حكايات وتفاصيل حدّثني الفنان عصام درويش عن التحضيرات الكبيرة التي سبقت تنظيم فعالية بهذا الحجم – كفعالية أيام الفن التشكيلي السوري – على المستوى الوطني على الرغم من الظروف الصعبة التي نمر بها جميعاً، وبيّن أنّ هذه الاحتفالية تشمل إقامة معارض للفن التشكيلي السوري في المراكز الثقافية كلها، وصالات العرض العامة والخاصة، والتي يُعدُّ معرض (روّاد وما بعدهم) واحداً منها.
إطلالةٌ مهمة
وتابع درويش بأن معرض (روّاد وما بعدهم) يضم 60 عملاً بقياسات مختلفة لثلاثة وثلاثين فناناً من أجيال مختلفة يمثلون وجهاً أساسياً من وجوه المحترف التشكيلي السوري على امتداد عقود، حيث يعود أقدم هذه الأعمال إلى العام 1942، في حين يحمل أحدثها تاريخ عام 2020. وعن المعايير التي استند إليها عند اختياره هذه اللوحات أوضح أن المعيار التاريخي، والريادة، وجودة العمل كانت الأسس التي اعتمدها عند انتقائه مجموعة المعرض، مؤكداً أنه لا يمكن القول إن هذا المعرض قد أحاط بالتجربة التشكيلية السورية على امتداد عقود، فكثير من التجارب، والأسماء المهمة غابت عنه، وذلك لعدم احتواء مجموعة الغاليري أعمالاً تمثّل تلك الأسماء، للأسف، إلا أن ذلك لا يقلل، بالطبع، من أهمية هذه الإطلالة على الفن التشكيلي السوري، وبعض أبرز رموزه الذين يشكلون من خلال تجاربهم، وإبداعاتهم أساساً متيناً، وقوياً من أسس الثقافة السورية المعاصرة .
أبعادٌ توثيقية
وأمام إحدى لوحات الفنان الراحل محمود حمّاد أخبرني الفنان عصام درويش بعد طول تأمل لهذه اللوحة بأنها واحدة من اللوحات المميزة في معرضه، ولا أخفي صراحةً أن شدة حماسه لها دفعني إلى السؤال عن تفاصيلها أكثر ليبدأ درويش في سرد قصتها موضحاً أن الفنان محمود حمّاد رسم هذه اللوحة عام 1942 من منطقة (الميسات) حيث تظهر في الأفق مدرسة (اللاييك) بقرميدها المميز، ويتراءى الجامع الأموي في البعيد.
ويضيف درويش بأن هذه اللوحة تحمل، إضافة إلى ما يميزها من جمال، تحمل بُعداً تاريخياً، وتوثيقياً مهماً فالناظر إليها يلاحظ فراغ المنطقة الواقعة بين ساحة (الميسات)، ومدرسة (اللاييك) من أي بناء على الإطلاق. وتوازيها أهمية كذلك لوحة أخرى رسمها الفنان ذاته من خلف ضريح عدنان المالكي، حيث تظهر قبة وردية، تليها منطقة (المالكي) الخالية من الأبنية تماماً، إذ يمكننا أن نرى في البعيد (التكية السليمانية)، و(الجامع الأموي). إلى جانب العديد من الأعمال المهمة الأخرى التي ضمّها المعرض، وصار مبدعوها نجوماً ارتقوا، فأضؤوا سماء الفن التشكيلي السوري.
تفاعلٌ إيجابي
ولم يسعني في الختام، وبعد الفراغ من جولتي بين روائع هؤلاء المبدعين الروّاد سوى سؤال الفنان عصام درويش عن رأيه في الإقبال الجماهيري الذي شهدته احتفالية أيام الفن التشكيلي السوري عامة، ومعرض (روّاد وما بعدهم) بصورة خاصة، فأجاب بأن التفاعل الجماهيري في مثل هذه الاحتفاليات يتفاوت تبعاً لنوعية المعارض؛ فافتتاح المعرض السنوي لفناني سورية، مثلاً، يشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً، وذلك نظراً لعدد المشاركين فيه، وسمعة هذا المعرض التاريخية. أما فيما يتعلق بمعرض (روّاد وما بعدهم) فقد شهدت الأيام التي تلت الافتتاح حضوراً مميزاً، بخلاف يوم الافتتاح الذي لم يشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً، كما جرت العادة، وذلك بسبب خوف بعض الناس من إمكانية العدوى بفيروس كورونا في مثل هذه التجمعات. بيد أن ما يمكن قوله هنا إنه على الرغم من جائحة كورونا والضغط الاقتصادي الذي نمر به هذه الأيام، فإن مستوى التفاعل كان إيجابياً بصورة عامة، لأن الفن التشكيلي يظل أحد الحوامل الرئيسة في نهضة الثقافة السورية الأصيلة .
(سيرياهوم نيوز-تشرين)