محمد نور الدين
أطلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بعد اجتماع حكومته، الإثنين الماضي، مواقف لافتة تعيد نكأ الجراح مع سوريا، وتلوّح بتوسيع نطاق الاحتلال التركي فيها، متحدّثاً أيضاً عن العمل على «خطّة» من شأنها أن تنهي «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق بحلول مطلع الصيف المقبل. وقال إردوغان: «(إنّنا) نواصل الحرب ضدّ الإرهاب بتصميم، بغض النظر عن العقبات التي نواجهها داخل حدودنا وخارجها». وأضاف: «هذا الصيف سنحلّ بشكل دائم القضية المتعلّقة بحدودنا العراقية»، و«سنواصل الحرب ضدّ الإرهاب بكل تصميم. ونحن على وشك استكمال الدائرة التي ستؤمّن حدودنا العراقية. إن رغبتنا في إنشاء ممرّ أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً على طول حدودنا مع سوريا لا تزال قائمة»، متابعاً إنّ «لدينا استعدادات من شأنها أن تجلب كوابيس جديدة لأولئك الذين يعتقدون أن في إمكانهم تركيع تركيا عبر إقامة «إرهابستان» على طول حدودنا الجنوبية. لقد شهدنا جميعاً كيف حرّر إخواننا الآذربيجانيون قره باغ بعد صراع طويل. نحن نتابع معاً كيف بدأت الحرب الروسية – الأوكرانية في شمالنا، وكيف أصبحت اليوم، وإلى أين تتّجه». وزاد: «نعلم جيداً أنهم يحاولون تفكيك سوريا أمام أعيننا، ونعرف جيداً أيّ ذهنيات يحاولون جلبها إلى الساحة».وحظيت مواقف إردوغان تلك باهتمام الصحافة التركية، ولا سيما صحيفتَي «ميللييات» و«يني شفق» المواليتَين، إذ كتب سرجان دينتش، في الأولى، أن حديث الرئيس عن «استكمال الحزام الأمني على حدودنا مع العراق» بحلول مطلع الصيف المقبل، يُعدّ «إشارة قوية إلى العمل على خطّة إقامة منطقة أمنية في شمال العراق تشبه تلك المقامة الآن في سوريا»، وأن «النية هي إقامة منطقة أمنية بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً في العراق»، على أن يتباحث إردوغان في شأنها مع المسؤولين العراقيين خلال زيارته المرتقبة في نيسان إلى بغداد، بعدما كان وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات الأتراك قد زاروا العاصمة العراقية. وبحسب خبير الأمن والإرهاب، عبد الله آغار، فإن بغداد بدأت في اتّخاذ بعض الخطوات العسكرية، من مِثل نشر قوات تابعة لها في بعض المناطق الشمالية، فيما تدْخل قوات «البشمركة» التابعة لمسعود بارزاني في صدامات متفرّقة مع مقاتلي «الكردستاني»، وهذا ما يحدث للمرّة الأولى. ولفت آغار إلى أن أنقرة «أتمّت 95% من التدابير الأمنية اللازمة في الطرف التركي من الجبهة. يبقى الانتقال إلى استكمال ذلك في الطرف المقابل. وهذا يتطلّب إخراج حزب العمال الكردستاني من المناطق المحاذية للحدود مع تركيا في سوريا والعراق بعمق 30-40 كيلومتراً، ولا سيما حيث يتغطّى هؤلاء بوجود السكان».
النية التركية هي إقامة منطقة أمنية بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً في العراق
بدورها، اعتبرت صحيفة «يني شفق»، على ضوء مواقف إردوغان الجديدة، أن تركيا ستعمل على إستراتيجية جديدة تنهي بها خطر «حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق»، موضحةً أن الخطوة الأولى هي «الدفع بمقاتلي الحزب إلى ترك المناطق الجبلية إلى المناطق السهلية، ليسهل بالتالي حصارهم وتطهير مواقعهم؛ وأيضاً، قطع خطوط المواصلات بين مراكز الحزب والمناطق ذات التجمّعات السكانية، ثم العمل مع الجيش العراقي وقوات البشمركة للقيام بعمليات عسكرية ضدّ معاقل الحزب في جبال قنديل والسليمانية ومخمور وسنجار»، على أن يترافق ذلك مع عمليات «النقطة»، أي استهداف قادة الحزب وتصفيتهم بالمسيّرات التركية. وبيّنت الصحيفة أن الخطّة التركية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل إن أنقرة تقوم باتصالات ديبلوماسية مع الولايات المتحدة وروسيا وحتى إيران، و«إذا فشلت هذه الجهود، تنتقل إلى الخيار العسكري المباشر».
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى، قوله إن تركيا «لن تطبّق في سوريا النظام الذي تطبقه في العراق، وستتواصل مع الولايات المتحدة ومع روسيا في شأن الوضع في شمال سوريا. وإذا لم تسفر الاتصالات عن نتيجة، فإن تركيا ستكمل عملية نبع السلام من حيث وصلت إليه، وحيث لم يلتزم الأميركيون ولا الروس بتعهداتهم بتطهير مناطق شرق الفرات وغربه من المقاتلين الأكراد». وبحسب المسؤول، فإن أنقرة، بدءاً من عام 2019، وبفضل عمليات «المخلب»، أنهت تقريباً ضرب «قفل» «حزب العمال» على امتداد الحدود التركية – العراقية البالغة 370 كيلومتراً طولاً، والتي باتت تحت السيطرة التركية بالكامل. ومن بعد ذلك، وسّعت عملياتها تحت عنوان «المخلب – القفل» بدءاً من عام 2021، فدمّرت معسكرات الكردستاني في حاقورق وأواشين – باسيان والزاب وزنار ومتينا وحفتانين، وجعلت المغاور والأنفاق التي كان يستخدمها الأكراد غير صالحة للاستخدام، فيما أمكن الجيش التركي إبعاد خطر الإرهاب عن حدود البلاد بفضل القواعد العسكرية التي أنشأها في تلك المناطق.
وأضافت «يني شفق» أن 12 فرقة عسكرية تركية عملت في مناطق شمال العراق، ووصلت في عملياتها إلى أعماق متفاوتة بلغت أحياناً 56 كيلومتراً في منطقة دهوك، فيما أنشأ الجيش في المناطق التي «طهّرها»، قواعد عسكرية، فضلاً عن أنه ضرب خطوط الإمداد القادمة من سوريا إلى العراق، و«طهّر» المنطقة الممتدة من الحدود العراقية – السورية إلى القامشلي وصولاً إلى زاخو. ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة، وبسبب قطع خطوط الإمداد تلك، قامت بنقل الإمدادات إلى الأكراد في العراق جوّاً. وفي هذا الجانب، قالت «يني شفق» إن أنقرة تعوّل كثيراً على الزيارة التي بدأها، أول من أمس، وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، من أجل بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، ولا سيما في ما خصّ الموقف من الدعم الأميركي لـ«حزب العمال الكردستاني» ومواضيع أخرى.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية