نور علي:
ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن وعلى مدار أكثر من ساعة خطاب حالة الاتحاد الموسمي الذي يتحدّث فيه الرئيس عن إنجازات إدارته والتوجهات العامة للسياسات الداخلية ” الاقتصادية والاجتماعية ” واتجاهات السياسية الخارجية في تحديد الموقف من تحديات عالمية تواجه الولايات المتحدة، وجاء خطاب بايدن قبل ثمانية أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية.
اللافت أن الرئيس بايدن بدأ الخطاب بالحديث عن الحرب في أوكرانيا، متوعدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالهزيمة، ومؤكدا أن بوتين لن يتوقف عند حدود أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة والرئيس لن ينحني لبوتين، وسيواصل دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، خلافا لسياسية سلفه دونالد ترامب الذي وحسب بايدن سمح لبوتين بفعل ما يشاء. وبعد هذا التخصيص في بداية الخطاب لاوكرانيا ومواجهة روسيا، دخل الرئيس بايدن الى الملفات الداخلية في الولايات المتحدة، متحدثا بشكل مطول عن الاقتصاد والاستثمار والضرائب ودور الشركات الكبرى، والاهتمام بالطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، وقانون الإجهاض، والتقديمات للرعاية الصحية، وحقوق المتقاعدين وقوانين الهجرة. وفي كل هذه القضايا كان الرئيس بايدن يضع سياسته بالمقارنة مع سياسة سلفه ترامب، ولم ينس الإشارة الى الازمة التي دخلت بها البلاد بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، واقتحام أنصار الرئيس ترامب للكونغرس، مشددا على مسألة القبول بنتائج الانتخابات ووحدة أمريكا.
وهذه الإشارات المتكررة من بايدن تجاه ترامب لم ترق للأعضاء الجمهوريين وأنصار ترامب الجالسين في القاعة والذين لم يتفاعلوا مع الخطاب بالوقوف والتصفيق كما فعل نظراؤهم الديمقراطيون مرارا وتكرارا خلال الخطاب، ومن الواضح أن شبح الرئيس السابق دونالد ترامب خيّم على القاعة، وكذلك علـى مجمل خطاب حالة الاتحاد.
ويسعى ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة بعد ثمانية اشهر، بعد ان شكك بنتائج الانتخابات التي أطاحت به من الولاية الأولى له، ودخلت الولايات المتحدة على اثر ذلك اصعب ازمة شرعية للانتخابات في تاريخها.
ad
ونالت السياسية الخارجية الحيز الأقل في خطاب حالة الاتحاد، مقارنة بتفاصيل الملفات المحلية الداخلية، ومر الرئيس بايدن بسرعة على عدة محطات خارجية، ومقارنة في حديثه في مقدمة الخطاب عن بوتين بلغة حادة وصارمة، فانه مر بجملة واحدة حيال الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة على المسرح الدولي، وقال ترامب انه لا يريد منافسة الصين بدلا من الصراع معها، في إشارة جديدة الى سياسية سلفه دونالد ترامب الذي وضع الصين بمثابة العدو الأول للولايات المتحدة، وانتهج سياسية استفزازية حيال الصين، ورغم ان إدارة بايدن عمليا تفعل الشيء ذاته في تايوان وبحر الصين والمحيط الهادي، وتبني تحالفات عسكرية في شرق اسيا لتحدي الصين، الا ان بايدن كلاميا تجاهل ذلك ووضع المنافسة وليس الصراع عنوانا للتعامل مع الصين.
وحول الشرق الأوسط، تقدّمت غزة وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، فأكد بايدن المؤكد بانه اكثر رئيس في تاريخ أمريكا دعما لإسرائيل، وان حماس هي المسؤولة عن الحرب لانها من بدأ بها. وهنا يواصل بايدن كما ساسة الغرب عموما، وضع تاريخ السابع من أكتوبر، نقطة انطلاق للأحداث والصراع، وهذا يخالف الحقيقة، بان غزة كانت محاصرة وتتعرض لعدوان مستمر من الجيش الإسرائيلي، وأن سياسة التجويع والقتل والاستيطان والقمع والاعتقال في الضفة واقتحام الأقصى، وقبل ذلك تكريس الاحتلال، هي المسؤولة عن الوصول الى يوم السابع من أكتوبر، وتنفيذ المقاومة عملية طوفان الأقصى، كرد فعل على مسلسل الجرائم اليومي بحق الشعب الفلسطيني. لكن رغم هذا الانحياز والاحتضان لإسرائيل في خطاب حالة الاتحاد، إلا أن الجديد هو إقرار الرئيس بايدن في خطابه ان عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة قارب الثلاثين الفا، وان غالبيتهم لا علاقة لهم بحركة حماس وليسوا مقاتلين، وهي المرة الأولى التي يقر فيها الرئيس بايدن بالأرقام التي تعلنها وزارة الصحة الفلسطينية والمنظمات الأممية حول اعداد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي، كما اقر بايدن بان إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية عن أهالي القطاع، وتستخدم هذه الورقة بالحرب، موجها الجيش الأمريكي لإنشاء رصيف بحري قادر على استيعاب السفن الكبيرة المحملة بالمساعدات للقطاع. وهذا يطرح تساؤلات عن تجنب الولايات المتحدة قضية فتح المعابر البرية، فاذا كانت قادرة على انتزاع موافقة إسرائيلية لدخول غزة من البحر وتقديم المساعدات، فلماذا عجزت عن الشيء نفسه فيما يخص المعابر البرية. هنا الامر يبدو خطيرا لجهة التخطيط الأمريكي الإسرائيلي المشترك لمستقبل غزة، واليوم التالي بعد الحرب، ومن يسيطر على غزة بعد انتهاء المعركة.
ولم يتطرق الرئيس الأمريكي لغير الوضع في غزة من مجمل قضايا الشرق الأوسط، سوى للسعودية، وأهمية جلبها للتطبيع مع إسرائيل، وهي إشارة تدل على أهمية هذه الخطوة ضمن سياسات إدارة بايدن من مجمل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وقد يكون هذا الاهتمام بقضية التطبيع السعودي مع إسرائيل مرتبطا برغبة إدارة بايدن ضم هذا الإنجاز كورقة يدخل بها بايدن الانتخابات الرئاسية.
وهذا الحديث عن غزة والسعودية والتطبيع، أرفقه بايدن بما اعتبره الحل الوحيد للأزمة في الشرق الأوسط، وهو حل الدولتين، مشيرا إلى أن لا بديل عن ذلك لتحقيق السلام في المنطقة.
سيرياهوم نيوز٣_رأي اليوم