آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » ثورة الثامن من آذار والوعي المتجدّد *تحدّيات عديدة تستوجب الحذر والتنبّهّ والتحصين والتسلّح بالوعي والثقافة والثقة والتماسك والوحدة الوطنيّة 

ثورة الثامن من آذار والوعي المتجدّد *تحدّيات عديدة تستوجب الحذر والتنبّهّ والتحصين والتسلّح بالوعي والثقافة والثقة والتماسك والوحدة الوطنيّة 

غسان كامل ونوس

 

ما تزال تلك الصورة المبكّرة الغائمة في ذاكرةالطفل ابن الخامسة، تراودني بألفة، وقد رسّخها، ترديدها مرّات على ألسنة الجيران؛ حين ركض ذلك الفلاح البسيط؛ أبي، في الحارة، وهو يصرخ فرحاً:”اربطوني، اربطوني، رح جنّ..”؛ كان ذلك، صبيحة الثامن من آذار العام (1963م).

فما الذي دفع ذلك الريفيّ البعيد، إلى ذلك التصرّف، في تلك الحارة البائسة، التي يفصلها عن الضيعة، التي لا تقلّ عنها بؤساً، درب صاعد وعر؛ كجميع دروب القرية، تصعب حتّى على الكائنات غير العاقلة؟! ولم يكن ذلك الشعور الفيّاض خاصّاً بوالدي؛ بل كان شعور الجميع الهائمين تحت ربقة الإقطاع والجهل والفقر؛ فصارت تتلألأ على السطوح الترابيّة، في ذكرى الثورة كلّ عام، نيران موقَدة في الرماد المبتلّ بالكاز، على الرغم من أهمّيّة هذا السائل الحيويّ؛ لإشعال السُرُج، التي تجهد في إبعاد شبح الظلمة المهيمنة على الأركان!

إنّه الوعي الفطريّ بأهمّيّة ما حدث ذلك الصباح؛ الوعي، الذي لم يكن خادعاً؛ فقد عبّدت الطريق تلك،وسواها في المحيط القريب والبعيد، بعد وقت، لم يطل؛ كما شعّت الكهرباء، وأضاءت البيوت، التي صارت اسمنتيّة، والشوارع التي كانت أزقّة.

والوعي إمكانيّة وقابليّة للنموّ والتطوّر والتجدّد، مع مرور الوقت، وتعمّق التجربة، وتكاثف المعلومات؛ ولا يقف عند الفطرة، ولا يتوقّف على الواقعة، ولا يقتصر على المعلومة؛ بل يتفهّم، ويحلّل في إطار الظروف، والزمن، والقيمة التاريخيّة والفاعليّة المعاصرة،والتأثير في ما يأتي.

الوعي معالجة للحدث في المختبر الشخصيّ والجمعيّ، واستثمار للمعرفة، وتنبّه وإدراك واستهداف، وسعي للتغيير والإنجاز في الاتّجاه المطلوب.

إنّه الوعي، الذي يجب أن يكتنف المسبار، الذي نقارب به الوقائع والأحداث؛ صغرت أم كبرت، اقتربت أم ابتعدت؛ وهو ما يُفترض أن تكون عليه الحال، ونحن ننظر إلى ثورة الثامن من آذار، التي قام بها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، منذ أكثر من ستّة عقود؛ وهو حقّ لها، وواجب علينا؛ استذكاراً ووفاء واسترشاداً وتحليلاً واستفادة وعبرة، وحزباً ما يزال قائداً، ومسيرة ما تزال متّصلة، ورسالة ما تزال مشرعة ومشروعة، قابلة للمراجعة والتصحيح والتجدّد.

فثورة آذار واقعة مفارقة لِما كان، في المجتمعوالمفاهيم والحياة، وحدث نوعيّ في الشكل والمضمون، في الحامل والمحمول، وانطلاقة واعية خيّرة، برؤى متبصّرة، وخطا واثقة، وغاية نبيلة، لشعب توّاق إلى الحرّيّة والعدالة والكرامة والخلاص المأمول.

لقد قامت الثورة بوعي، ورسّخت وعياً، وأسّست لوعي، يتعمّق ويتجدّد، مع اختمار التجربة في الحكم، واختبار الآليّات والوسائل والأدوات، وتغيّر الظروف، وبروز مستجدّات؛ منها ما كان متوقّعاً، ومنها ما جاء من خارج السياق العام للأحداث والمسارات.

وتَمثّلَ الوعي، الذي قامت عليه الثورة، في الإنجازات، التي حقّقتها في مختلف المجالات؛وهي تدلّ دلالة أكيدة على أنّ قيادة الثورة، كانت ذات رؤيا شاملة للقضايا الداخليّة، والأوضاع الخارجيّة، والظروف القائمة، ومتطلّبات المجتمع، والمستقبل المنشود، والدروب إليه.

ونستطيع اليوم، أن نتحدّث عن ذلك بثقة، بعد عبورنا الوشيك للمحنة الكبرى، التي واجهتها سوريّة، منذ بداية العام (2011م)، وما نزال نعيش بعض وجوهها الكالحة؛ فلولا البناء، الذي أسّست له ثورة آذار، ومسيرة الحزب بعدها، لَما كنّا استطعنا الصمود والمقاومة والصبر؛ سواء أكان ذلك بناء مادّيّاً، أو تنظيميّاً، أو معنويّاً… ولو لم يكن قطرنا ذا مركز مرموق، وموقف يحسب حسابه، في كلّ ما يتّصل بقضايا المنطقة، وله حضوره العالميّ المنظور، وقد حقّق مستوى مهمّاً على طريق التقدّم والإنجاز؛ منذ الثامن من آذار، لَما كنّا المستهدفين دائماً بالمؤامرات والعدوان المتعدّد الأشكال والقوى والجبهات والاتّجاهات؛ من الغرب الاستعماريّ وعملائه وتابعيه، ومن رأس حربته المسمومة الكيان العنصريّ الصهيونيّ. ومهمّ أن نستذكر أنّ بلدنا كان بلا أيّة ديون خارجيّة، قبل بدايات العدوان في العام (2011م)؛ وهي حال نادرة في دول العالم الثالث.

إنّ ما أسّسته ثورة آذار، وما زرعته في الذاكرة والوجدان، على مدى السنين، جعل غالبيّة الشعب تقاوم؛ واستطاع الشعب الواعي بجميع شرائحه؛ بالتعاضد مع جيشه الباسل، وقيادته المنبثقة عنه، أن يهزم المشروع، الذي كان يهدف إلى تدمير الدولة ومشروعها ومقدّراتها ومنجزاتها، وتاريخها وحاضرها ومستقبلها.

ويمكن؛ افتراضيّاً، أن نقسم الوعي، الذي قامت على أساسه الثورة؛ بناء على الأحياز، التي اشتغلت عليها، والإنجازات، التي حقّقتها، إلى:

الوعي الإنسانيّ- الوعي القوميّ- الوعي الوطنيّ- الوعي الاجتماعيّ- الوعي الذاتيّ.ويتداخل فيما بين هذه الأقسام؛ بنسب مختلفة: الوعي السياسيّ، والوعي الاقتصاديّ، والوعي التنظيميّ. ويواشج بينها جميعاً الوعي الثقافيّ؛ وهو، في تقديري، أرقى أنواع الوعي، وأكثرها حيويّة وفعاليّة.

– الوعي الإنسانيّ:

ارتكز الوعي الإنسانيّ للثورة على الكفاح ضدّ الاستعمار والامبرياليّة والصهيونيّة والعنصريّة، ودعم القضايا الدوليّة العادلة، وحقّ شعوب العالم في التحرّر والاستقلال، ومساندة الجهود من أجل السلام والعدل في العالم، وعدّت ثورة القطر،ونضال الشعب العربيّ لتحقيق طموحاته وأهدافه ضدّ المحتلّين والمستغلّين، جزءاً من حركات التحرّر العالميّة.

– الوعي القوميّ:

لا شكّ في أنّ الإيمان بالفكر القوميّ، من أهمّ سمات ثورة الثامن من آذار، وربّما كان سبباً حاثّاً مباشراً للقيام بالثورة؛ بسبب الانفصال، الذي أطاح بأوّل تجربة وحدويّة عربيّة، بين القطرين العربيّين المهمّين سوريّة ومصر، في (28) أيلول (1961م)،فكان لا بدّ من التحرّك السريع ضدّ هيمنة القوى الانفصاليّة والرجعيّة والفكر الانفصاليّ؛ ولم يكن ذلك يسيراً؛ فلا بدّ من إعادة تجميع البعثيّين، بعد أن كان الحزب قد حلّ نفسه؛ في تضحية نادرة من أجل الوحدة، تؤكّد مدى تمثّله للفكر القوميّ. وقد رأى الحزب أنّ الجماهير العربيّة، هي صاحبة المصلحة بالوحدة، فتحرّك نحو هذه الجماهير، وكانت له تنظيمات في بعض الأقطار، وصلت إلى قيادة قطريّة، واستمرّ نهج الحزب القوميّ خلال مسيرته اللاحقة في الحكم؛ ولا سيّما بعد الحركة التصحيحيّة (16) تشرين الثاني (1970)، التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد، وكان هناك مشروع اتّحاد الجمهوريّات العربيّة، الذي لم يعمّر طويلاً، ومشروع الوحدة مع العراق، الذي أجهض، ومشروع التضامن العربيّ، الذي عمل قطرنا به سنوات؛ كما أسهم الجيش العربيّ السوريّ في الدفاع عن لبنان ووحدته واستقلاله، وتحمّلنا التضحيات في سبيل ذلك التضامن؛ على الرغم ممّا لا قيناه من بعض الأشقاء العرب، من جحود؛ آخرها خلال الكارثة، التي واجهتها سوريّة منذ أكثر من عقد من الزمن.

وقد دعم قطرنا نضال الأشقّاء الفلسطينيّين ضدّالمحتلّين الصهاينة، وعدّ منظّمة التحرير الفلسطينيّة المعبّر السياسيّ عن الشخصيّة الفلسطينيّة، والممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب العربيّ الفلسطينيّ .واستمرّ ذلك طوال السنوات اللاحقة للثورة؛ وخاصّة بعد الحركة التصحيحيّة؛ حيث رأى القائد الخالد: “إنّ فلسطين الجزء الجنوبيّ من سوريّة”، و”إنّ فلسطين لسوريّة، مثلما سوريّة لسوريّة”، وما يزال هذا الدعم مستمرّاً إلى الآن.

– الوعي الوطنيّ:

إنّه الأساس في مشروع الحزب منذ تأسيسه، ويعدّ ما قامت به ثورة آذار، في هذا الإطار، امتداداً لحركات المقاومة ضدّ الاستعمار الفرنسيّ حتّى جلائه في (17) نيسان (1946م)، وقد بدأ مع ثورة الثامن من آذار التحدّي العمليّ للممارسة الفعليّة للحزب على أرض الواقع، وتطبيق الشعارات والأهداف، والتجسيد الحقيقيّ لبناء دولة وطنيّة حرّة مستقلّة قويّة عادلة؛ سواء أكان ذلك بالقرارات والإجراءات والتنظيمات والتوجّهات، أو بالبناء الفعليّ على الأرض، وعلى مختلف الصعد، ومن الطبيعيّ أن يلاقي هذا مواجهة من بقايا القوى المنهزمة، ومن رواسب الماضي، وأن تعترضه عثرات ومطبّات في الأداء؛ نتيجة قلّة الخبرة، واختلاف الرؤى والأفكار، والتحجّر والمصالح الشخصيّة؛ لكنّ الزخم، الذي بدأ به الحزب مسيرته؛ مدعوماً من الجماهير، التي واكبته ووثقت به، جعل السير متّصلاً، والإنجازات تترى.

وممّا قامت به الثورة على صعيد بناء الدولة الوطنيّة:

– قيام الحزب بقيادة الدولة؛ ترسيخاً لدوره، وتحمّلاً لمسؤوليّته، في تنفيذ مشروعه الوطنيّ، بعد حدوث تغيير جذريّ في ميزان القوى لمصلحة قوى الشعب.

– تأسيس منظّمات شعبيّة ونقابات مهنيّة، واتّحادات، تنظّم عمل الشرائح الشعبيّة، وتتولّى قيادتها بنفسها.

– الاهتمام بالتربية والتعليم والثقافة، وتطوير مؤسّساتها، وتأمين مستلزماتها.

– تأهيل الكوادر اللازمة للعمل والبناء في مختلف القطاعات.

– بناء جيش عقائديّ، ودعمه؛ للدفاع عن البلد واستقلاله، وقد ظهرت أهمّيّته في حرب تشرين التحريريّة، وفي مواجهة التحدّيات، التي لم تتوقّف، وآخرها ما شهدناه، ونشهده، منذ بداية العام (2011م).

– الخطاب الوطنيّ البعيد عن الانتماءات الفتنويّة الضيّقة.

– في الزراعة: القضاء على الإقطاع، وتنظيم العلاقات الزراعيّة، وحماية حقوق الفلّاحين، وقانون الإصلاح الزراعيّ.

– في الصناعة: إقامة المؤسّسات الصناعيّة وتأميم بعضها، وتنظيم المنشآت الصناعيّة، نواة القطاع العام، والاهتمام بالعمّال، وتأمين مكاسب لهم.

– في التجارة: الدولة مسؤولة عن استيراد السلع الاستهلاكيّة المهمّة، وتصدير المحاصيل الاستراتيجيّة؛ كالحبوب والنفط.

– في مجال النفط: تأميم الشركات الأجنبيّة العاملة في إنتاج النفط، وتوزيع المحروقات.

– في مجال الكهرباء: تأميم الكهرباء، وإنشاء المؤسّسة العامّة للكهرباء، التي ضمّت جميعشركات توليد الكهرباء في القطر.

– على الصعيد المصرفيّ: دمج المصارف في خمس مجموعات مصرفيّة، وتنظيمها على أساس التخصّص المصرفيّ، وإحداث المصرف العقاريّ، ومصرف التسليف الشعبيّ، والمؤسّسة العامّة لصندوق توفير البريد.

– في مجال التخطيط: إنشاء المجلس الأعلى للتخطيط، وهيئة تخطيط الدولة، ووضع الخطط الخمسيّة، واستثمار النفط، ومدّ سكك الحيد، ومعمل السماد الآزوتيّ، وبناء سدّ الفرات، ومعمل السكر، ومطار دمشق الدوليّ.

– وعلى الصعيد الخارجيّ: انتهاج سياسة خارجيّة مستقلّة؛ آخذة بالحسبان المصالح الوطنيّة والقوميّة.

– الوعي الاجتماعيّ:

كان التخلف والجهل يسيطران على الناس، مع الإقطاع والرجعيّة؛ إضافة إلى الانتماءات المشرذِمة: الطائفيّة والعشائريّة والعائليّة، وكان الشعب منقسماً إلى طبقة مالكة وقادرة مهيمنة قليلة، وأكثريّة محكومة، تعيش في فقر مادّيّ وتعليميّ ومعرفيّ؛ فكان لثورة الثامن من آذار مشروعها التحريريّ من الأمّيّة والجهل والعصبيّات والمعتقدات الغيبيّة، وعملت بجدّيّة على بناء مجتمع الكفاية والعدل؛ مؤكّدة أنّ المواطنين، هم أصحاب الحقّ والمصلحة الحقيقيّة في الحياة الحرّة الكريمة، والحقّ والمصلحة في المشاركة الفاعلة في قيادة المؤسّسات، وإبداء الرأي، واتّخاذ القرارات..

– الوعي الذاتيّ:

 

من أهمّ ما جاءت به الثورة، الاهتمام والإحساس بالمسؤوليّة الوطنيّة ووعي الذات الحزبيّة، وقيام الكوادر البعثيّة بمراجعة المسيرة، والتحرّك لتصحيحها وتطويرها؛ بدءاً من إعادة الارتباط والتجميع بعد الحلّ، وعقد المؤتمر القوميّ الخامس في حمص- أيار (1962م)، ومروراً بحركة (23) شباط (1966م)، والحركة التصحيحيّة؛ بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد، ومسيرة التطوير والتحديث، بعد استلام السيّد الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم في العام (2000م)؛ وصولاً إلى الإجراءات الأخيرة، التي أعلنها الأمين العام للحزب؛ بتوسيع القيادة المركزيّة للحزب، وإجراء الانتخابات، التي تسمح بمشاركة واسعة من البعثيّين في اختيار ممثّليهم إلى اجتماع القيادة المركزيّة الموسّعة، الذي سينتخب قيادة مركزيّة جديدة للحزب، وستُنتخب القيادات الأخرى المتسلسلة لاحقاً؛ ولا بدّ من الإشارة بإيجابيّة كبيرةوأمل، إلى اجتماع الرفيق الأمين العام مع مفكّري البعث، من مختلف المحافظات؛ الذي عقد الخميس (22) شباط (2024م) في دمشق؛ للوصول إلى خلاصات، تغني رصيد الحزب المعرفيّ، وتؤمّن سياقاً فكريّاً مهمّاً، يفيد في التخلّص من كثير ممّا لحق بالفكر من أدران، وممّا تجمّد، أو تعفّن، أو تشوّه؛ نتيجة للممارسات المتنوّعة المظاهر والأشكال،والمتعدّدة المجالات والمستويات، خلال حكم الحزب؛ ولا سيّما خلال سنوات الحرب العدوانيّة على سوريّة. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أهمّيّة ما جاء به الحزب مع انطلاقة الثورة، من منطلقات نظريّة، وما جاء من أفكار، خلال المؤتمرات المتتالية، وخلال المنشورات، التي كانت نشطة، وتوقّفت أو تكاد منذ سنوات، ومن الأهمّيّة بمكان الآن مراجعة تلك المنطلقات والأفكار والرؤى؛ وإعادة صياغتها،وتعديل ما يلزم، بعد الأحداث الجسام، والتغيّرات الكبرى، في المنطقة والعالم.

 

الوعي الذي رسّخته الثورة:

ما تزال أسس الوعي، الذي قامت عليه وبه ثورة آذار صالحة، وقد أثبتت الأحداث صوابيّتها؛ فالغرب الاستعماريّ ما يزال الخطر المهدّد للشعوب، وقوى النهب الإمبرياليّة، ما تزال نهمة، وما تزال الحركة الصهيونيّة عنصريّة عدوانيّة محتلّةلفلسطين ولأراض عربيّة أخرى، وتثبت شراستها ووحشيّتها كلّ يوم، وهي تؤكّد أطماعها العدوانيّة التوسّعيّة باستمرار؛ وما تزال سوريّة مناصرة لحقوق الشعوب وللقضايا المحقّة في العالم، ومؤمنة بالفكر القوميّ… وما يزال الاستقلال والتحرّر والتقدّم الهدف والغاية؛ بمشاركة الشعب وقواه العاملة المؤهّلة القادرة على العطاء والإنجاز… هذا ما يشكّل الثوابت في المواقف السوريّة حول مختلف القضايا المزمنة والمستجدّة. وما تزال سوريّة تقف ضدّ محاولات الهيمنة من قبل دول الغرب الاستعماريّ على الدول؛ من خلال العدوان المباشر، أو الحصارالاقتصاديّ، أو المساعدات المذلّة المحكومة بالقيود والضغوط.

 

الثامن من آذار والوعي المتجدّد:

 

أهمّ ما أسّست له الثورة الوعي بالمسؤوليّة؛ من خلال تحمّل المسؤوليّة بالقيادة المباشرة؛ بمختلف أشكالها ومواقعها، وبمشاركة جميع المكوّنات والشرائح الاجتماعيّة، وفي مختلف الظروف الداخليّة والخارجيّة، لمواصلة العمل والإنجاز على مختلف الصعد، ومواكبة حداثة العصر؛ بإنجازاته المتّصلة، وتقدّمه المتسارع، مع مواجهة التحدّيّات الناجمة عن أحداث وتغيّرات كبرى في العالم، وتحوّل المواقف والتحالفات والمصالح، وصعوبات ذاتيّة وموضوعيّة، وفي ظروف متحرّكة باطّراد؛ ولا سيّما في الحالات،التي يتعرّض فيها البلد لكوارث غير مسبوقة؛ ككارثة الزلزال، وكارثة العدوان المستمرّ منذ ثلاثة عشر عاماً، التي نأمل أن يكون ما نعانيه الآن كوابيسهاالأخيرة، مع تبعاتها العديدة المريرة؛ وآخرها نزيف الطاقات الشابّة والخبرات؛ إضافة إلى واجب تحرير الأراضي المحتلّة، وطرد الغزاة الجدد، وتحدّي الإرهاب، والخطاب التكفيريّ، والإعلام المضلّل، والمصطلحات الملغومة، وثورة المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والذكاء الصنعيّ وتطبيقاته، والمفاهيم الجديدة، التي تثار بقوّة من المثليّة، إلى اختيار نوع الجنس البشري، إلى تشوّهات الأسرة؛ في ما يمكن أن يصل إلى مجتمع ما بعد الإنسانيّة، الذي صار يطرح الآن.. إنّها تحدّيات تستوجب الحذر والتنبّهّ والتحصين والتسلّح بالوعي والثقافة والثقة والتماسك والوحدة الوطنيّة والانتماء الحقيقيّ؛ ولا بدّ من إجراءات مشهودة لمحاربة الفساد؛ ولا سيّما ما تمادى من تجّار الأزمة، والقضاء على الترهّل، والاستمرار في مواجهة التطرّف، وعدم الاستغراق في الخطاب الدينيّ، والتركيز على الخطاب الوطني الجامع، والاهتمام بالمراجعة والتقويم، والتجديد في الفكر والممارسة، والدعوة المستمرّة إلى الحوار والمشاركة الحيويّة قولاً وفعلاً.

لقد صمدت سوريّة وتجاوزت الكثير، وما يزال أمامنا الكثير؛ وأهمّه تفعيل الوعي الذاتيّ، بمواجهة الذات، ومراجعة ما فعلنا، والوقوف على أخطائنا، وتقصيرنا، في القيام بما يلزم، وما ينبغي من إصلاح وترميم وإعادة بناء ثقافيّة ومادّيّة وإنسانيّة.

 

(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مركز دراسات أميركي: روسيا تشهد التوسع العسكري الأكبر منذ الحقبة السوفياتية

مركز دراسات أميركي يقول إنّ روسيا تشهد التوسع الأكثر طموحاً في التصنيع العسكري منذ الحقبة السوفياتية، ويشير إلى أنه يمكن رؤية نشاط تطوير كبير في ...