يرى التقدير السنوي للوضع الإستراتيجي للأمن في الكيان الصهيوني الصادر للعام الحالي 2021 في المقدمة التي كتبها عاموس يادلين رئيس معهد «أبحاث الأمن القومي INSS» التابع لجامعة تل أبيب أن «إسرائيل ما تزال تمتلك قدرة ردع تجعل الأطراف المعادية غير قادرة على شن حرب عليها أو لا تفضل مثل هذه الحرب بسبب قدرة الردع الإسرائيلية» لكنه برغم هذا التبجح يعود ويُبين أنه «يخشى من أن تؤدي أي عملية عسكرية تشنها تل أبيب ضد جبهة الشمال إلى تصعيد يحمل نتائج غير محسوبة أو متوقعة لا تخدم المصلحة الإسرائيلية» وهذا يعني بلغة واضحة أن “القيادة العسكرية والسياسية” الصهيونية ما تزال تخشى من جبهة الشمال التي تشكل سورية والمقاومة الوطنية اللبنانية أساسها المتين بل يحسب لها حسابات كبيرة.
من جانب آخر يركز «تقدير الوضع» على الخوف من عوامل الانقسام والضعف التي بدأت تعتري الجبهة الداخلية، والطريق المسدود في دوامة الانتخابات البرلمانية، المتكررة لرابع مرة خلال عام ونصف العام، وما رافق ذلك من مضاعفات بعد الفشل الذريع في إيقاف تزايد عدد المصابين بوباء كورونا إلى حد جعل قيادة الجيش تجري فحوصات لربع مليون من الجنود تقريباً، وتفرض حجراً لأسبوعين على عشرات الآلاف منهم خلال عام من ظهور هذا الوباء، بل إن رئيس الأركان أفيف كوخافي أصيب بكورونا مرتين.
ومع ذلك يتبين من «تقدير الوضع» المذكور أن جدول العمل نفسه الذي يُوصي به ويقترحه “معهد أبحاث الأمن القومي “على أصحاب القرار في تل أبيب يضم مواضيع جدول العمل السابق نفسه وتوصياته واقتراحاته، بل وتوصيات ومقترحات السنوات السابقة نفسها، وهذا بحد ذاته يعني تماماً أن الخطط العسكرية والسياسية التي يضعها المعهد لم تنجح طوال السنوات الماضية بحل مشكلة من مشاكل الأمن الإسرائيلي وتحدياته الإستراتيجية ما يؤكد بالتالي أن القوى التي استهدفتها “القيادة العسكرية” الصهيونية وهي سورية والمقاومة اللبنانية وإيران تمكنت من إحباط كل ما وضعته تل أبيب من مخططات وما نفذته من توصيات واقتراحات ضد هذه الأطراف الثلاثة وهدا ما يثبته تكرار التوصيات والمقترحات نفسها في معظم تقديرات الوضع الإستراتيجي للأمن في الكيان الصهيوني، بل هذا ما تؤكده قدرة أطراف محور المقاومة على زيادة قوتها أمام هذا العدو وما يضعه من أهداف ضدها.
وعلى مستوى الحليف الأميركي تبين أن الولايات المتحدة نفسها أجبرت على عدم الرد على الهجوم الذي نفذه الجيش الإيراني على قاعدة القوات الأميركية داخل العراق العام الماضي، بعد أن دمر بصواريخه تلك القاعدة على مرأى من العالم أجمع ما يعني أن قدرة ردع محور المقاومة تزايدت حتى على مستوى القوة العسكرية الأميركية في المنطقة وبهذا المستوى تتضاءل قدرة ردع القوة الإسرائيلية المستمدة من الدور الأميركي وهو أكثر ما تخشاه تل أبيب بموجب توصية “معهد أبحاث الأمن القومي” حين يحذر من أي تصعيد عسكري إسرائيلي على جبهة الشمال.
ويثبت المًعدّون لتقدير الوضع الإستراتيجي الإسرائيلي أنهم لا يعولون على بالونات التطبيع التي أعدّها ترامب ونتنياهو وضخما كثيراً من استعراضها في سياستهما الخارجية لأن بالونات التطبيع هذه لن تحمل أي عامل يُحصّن أمن المستوطنين، فلم تكن صواريخ المقاومة تنطلق من تلك الدول البعيدة عن ساحة الصراع التاريخي المباشر ضد هذا الكيان، ولذلك تزداد تعليقات المستوطنين الساخرة من هذا التطبيع الذي لن يحمل لهم شيئاً من الأمن طالما أن جبهات المقاومة التاريخية والقتال ضد الاحتلال الصهيوني ما تزال تتزايد قدراتها وأخطارها من جبهة الشمال وجبهة المقاومة الفلسطينية.
كما يدرك المستوطنون أن العرب في كل مكان يرفضون التطبيع معهم ويعدونهم أعداءاً لأنهم مغتصبون لفلسطين وقدسها والجولان العربي السوري ولن يستسلموا لهذا الاحتلال, وبالمقابل لم يعد الزمن يعمل لمصلحة الكيان الصهيوني الذي كان يشكل المستوطنون فيه 85% في أراضي فلسطين المحتلة بعد إعلان هذا الكيان عام 1948 ثم أصبحوا يشكلون بعد توسيع احتلالهم بعد عدوان 1967 لأراضي الضفة الغربية 45% مقابل 55% من الفلسطينيين المنتشرين داخل أراضي عام 1948 وأراضي الضفة الغربية والقدس، وهذا ما يؤكد هزيمة مشروعهم المعلن عنه لفرض “دولة لليهود” وحدهم. وهم في الوقت نفسه سيظلون غير قادرين أبداً على فرض سياسة ترحيل وإبعاد سبعة ملايين فلسطيني ما زالوا يتمسكون بوجودهم المستمر والمقدس في فلسطين من نهرها إلى بحرها، وما زالوا يتلقون دعماً لا يتوقف من قوى محور المقاومة ومن كل الشعوب العربية الشقيقة.
كاتب من فلسطين
(سيرياهوم نيوز-تشرين)