الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » السعادةُ قرارٌ من وحي رمضان

السعادةُ قرارٌ من وحي رمضان

 

 

كتب د. المختار

 

تمضي حياتُنا كلُّها في الانتظارِ، وتسرقُنا الأيامُ دونَ أن نشعرَ أنَّ هذه الأيامَ التي تمرُّ مرورَ السحابِ، هي عمرُنا الذي سنعيشُه مرةً واحدة…

 

ننتظرُ مرورَ الساعاتِ لتنتهيَ ساعاتُ العملِ .. ثم ننتظرُ مرورَ الأيامِ بإلحاحٍ لينتهيَ الشهرُ، ومن ثمّ مرورَ الأشهرِ لينتهيَ العامُ…

 

الطالبُ ينتظرُ ويؤجِّلُ كلَّ شيءٍ إلى مابعد نجاحِه والحصولِ على الشهادةِ، والطبيبُ والمهندسُ ليتخرجَ، والضابطُ ليترفعَ، والأهلُ ليكبرَ الصغيرُ، وإن كبُرَ ليتزوجَ، وإن تزوجَ ليُنجبَ، وإن أنجبَ ليكبرَ أولادُه، وقد نسينا أن نستمتعَ بحياتنا وبهم، وفجأةً نستيقظُ على حقيقةٍ مُرّةٍ أنَّ العمرَ قد فاتَ. فلنستمتعْ بالطفل الصغيرِ كلَّ يومٍ بيومِه ونراقبه وهو يكبرُ بلفظِ كلمةٍ جديدةٍ كلَّ يومٍ، وبسلوكٍ جديدٍ كلَّ يومٍ، يمكنُنا أن نعيشَ تلك المراحلَ دونَ انتظار…

 

فلنعشِ اللحظةَ ولنفتّشْ عن السعادةِ في كلِّ لحظةٍ وفي كلِّ تفصيلٍ من تفاصيلِ حياتِنا…

 

فالسعادةُ قرارٌ، السعادةُ هي الرضا، والرضا سلامٌ داخلي ينبعُ من القناعةِ، القناعةُ التي لاتتعارض مع الطموح…

 

ننتظرُ أن يأتيَ الشتاءُ، وعندما يحلُّ علينا ننتظرُ انتهاءَه مترقّبين مرورَ الفصولِ فصلاً تلوَ الآخر، نشتاقُ للشتاءِ وطقوسِه وإن أتى نملُّه ونستعجلُ قدومَ الصيفِ وهكذا، وهناك من يكتئبُ بالخريفِ ويتفاءلُ بالربيعِ، وهناك العكس…

 

بحنينٍ نودّعُ شهرَ رمضانَ عندما ينتهي كلَّ عامٍ، ونبدأُ نترقّبُه للعامِ القادمِ ونعدُّ الأيامَ بقي كذا وبقي كذا، وعندما يدخلُ علينا نستعجلُه ونعدُّ كم بقيَ منه وكأنَّ مهمتَنا العدُّ وتسديدُ القيودِ مع الأيامِ والزمنِ.

 

لا تؤجلْ عملَ الخيرِ من رمضانَ لآخرَ، ولا تؤجلْ مصالحتَك مع شخصٍ عزيزٍ إلى الغدِ، ولا تؤجلْ برَّ والديك إلى ساعةٍ، ولا تؤجلِ النفقةَ للحظةٍ أخرى، فقد لا يسعفُك العمرُ، سامحْ ثم سامحْ، ثم سامح.

 

ننتظرُ أن يأتيَ الوقتُ المناسبُ لنتحدّثَ مع من نحبُّ لنُسمِعَه كلاماً طيباً يستحقُه، ونشكرَه على تعبِه، وتمرُّ الأيامُ والليالي ولا يأتي الوقتُ المناسبُ، ويمرُّ وقتُ تلك الكلماتِ العذبةِ التي لو قِيلت بوقتِها لكانت بلسماً للجراح، وتمرُّ الأيامُ ولا نقولُها لأنّنا ننتظرُ الوقتَ المناسبَ لنتحدثَ، وفي الحقيقةِ كلُّ وقتٍ هو الوقتُ المناسبُ فلا تؤجّل.

 

ننتظرُ الوقتَ المناسبَ لنتصالحَ مع من اختلفنا معه، وقد يُحلُّ الخلافُ بكلمةٍ طيبةٍ، وتمضي الأيامُ وتتراكمُ السلبياتُ ويتدخّلُ المحيطون ويكبرُ الخلافُ، ويُنسى السببُ الحقيقي الذي حدثَ أولاً وتُخلَقُ أسبابٌ أخرى، ويصبحُ الصلحُ أمراً بعيدَ المنال، فلا تنتظر…

 

يمُرُّ شريطُ الحياةِ أمامنا كالحلم لنجدَ أنّنا قد قضيناها انتظاراً، أو كيديّاتٍ أو ضغائنَ ومعاندةً، وغفلةً، وتمرُّ دونَ أن نعيشَها، دون أن نشعرَ بلذةِ ما نعيشُه، دون أن نعيَ أنَّ اليومَ الذي يمرُّ هو من العمرِ مثلُ مياهِ النهرِ لن يتكرّرَ، ولن يكونَ اليومُ مثلَ سابقِه.

 

والمرارةُ هي أن نكتشفَ ذلك بعدَ أن يكونَ قد فاتَ الأوانُ، ودون أن نعطيَ الفرصةَ لأنفسِنا لنسعدَ بكلِّ تلك التفاصيلِ التي هي جوهرُ حياتِنا بالفعل…

 

ربّما يكمُنُ الحلُّ كلُّه في التوقفِ عن الانتظارِ. علينا أن نعيشَ الحياةَ لا أن ننتظرَها.. لا شيءَ في هذه الحياةِ يستحقُّ الانتظارَ، لا تنتظرْ حدثاً معيناً وتقل عندما أحقّقُه سأعيشُ حياتي، فقد تخطفُك يدُ القدرِ قبلَ أن تصلَ إليه….

 

أحياناً نشعرُ بمدى حقيقةِ الأمورِ من حولِنا، وأحياناً أخرى نشعرُ أنّ كلَّ شيءٍ من حولِنا مُزيّفٌ، لكن الحقيقةَ الثابتةَ هي أنَّ الذي يمضي ولن يعودَ هو عمرُنا، فاختلافُ شعورِك تجاهَ الأشياءِ، أهي وهمٌ أم حقيقةٌ، لن يغيّرَ في جوهر الأَشياءِ شيئاً.

 

فالسعادةُ قرارٌ، فخُذْ قرارَك من اليومِ ولا تنتظرْ، وتمتّعْ بكلِّ تفصيلٍ من تفاصيلِ حياتِك في وقتِه.

 

ودمتُم بخير.

(سيرياهوم نيوز ٣-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من هي الفرقة الناجية..؟

  يافع منصور لا تكاد تخلو قناة دينية اليوم من الحديث عن الفرقة الناجية وكل يسحب البساط إليه. ولهذا أقول كلمتي وجوهر اعتقادي بالفرفة الناجية. ...