راما العلاف
يحقق الكثير من الأفراد عالمياً أرباحاً طائلة عبر استخدامهم التجارة الالكترونية، ويبدو أن هذا لم يكن صعباً محلياً كما يتوقع البعض، الأمر لا يقتصر على البرامج التي بدأت تنتشر مؤخراً، بل باتت تنتشر بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك ومجموعات الواتساب، والسؤال الذي بات يطرح نفسه من يضبط هذه الأنشطة الإلكترونية في سورية ويحمي المستهلكين من الغش والاحتيال، وهل تخضع أرباحها للتحصيل الضريبي كما تخضع رواتب الموظفين الهزيلة وأصحاب الحرف والمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التي تحاول أن تشق طريقها في ظروف صعبة تثقل كاهلها الضرائب وارتفاع التكاليف وأسعار حوامل الطاقة؟
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية رأى في حديثه لـ«الوطن» أن فرض وتحصيل الضرائب على أنشطة وأرباح التجارة الإلكترونية مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة من آليات تنفيذ التبادل التجاري الإلكتروني بحد ذاته، حيث إنه على الجهات الرسمية الضريبية التعامل مع مكلفيها غير المرئيين وغير المكلفين سابقاً الذين قد يتواجدون في مواقع وعناوين وجغرافيا مجهولة، عدا صعوبة التواصل المباشر غير المضمون مع المكلفين وصعوبة وربما استحالة إيجاد الأقنية المناسبة لتسديد وقبض (أو تحويل واستلام) المبالغ الضريبية المتوجبة.
لذا فإن ترويج وتنشيط التجارة الإلكترونية في سورية مقيد ومحكوم بمدى توافر البنية التحتية والبرامجية الإلكترونية المناسبة والكافية، إلى حين إيجاد الأرضية والبنية والبرامج والوسائط والأدوات الإلكترونية القادرة على متابعة ورصد وجمع وتجميع من وثائق ومعلومات لا بد منها للتمكن من فرض التكليف الضريبي المناسب والعادل والمقبول، عدا تعقد إجراءات وسبل تسديد وتحصيل الأموال الضريبية بين المكلف والجهة الضريبية.
وأكد فضلية ارتباط توسع وانتشار التجارة الإلكترونية عالمياً بتطور نظم المعلومات وبنيتها التحتية والبرمجية، ونظراً للانتشار الواسع لتبادل المعلومات والمراسلات عبر الإنترنت والمواقع ذات الصلة، فإن القيام بالأنشطة التجارية إلكترونياً قد أسهم بتسريع تبادل المعلومات وإرسال واستقبال الفواتير والعروض والرسائل الصوتية والصور ونشرات المواصفات الفنية ومعظم الوثائق اللازمة بين الأطراف ذوي الصلة، إضافة إلى تطور شركات وأساطيل ومستلزمات الشحن والنقل وتطور أساليب الدفع والتسديد واستلام الأموال عبر الحسابات المصرفية ومن خلال شبكات مصرفية وسلاسل متطورة ومأمونة.
وأشار فضلية إلى أن أهم الميزات الأخرى هي انخفاض تكلفة القيام بها وإتمامها بسبب عدم احتياجها إلى الكثير من الموظفين أو للمقرات الإدارية المكتبية المكلفة؛ حيث يمكن أن تقوم بها الأطراف من أي موقع جغرافي أو من المنازل وغرف الفنادق السياحية وبأي وقت من النهار والليل من دون ضرورة التقيد بأوقات دوام عمل محددة، وكذلك الأمر بالنسبة للمشتري حيث وفرت عناء وتكاليف الذهاب أو السفر إلى عقر دار المنتج أو البائع، إنما يكفي الجلوس إلى الحاسوب ومشاهدة مئات وآلاف الصفحات التي تتضمن صور المواد والسلع والأشياء موضوع الصفقة.
لذا يتبلور السؤال في هذا الإطار فيما إذا كان الربط الإلكتروني سيكون قاصراً على الأنشطة التقليدية أم من الممكن أن يجد طريقه إلى أنشطة التجارة الإلكترونية؟
من جانبه أكد عضو مجلس الشعب والأستاذ في كلية الحقوق جامعة دمشق الدكتور محمد خير العكام في حديثه لـ«الوطن» أن أي نشاط يحقق دخلاً سواء عن طريق «ألعاب إلكترونية أو تجارة إلكترونية» فإنه يخضع للضريبية وفقاً لقانون ضريبة الدخل رقم /24/ المادة /2/ التي تتراوح معدلاتها بين 10 حتى 25 بالمئة من الربح الصافي، إلا أن القانون لم يفصل الأنشطة الإلكترونية عن غيرها، مشيراً إلى إمكانية تضمين ضريبة التجارة الإلكترونية ضمن مشروع قانون ضريبة الدخل القادم بشكل صريح، إلا أن الإشكالية الحالية تقع في ضعف قدرة الإدارة الضريبية على ملاحقة هذا النوع من النشاط وتقدير الدخل الناتج عنه.
وشدد على أهمية أن يميز المشرع السوري بين التصرفات المباحة والتصرفات التي تعد جريمة وفقاً لقانون الجريمة الإلكترونية في سورية، كقيام الأفراد باستخدام بعض المواقع والألعاب أو تطبيقات البث المباشر التي تعتمد على المشاهدات والإعجابات في تحقيق الربح المادي التي قد تروج لأمور غير صحيحة وغير جيدة، وهو أمر يجب أن يعاقب عليه وفقاً لقانون الجريمة الإلكترونية إذ تم تجريم العديد من الأنشطة التي تمارس عبر الإنترنت.
ورأى أنه على الحكومة أن تسعى إلى تنظيم أنشطة التجارة الإلكترونية التي باتت تشكل عالمياً نسبة لا بأس بها من حجم التجارة الكلي، لافتاً إلى أن كثيراً من الإيرادات لا يتم تحصيلها في سورية بسبب عدم تنظيم هذا النشاط، وخاصة الصفقات الإلكترونية والسلع غير المادية «المنتجات الرقمية» التي تعد إشكالية التجارة الإلكترونية كأن يقوم أحد ما بتصميم معين بناء على طلب الزبون ويرسل له التصميم لقاء أجر مادي يصل إلى آلاف الدولارات، وهذه الخدمات هي سلع غير مادية ولا تخضع لضبط وفوترة وبالتالي يصعب تقدير قيمة الضريبة، مشيراً إلى إقرار قانون حماية البيانات الشخصية مؤخراً ليكون خطوة في طريق ترخيص وضبط الأنشطة الإلكترونية.
ورأى العكام أنه من الممكن ترخيص التجارة الإلكترونية كخطوة لاحقة وفق معايير معينة إذ إن العديد من الدول سبقت سورية في تنظيم التجارة الإلكترونية ونظمت الضريبة عليها كدولة مصر التي فرضت الضريبة على التجارة الإلكترونية ومنحت إعفاءات ضريبية للتجارة ذات الطابع الفردي، وطرح مثالاً التسويق الإلكتروني على «الفيسبوك»، مبيناً أن الشخص الذي يشتري بعض السلع كالألبسة مثلاً ويقوم بتسويقها عن طريق الإنترنت وبيعها فهو نشاط لم يخضع أساساً لفواتير وهو لا يشكل مشكلة في حال كان بنطاق ضيق ويجب دعمه على اعتباره نشاطاً متناهي الصغر ويعفى من الضريبة، إذ إن أغلب من يمارسون هذا النشاط هم فئة الشباب واليافعين ويجب دعمهم، إلا أن الأنشطة الكبيرة يجب أن تخضع للضريبة.
سيرياهوم نيوز1-الوطن