سعيد محمد
لندن | رفعت فرنسا حالة التأهّب الأمني في البلاد إلى أعلى درجة، بعدما أعلن رئيسها، إيمانويل ماكرون، أن تنظيم «داعش – خراسان» قام بالفعل «بعدّة محاولات» لمهاجمة بلاده في الأشهر الأخيرة. وتقاطع تحذير الرئيس الفرنسي من هجمات محتملة قد يشنّها التنظيم الجهادي، الذي يَتّخذ من أفغانستان مقراً له، مع تصريحات صحافية أدلت بها وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيسر، اعتبرت فيها «داعش- خراسان أكبر تهديد إسلامي إرهابي في البلاد»، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية في برلين أَحبطت العديد من المؤامرات التي خطّطت لها المجموعة خلال الأشهر الـ18 الماضية. وقالت فيسر، في مقابلتها مع صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ»، إن «الخطر الذي يشكّله الإرهاب الإسلامي لا يزال مرتفعاً بشدّة». ووفق الشرطة الألمانية، فإن شخصَين يُعتقد بأنهما ينتميان إلى «داعش – خراسان» اعتُقلا الأسبوع الماضي، بينما كانا يحضّران لهجوم على البرلمان السويدي. كما تمّ القبض على أربعة أشخاص من التابعية الطاجيكية ينتمون إلى التنظيم عشية رأس السنة، على خلفية تخطيطهم لتنفيذ هجوم على كاتدرائية في مدينة كولون. ونقلت الصحف عن مسؤول في الداخلية الألمانية، قوله تعليقاً على ذلك التطور، إن المركز الألماني الحكومي المشترك لمكافحة الإرهاب يقيّم النسخة «الخراسانية» لـ»داعش» على أنها «الأكثر عدوانية» من بين جميع المنضوين تحت مظلّة التنظيم عالميّاً.من جهتها، أعلنت النمسا أنها أَحبطت بالفعل هجمات كان إرهابيون مرتبطون بتنظيم «داعش – ولاية خراسان» يخطّطون لشنّها ضدّ مؤسسات دينية مسيحية خلال فترة أعياد الميلاد قبل عدة أشهر؛ إذ احتجزت السلطات في فيينا ثلاثة أشخاص على صلة بالمؤامرة المزعومة. ويَتهم مسؤولون غربيون، التنظيم المتطرّف، بتنفيذ الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، وأسفر عن مقتل 137 شخصاً على الأقل. ومع أن القيادة الروسية ألقت باللوم على النظام الأوكراني في الإيحاء بالهجوم، إلا أن محكمة ابتدائية في موسكو استجوبت المهاجمين الذين ألقت السلطات القبض عليهم، وقالت إن أربعة منهم على الأقلّ من التابعية الطاجكية، ممّا يدعم فرضيّة تورّط «داعش – خراسان»، والذي يشكّل الطاجيك غالبية منتسبيه.
وكانت السفارة الأميركية في موسكو، وأجهزة اسخبارات غربية، حذّرت روسيا من احتمال تعرّض موقع عام في العاصمة الروسية لهجوم يشنّه «داعش – خراسان»، فيما ادّعت صحف غربية أن السلطات الروسية تجاهلت تلك التحذيرات. لكنّ مراقبين اعتبروا أن ما تقدّم، قد يكون أوضح إشارة إلى عزم الولايات المتحدة على إعادة تفعيل التنظيمات الجهادية الإسلامية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في جوار روسيا، وعلى البرّ الأوروبي. وجاء تصريح قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، أمام الكونغرس ليعزّز الشكوك المشار إليها، إذ أبلغ النواب بأن «خطر هجمات قادمة من أفغانستان آخذ في الازدياد»، ونبّههم إلى أن «داعش بنسخته الخراسانية يحتفظ بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الغربية – بما فيها تلك الأميركية – في أقل من ستة أشهر».
أقدمت فرنسا وإيطاليا على رفع درجة التأهب الأمني خشية وقوع هجمات إرهابية
وكما كان متوقّعاً، سارع الأوروبيون إلى التناغم مع تلك التصريحات؛ فإلى مواقف الرئيس الفرنسي ووزيرة الداخلية الألمانية، أقدمت إيطاليا بدورها على رفع درجة التأهب الأمني بعد اجتماع عقده مجلس الأمن القومي للجمهورية استباقاً لاحتفالات الأسبوع المقدّس قبل أعياد الفصح. ونبّهت وزارة الداخلية مواطنيها إلى زيادة تواجد القوات الأمنية في الشوارع والأماكن العامة والتجمعات الدينية، لافتةً إلى أنها قد تنفّذ أعمال تفتيش ومراقبة، ولا سيما بالقرب من المواقع الحسّاسة. وتكرّر الأمر في صربيا، حيث قال الرئيس ألكسندر فوسيتش إن القوى الأمنية ورجال شرطة يرتدون ملابس مدنية سيراقبون الملاعب الرياضية ومراكز التسوّق في العاصمة بلغراد.
ويقول خبراء في شؤون الجماعات الجهادية، إن تنظيم «الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» يتبع ذات الأيديولوجيا المتطرّفة التي أطلقها فرع التنظيم في سوريا والعراق. ويميل بعض الخبراء إلى ربط التنظيمَين – كما فرعهما في الصحراء الأفريقيّة أيضاً – بسياسة اتّبعها الأميركيون منذ سبعينيات القرن الماضي وتقضي بتوظيف الإسلاميين المتطرّفين ضدّ الأنظمة المعادية للولايات المتحدة، لإثارة القلاقل وتخويف الجمهور في الغرب ليتقبّل تقليصاً في هوامش التعبير السياسي المعارض للنخب الحاكمة. وتدّعي السلطات الأميركية أنها تعادي تنظيم «داعش – ولاية خراسان» الذي ظهر إلى العلن لأول مرّة في عام 2015، ويسعى إلى إقامة دولة إسلامية في قلب آسيا، فيما أعلنت عن مكافأة قدْرها 10 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدّي إلى القبض على زعيم التنظيم، صنع الله غفاري، (29 عاماً) المشهور بلقب «شهاب المهاجر»، والذي يُعتقد أنه يتمركز في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.
وينشط التنظيم بشكل رئيسي في أفغانستان، حيث نفّذ عشرات الهجمات بعد انسحاب الأميركيين من هذا البلد، بما في ذلك تفجير انتحاري في مطار العاصمة كابول في عام 2021 أسفر عن مقتل 175 شخصاً على الأقل. كما استهدف الأقلية الشيعية بعدّة هجمات، واغتال عدداً من مسؤولي «طالبان». وفي عام 2022، نفّذ اعتداءً على السفارة الروسية، لكنّ حركة «طالبان»، التي تولّت مقاليد الأمور في كابول بعد خروج القوات الأميركية في عام 2021، نجحت إلى حد كبير في الحدّ من هجمات التنظيم، ما جعله أكثر اعتماداً على الشبكات السرّية في دول وسط آسيا، والمؤيدين في دول الغرب، كما بقاياه في الأجزاء المحتلة من شمال سوريا.
سيرياهوم نيوز٣_الاخبار اللبنانية