أكد الرئيس بشار الأسد خلال حواره مع مجموعة من أساتذة الاقتصاد البعثيين من مختلف الجامعات العامة، أن صناعة الحلول لتحدياتنا ومشاكلنا هي عملية تراكمية يؤدي الحوار فيها دوراً رئيسياً لأنه يخلق الرؤية والسياسات الصحيحة، معتبراً أن الحوار لا يمكن أن يكون منتجاً على مستوى القضايا الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ما لم يكن ممنهجاً وشاملاً ومستمراً على مستوى المجتمع والمؤسسات والإعلام، وبين مختلف الشرائح والقطاعات، ومدعماً بعقل علمي وعملي وأكاديمي، ومشدداً على أنه لا يتم مناقشة مبدأ الدعم، فالدعم يجب أن يبقى وإنما النقاش هو حول شكله، موضحاً أنه عندما نرى الدعم جزءاً من الاقتصاد عندها فقط يتحول إلى حالة مفيدة.
وفي رده على سؤال بأن حزب البعث تبنى في سياساته الاقتصادية والاجتماعية عبر عقود الطبقات الفقيرة، فهل كان التبني على حساب هوية وبنى الاقتصاد السوري، وهل حصدنا من هذا التبني ضرراً على بنى وهياكل الاقتصاد حالياً؟ قال الرئيس الأسد، حسب ما جاء في مقطع فيديو نشره موقع رئاسة الجمهورية: «المفروض أي حزب أو حكومة اشتراكية أو غير اشتراكية، أن تنحاز للفقراء باعتبار أنهم الطبقة التي تحتاج إلى الدعم، وهم الطبقة الأكثر هشاشة، لكن نحن لم ننطلق من هذه الفكرة فقط، بل انطلقنا من فكرة الصراع الطبقي، وبالتالي هو فكرة أيديولوجية، والكثيرون يعتبرون الصراع الطبقي شيئاً حتمياً، ونحن في سياساتنا منحازون للفقراء لكن الإجراءات التي نطبقها لمصلحة الفقير تنعكس عليه سلباً، فالدعم هو لمصلحة الفقير، والانحياز يجب أن يكون ضمن سياسات مدروسة، وميزة السياسة أنها ترى الأمور بشكل شامل».
وأوضح الرئيس الأسد أن أولى مطالب الفقير، هي فرصة العمل، لأنه في حال تحقق الدعم وتم تثبيت الأسعار من دون وجود عمل فسوف يبقى فقيراً، إذاً فالأولوية هي لفرص العمل بالنسبة لأي مواطن فقير، كي يستطيع أن يرفع مستواه ويصبح طبقة وسطى.
وأضاف: أعتقد أن الانحياز صحيح ولكن ضمن سياسات تشمل الجميع، والانحياز لا يعني أن نكون ضد الآخرين، إنما هو فقط للفقير لأنه أكثر حاجة، والانحياز يتطلب من الفرد أن يقوم بسياسة شاملة تشمل كل الشرائح، لأن مصلحة الشرائح مع بعضها بعضاً، وبالتالي فكرة الصراع الطبقي فكرة غير صحيحة، وإنما فكرة المصلحة المشتركة بين الطبقات هي الصحيحة».
وفي رده على سؤال، هل تغير مفهوم الدعم بالوقت الراهن نتيجة تغير الأحوال المعيشية وما هو المعنى الصحيح والمفيد لسياسية الدعم، وهل سياسة الدعم الحالية تحقق العدالة الاجتماعية، وهل من الأنسب التوجه نحو سياسة التنمية الشاملة كبديل عن الدعم؟ أكد الرئيس الأسد أنه «عندما نتحدث عن الدعم على أنه ينطلق من أيديولوجيا أو من دافع خيريّ، فإنه لن يكون ناجحاً ولا توجد دولة أو مجتمع يسير في هذا النهج، الدعم هو عمل اقتصادي، وعندما يتم رؤية الدعم على أنه جزء من الاقتصاد، عندها يتحول الدعم إلى حالة مفيدة، وإذا تم وضع الدعم كجزء من الاقتصاد، فالدعم ضروري، وإن الدول الأكثر رأسمالية تقوم بالدعم لكن شكل الدعم عندهم مختلف، من حيث الآليات، فربما يدعمون الإنتاج، أو التصدير أو التكنولوجيا، أو يضعون حواجز رغم حديثهم عن سوق التجارة الحرة، ولم يعد هناك سوق تجارة حرة، فهي تتراجع خاصة من قبل أميركا بالذات كي تحمي صناعاتها، وحتى الحماية شكل من أشكال الدعم للإنتاج.
وقال الرئيس الأسد: نحن في سورية لا نناقش مبدأ الدعم، الدعم يجب أن يبقى، النقاش هو حول شكل الدعم، هذا الشكل ليس واضحاً لمن، إذا كان موجهاً للفقير، فالفقير لم يستفد منه، والأهم من ذلك نحن نتحدث عن مكافحة الفساد، وأكثر بيئة للفساد هي طريقة الدعم التي نقوم بها.
وتابع: الدعم يجب أن يبقى، والنقاش ما هو شكل الدعم وكيف يتم تحويله وما هي المراحل وما هي شبكات الحماية الاجتماعية، وكم نملك من الوقت للانتقال إلى الحماية الاجتماعية، حتى نتمكن من تغيير شكل الدعم؟ فالعنوان بتغيير شكل الدعم، سهل، لكن ما هي الطريقة الأفضل وما هي الطريقة الأقل ضرراً بالمرحلة الانتقالية، باعتبار المراحل الانتقالية تكون صعبة، على كل المجتمع وخاصة على المستفيد من الدعم، إذا افترضنا أن المستفيد هو الإنسان الفقير؟
وأضاف الرئيس الأسد: «مبدأ الدعم لا يجب التخلي عنه لا سياسياً ولا شعبياً ولا إيديولوجياً، وحتى اقتصادياً فإن الدعم ضروري، والدولة لا توفر الأموال كي تضعها لديها في البنك، بل دور الدولة في أن تصرف الأموال، لكن المهم كيف تصرفها؟ والدولة تعمل برنامجاً، ولكن عندما لا يكون لديها واردات وتصرف الدعم في المكان الخاطئ بالفساد، فكيف ستدعم البرامج»؟
وفي رده على تساؤل بخصوص كيفية تطبيق حزب البعث كحزب حاكم للنهج الاشتراكي في الاقتصاد، اعتبر الرئيس الأسد أن أي مصطلح مهما كان صحيحاً بعد فترة سيصبح مصطلحاً قديماً والسبب بسيط هو أن العالم يتغير والمفاهيم تتغير معه، وفي حال لم نتماشَ مع الظروف والمتغيرات سنبقى نحن والمصطلح بالخلف.
وقال: «الاشتراكية بالنسبة لنا هي ليست الاشتراكية المعرّفة بحسب كارل ماركس والتي هي ملكية وسائل الإنتاج، بل الاشتراكية بالنسبة لنا هي عدالة اجتماعية، وهي منصوص عليها بالدستور بشكل آخر».
وأضاف: «العدالة الاجتماعية هي تكافؤ الفرص بين مختلف الشرائح، الأفقر والأغنى، وهي لا تشمل فقط الاقتصاد بل تشمل كذلك الإدارة والعدل وتشمل كل شيء فكل إدارات الدولة فيها تكافؤ فرص، ولذلك علينا تحديد ما هو مضمون الاشتراكية».
وتابع: «سنبقى حزباً اشتراكياً ولسنا بصدد تغيير المصطلح ولكن بصدد تغيير السياسات التي تعبّر عن المصطلح، فجوهر الاشتراكية علينا تعريفه بكلمة العدالة الاجتماعية، وانطلاقاً من هذا التعريف نحدد ما هي السياسات التي تؤدي للعدالة الاجتماعية ففي هذه الحالة سنكون غير مقيدين ومرنين».
وقال الرئيس الأسد: «الخطأ بأن الحزب أخذ دور الحكومة في الأمور التنفيذية والحكومة أخذت دور الحزب في السياسات العامة، وتم قلب الدور، والمفروض أن يكون العكس».
(سيرياهوم نيوز ١-رئاسة الجمهورية-الوطن)